يبدو أن معدلات استهلاكنا العالية التي تشمل قائمتها المياه والكهرباء والمنتجات النفطية، تأخذ دائرتها في الاتساع يوماً بعد آخر لتضيف إلى تلك القائمة مزيداً من معدلات الاستنزاف لموارد أخرى، لعل آخرها وربما لن يكون الأخير هو الاسمنت المادة الأساسية التي يتزايد اعتمادنا عليها في قطاع البناء، حيث تشير الدراسات بأن استهلاك الفرد من الإسمنت في المملكة يعد من أكبر معدلات الاستهلاك في العالم نسبة إلى عدد السكان، حيث أنه عند حساب هذا المعدل للاستهلاك الذي عادة ما يقاس من كمية الإنتاج السنوي من الاسمنت نسبة إلى عدد السكان تكون المملكة الأولى على مستوى العالم بمقدار (2) طن لكل فرد من السكان، فالمملكة تنتج من مصانع الاسمنت المنتشرة في مناطقها الثلاثة عشر ما يصل إلى (62) مليون طن من الاسمنت سنوياً، بينما الصين التي تبلغ حصتها نحو (57%) من الإنتاج العالمي للإسمنت وتعد من الأكثر استهلاكاً له، لا يتجاوز مقدار هذا المعدل لديهــا (1.5) طن لكل فرد من السكان وكذلك الحال بالولايات المتحدة الامريكية، الذي لا يزيد هذا المعدل عن (0.3) طن لكل فرد من سكانها.
لقد شهدت المملكة منذ نحو سبعين عاماً إنشاء اول مصنع بها لإنتاج الإسمنت، تلته مصانع أخرى، إلا أنها لم تحقق الاكتفاء الذاتي ومن ثم إمكانية الانتقال إلى مرحلة تصديره إلا بعد أربعة عقود حينها أصبحت أكبر منتج ومستهلك للإسمنت على مستوى مجلس التعاون الخليجي، ووصلت إلى مرحلة تلبية الطلب المحلي والاكتفاء الذاتي من هذه المادة الأساسية نتيجة لتوفر عنصرين، الأول هو رخص أسعار المواد الخام، والثاني هو الدعم الحكومي لأسعار الوقود الذي يمثل أكثر من ثلث اجمالي تكلفة هذا الإنتاج من الإسمنت، إلا أن هذا الدعم الذي قاد للأسف إلى ارتفاع استهلاك مصانع الاسمنت المحلية من الوقود عن المعدل العالمي بأكثر من ثلاثة اضعاف، أصبح في الوقت الحاضر محل إعادة نظر، بل والمطالبة من جهة الحكومة لشركات الاسمنت أن تخفض من استهلاك الوقود، عبر إعادة تأهيل المعدات، واستخدام التقنيات المتقدمة التي تزيد من كفاءة إنتاجها، الأمر الذي قد يكون له تأثيره المستقبلي على هامش الربح الذي تحصل عليه المصانع القائمة وبالتالي احتمال زيـــادة الأسعار، أو تراجع القدرة على جذب الاستثمارات نحو تنمية قطاع صناعة الاسمنت في المملكة خلال السنوات القادمة.
إن مما يحلو وصفه من بعض المتخصصين للخرسانة التي يعد الاسمنت قوامها الأساسي هي أنها المادة الثانية الأعلى استهلاكاً في العالم بعد الماء، وهو الوصف الذي يمكن أن نرى له شواهد لدينا على أرض الواقع مجسداً في مثال بسيط لفيلا سكنية صغيرة لا تتعدى مساحة أرضها الاربع مئة متر، وما يحتوي عليه هيكل هذه الفيلا الانشائي من كمية خرسانة ربما زاد عن المئة وخمسين متر مكعب، وما أغدق على بناء هذا الهيكل الانشائي من عشرات الاطنان من الاسمنت، خلاف ما تحتوي عليه جدران هذه الفيلا واعمال اللياسة بها، فما هو الحال في المشروعات الانشائية الكبرى الحكومية والعائدة للقطاع الخاص، ومباني الوحدات السكنية بمختلف احجامهــا في مشروعات الإسكان العام والخاص، إننا لو وسعنا الدائرة لنطاق أكبر سنجد أن هذا الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يضاف له ما تزخر به نفايات مدننا من مخلفات مبان تزيد نسبتها عن (80%) من حجم تلك النفايات، التي لو تأملناها جيداً لوجدنا أن جلها مكون من مواد إسمنتية.
نقلا عن الرياض
cznznvznbxhmmxmb