دائماً ما يُطالب المواطنون بتدخل الأجهزة الحكومية في ضبط الأسعار. ولأن المجتمعات المدنية تتشابه تجاربهم بحكم فطرتهم، لذلك نجد أن هناك من سبقنا في ابتداع فكرة تحديد سقف أعلى للأسعار والتاريخ مليء بمثل هذه الشواهد. والعبرة بالاتعاظ بالغير بدلاً من تكرار أخطاء الآخرين.
في عام 1793م اندلعت مشكلة نقص إمدادات الحبوب في السوق الفرنسي كما وثّقها الاقتصادي Henry Bourne. لم تكن المشكلة بسبب قلة الموارد الزراعية، بل على العكس كان لديها القدرة على الاكتفاء ذاتياً. لكنها حصلت بسبب تنافس الأجهزة الحكومية في فرنسا لشراء الحبوب مثل الجيش وحكومة كل مدينة. مما دفع بالموردين بتركيز إمداداتهم للجهات الحكومية بدلاً من توجيهها للمواطنين في الأسواق. فسعت مدينة باريس لدعم أسعار الطحين لسكانها لحل الأزمة. مما شجّع الخبّازين في المدن المجاورة للسفر لباريس وشراء الطحين منها والعودة لمدنهم لبيعه. مما تسبب في نقص الإمدادات. فعمدت باريس لتقديم حل آخر وهو تحديد سقف أعلى للأسعار للطحين لكبح جماح ارتفاعها المتواصل بسبب قلة الإمدادات. هذا القرار الباريسي تسبب بردة فعل معاكسة حيث عمد التجار إلى تقليل جودة منتجاتهم لتقليل التكاليف مما يساعدهم على الحفاظ على هامش الربح.
هذا الحدث الفرنسي، ليس شاذاً بل هو ردة الفعل الطبيعية للأسواق عند التدخل فيها. مؤخراً عمدت بعض الجهات الحكومة في عدة محافظات لإصدار تسعيرة محددة لبعض المنتجات. فتحديد سعر ثابت لسلعة معينة لجميع الموردين دون الأخذ بالاعتبار تفاوت التكاليف الإجمالية للمتجر، تحرك خاطئ ويضر بالمستهلك والتاجر على حد سواء على المدى البعيد. فليست كل المتاجر ذات تكلفة واحدة من حيث الإيجارات ونوعية البضائع المقدمة وجودتها. مثل هذه القرارات تُجبر مقدم الخدمة على تقليل الجودة لأقل قدر ممكن ليتكيّف مع السقف الجديد للأسعار، إضافة لذلك أن دراسة الجدوى للمشاريع تقوم على دراسة حجم التكاليف والمبيعات وحساب هامش الأرباح المتوقع. في حال فرض سقف معين للأسعار، يتسبب ذلك خسارة بعض المتاجر مما يعني خروجهم من السوق مما يؤدي لزيادة الاحتكار في الأسواق وهذا لا يخدم المواطن.
فبدلاً من المطالبة المستمرة بتحديد سقف للأسعار، المفترض أن يتم مطالبة الحكومة بزيادة فرص الاستثمار في المجالات المختلفة لأن الأسواق تستطيع ضبط نفسها وتحقق الهدفين الذي يسعى لهما المواطن، جودة عالية بأقل الأسعار. وهذا يكون بتنافس الشركات فيما بينها لكسب العملاء مما يستدعي تقديمهم لجودة عالية وسعر منخفض. ولنا في تجربة شركات الجوال ومطاعم البيتزا والتنافس الذي حدث بينهم مما انعكس إيجاباً على المواطن. وأنت عزيزي القارئ ماذا تقترح لو كنت مسؤولاً لحل هذه الأزمة؟
نقلا عن الرياض
الاسواق تضبط نفسها بنفسها .... الجملة التي بنيت عليها مدرسة شيكاغو الاقتصادية العريقة .... ذات التاريخ القصير الدموي في مص جيوب الفقراء وجعل الفقير يزداد فقرا وجعل الغني يزداد غني ... لا يوجد سوق يضبط نفسه لإن السوق في النهاية عبارة عن مجموعة من التجارة لا تجمعهم لغة ولا تجمعهم تقاليد ولا تجمعهم ديانة ولكن الجامع الوحيد المشترك بينهم جميعا هو الرغبة في مزيد من الربح .... والاعتماد على أخلاق ومثل هؤلاء كضابط وحيد هو مثاليات أثبتت فشلها في العالم كله .... ليس لإنهم بلا أخلاق ولكن لإن وجود واحد فقط بلا خلق بينهم ينسف المنظومة بأجمعها .... التجار بمثابة ملاك السوق والدولة بمثابة المراقب وممثل الشعب ومن غير المنطقي منحق المالك حق الرقابة على نفسه ... وموضوع أن القوة في يد المشتري في النهاية أثبت ضعفه في مواجهة الاحتكار ... والاسواق الحرة عاجلا أو آجلا تتجه للإحتكار ولكنه ليس إحتكار شركة بقدر ما هو احتكار مجموعة الشركات العاملة في المجال الواحد