حول ربط أنظمة المدفوعات الخليجية

27/04/2017 2
عدنان أحمد يوسف

وافقت لجنة محافظي مؤسسات النقد والمصارف المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعها الذي عقد في المنامة أخيراً على التفاصيل الفنية المتعلقة بتأسيس شركة تعنى ببناء نظام ربط أنظمة المدفوعات بدول مجلس التعاون، واختيار العاصمة السعودية الرياض مقراً رئيساً لعملياتها. وستعمل الشركة لتأسيس نظام لتسوية المدفوعات بين دول المجلس التعاون الخليجي، وستكون الشركة مملوكة لمؤسسات النقد والمصارف المركزية الخليجية وتعمل على أسس تجارية. ومن شأن هذه الشبكة أن تحقق بناء نظام لتنقل الأموال موازٍ لنظام «سويفت»، فتنشأ آلية خاصة لحركة الأموال مبنية على قاعدة صلبة عبر المصارف المركزية ومؤسسات النقد بتكلفة أقل وبسرعة أكبر ومن دون أي معوقات.

ويجب أن ننوه في البداية أن هذا الموضوع تناولناه في مقالات وبحوث، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 بعدما اتضحت الحاجة بصورة جلية لوجود نظام عربي لتسوية المدفوعات يدعم مشاريع التكامل الاقتصادي العربي من جهة، ويساهم في تجنيب الدول العربية الهزات التي يشهدها النظام المالي العالمي من جهة أخرى. وتبنينا طرح هذا الموضوع من خلال اتحاد المصارف العربية في العديد من المؤتمرات والاجتماعات عندما كنت أترأس مجلس إدارته.

إن تأسيس نظام المدفوعات يعتبر أحد المستلزمات الضرورية للتهيئة لقيام العملة الموحدة من خلال إيجاد نظام موحد لتسوية المعاملات المالية التي تجري بها هذه العملة كما لو كانت تجري في بلد واحد. كما تكمن أهمية ربط أنظمة المدفوعات في تسريع حركة انتقال التجارة والاستثمارات، بما يخدم تفعيل بنود السوق الخليجية المشتركة في كل المجالات. وعادة ما تلجأ الدول التي تقيم في ما بينها اتفاقات للتعاون التجاري أو المالي أو الاستثماري أو التكتل الاقتصادي إلى عقد اتفاقات بينية في ما بينها بهدف تنظيم مدفوعاتها تجاه بعضها.

وتهدف مثل هذه الاتفاقات أو الترتيبات إلى تحديد حقوق الأطراف المعنية والتزاماتها، وبخاصة ما يتعلق منها بتحديد العملة التي سيجري تسديد المدفوعات بها، وسعر صرفها في مقابل عملات الأطراف، وموعد الاستحقاق وكيفية التسديد، وغيرها من الإجراءات والقواعد التي تضمن حقوق كل طرف، وذلك نظراً لاختلاف الأنظمة الاقتصادية والمالية لكل دولة عن الأخرى وشروط خروج العملة وتأرجح سعر صرفها خلال الفترة الزمنية الممتدة ما بين تاريخ إجراء التبادل التجاري، وتاريخ الدفع أو التسديد. وقد تحاول بعض الدول أحياناً عقد اتفاقات متبادلة مباشرة في ما بينها كما حدث لقيام بعض الدول بعقد اتفاقات مباشرة مع الصين للتسديد المتبادل لقيمة المبادلات التجارية وفقاً لعملاتها المحلية وفقاً لأسعار محددة سلفاً.

وفي التجربة الأوروبية، فإن توحيد أنظمة المدفوعات يعتبر إحدى الأدوات التي يستخدمها المصرف المركزي الأوروبي في تنفيذ السياسة النقدية الموحدة لنظام اليورو. فالمصرف يستخدم عمليات السوق المفتوحة، حيث تكون هي الأداة الرئيسية للعمليات النقدية في الاتحاد الأوروبي، بحيث توجه أسعار الفائدة، وتوفِّر السيولة لنظام اليورو. كذلك يستخدم التسهيلات الدائمة، وهي التسهيلات التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار الذاتي لمنطقة اليورو، وتخفيف نقص السيولة أو عدم الاستقرار في أسعار الفائدة، وتقسَّم هذه التسهيلات إلى تسهيلات في مقابل ضمانات سائلة (تستطيع المصارف من خلالها الحصول على سيولة فورية)، وتسهيلات الإيداع (تودع المصارف من خلالها فوائضها بصورة فورية)، وهذه التسهيلات تلعب دوراً قوياً في الحد من تقلبات الفائدة.

ويستخدم المصرف شروط الاحتياط، وهي مجموعة من الشروط تتحدد على أساسها نسبة الاحتياط التي تحتفظ بها المصارف المركزية الأوروبية لدى المصرف المركزي الأوروبي، وذلك بهدف صنع درجة من الاستقرار في السيولة وأسعار الفائدة. وأخيراً، يستخدم المصرف نظام المدفوعات الأوروبي، وهو نظام المدفوعات الخاص بالمصارف المركزية الأوروبية، وهو نظام مدفوعات عبر الحدود يربط أسواق النقد المحلية بصورة فورية، فيضمن استقرار أسعار اليورو، وسعر الفائدة عليه.

إن دول التعاون تملك في الوقت الحاضر أنظمة مدفوعات وطنية تعمل بأسلوب التسوية الإجمالية الفورية والمباشرة والمعالجة الإلكترونية من دون تدخل يدوي. وتعتمد الأنظمة على شبكة «سويفت» ورسائلها القياسية للمصادقة، وتسوية المدفوعات المحلية، وتحويل ملكية الأوراق المالية. كذلك ترتبط نظم المدفوعات بنظام التقاص المعمول به بالمصارف المركزية، وكذلك بنظام تسجيل الأوراق المالية الحكومية، وإصدار النقد.

لذلك يمكن القول إن توصل دول مجلس التعاون الخليجي لتأسيس شركة لتولي تسوية المدفوعات البينية يأتي استجابة لتحرير عناصر الاستثمار والعمل والإنتاج بين دول التعاون ما يدفع إلى تنامي حجم التعاون التجاري والمالي في ما بينها وضمان الارتقاء بهذه العلاقات في حال تطبيق مشروع الاتحاد النقدي واستمرار بقاء بعض الدول الأعضاء خارج منظومته، إلى جانب أن هذه الخطوة تتسق مع مقررات السوق ‏المشتركة ومعطياتها التي تواصل منذ تطبيقها فعلياً مطلع عام 2008 والمساهمة في تعميق مفهوم المواطنة الخليجية الاقتصادية.

ومن أبرز الأهداف التي سيحققها ربط نظم المدفوعات ونظم تسويتها المالية إجراء التحويلات المالية آلياً وضمان وصولها إلى المستفيد فوراً، وتقديم خدمات ومنتجات مصرفية متطورة، وتقليل الأخطار المالية والاستغناء عن حمل النقد بغرض التحويل من مصرف إلى آخر ما يساهم في خفض تكاليف الخدمات المالية المصرفية وتعزيز الأداء المصرفي والمالي. كما سيساهم في إرساء البنية التحتية التقنية، التي تضمن تحويلاً سريعاً وموحداً وآمناً للمدفوعات المالية، ما يعزز من نشاطات التجارة الثنائية بين دول المجلس والتجارة المتعددة الأطراف بين دول المجلس وبقية دول العالم.

نقلا عن الحياة