من (سـ)يملك الاحتياطي النفطي؟

06/03/2017 0
م. ماجد عايد السويلم

مع المضي قُدماً في عملية الطرح الأولي لجزء من شركة أرامكو السعودية في عدة أسواق عالمية وتسارع وتيرة الأنباء في الصحافة العالمية التي تتحدث عن اعتماد تقييم الاحتياطي النفطي وتحديد الأسواق المالية المستهدفة، يشتعل النقاش وتتضارب الآراء عن ملكية الاحتياطي النفطي الحالية والمستقبلية والسيادة على المخزون النفطي بسبب الغموض الذي يحيط عملية الطرح. في مقالي هذا سأقوم بتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة ومناقشة بعض التساؤلات التي يطرحها الكثيرون خصوصاً فيما يتعلق بالاحتياطي النفطي الذي عادة ما يتم ربطه بالمفهوم العام للاحتياطي النقدي.

أولاً، ما هو الاحتياطي النفطي؟ هو مجمل كمية النفط المستقبلية التي يمكن هندسياً واقتصادياً استخراجها في فترة زمنية معينة وليست الكمية من النفط التي تستخدم عند الطوارئ لتعويض النقص في أسواق النفط أو توفير السيولة النقدية عند الحاجة.

الاحتياطي النفطي ليس بالرقم الثابت وغالباً ما يميل الى التناقص بسبب الإنتاج وانخفاض معدل الاستكشافات والحفر عالمياً. غير أن الاحتياطي النفطي للمملكة فهذا الرقم شبه ثابت ومعدل تعويض الاحتياطي (Reserves Replacement Ratio) في أرامكو هو في حدود الـ 100٪ وقد زاد عن هذا النطاق في فترات سابقة في حين أنه للشركات النفطية الكبرى في نطاق الـ 80٪. على الرغم من الإنتاج المرتفع الذي يفترض أن يؤدي الى تقلص احتياطي المملكة، إلا أن الاستكشافات النفطية الدورية واستخدام تقنيات متقدمة كتقنية الحفر الطويل المدى في حقل الشيبة مثلاً واستخدام تطبيقات ديناميكية متطورة لعدد كبير من الحقول بما فيها الغوار أسهمت كثيراً في ثبات احتياطي الدولة عبر الزمن.

ماذا عن ملكية الاحتياطي النفطي؟ الثروات النفطية تحت الأرض هي ملك للدولة الحاضنة وهذا هو المُتّبع في أغلب دول العالم. تمنح الدولة الحاضنة امتيازات للشركات النفطية للقيام بعمليات الاستكشاف والإنتاج لفترة متفق عليها بين الطرفين وغالبا ما تكون من نوع اتفاقية الإنتاج المشترك (Production Sharing Agreement). وبناء على النظام الضريبي المنصوص في هذه الاتفاقيات، تقوم الشركات النفطية بإمكانياتها التقنية والهندسية بمشاركة الإنتاج ومقاسمة الاحتياطي مع الدولة الحاضنة وهذا متعارف عليه في الصناعة النفطية وينطبق حتى على الشركات العاملة في الخليج العربي التي تخضع لمثل هذا النوع من الاتفاقيات. الاستثناء هو عقود الخدمات التقنية (Technical Service Agreement) مثل التي وقعتها شركتي شل الهولندية والبترول البريطانية مع شركة نفط الكويت لتطوير حقول الأخيرة وتقديم خدمات تقنية، وبموجب هذا النوع من العقود لا يحق للشركتين مشاركة جزء من الإنتاج أو الاحتياطي مع الحكومة الكويتية.

لكن أرامكو مملوكة للدولة، فكيف تشارك الاحتياطي؟! قبل تأميمها وانتقال ملكيتها للدولة في الثمانينات، كانت الدولة وما زالت تفرض ضرائب على الشركة وكانت الأخيرة تحسب جزءاً من الاحتياطي ضمن أصولها. تدفع الشركة ضريبتين للدولة: ضريبة الريع (Royalty Tax) وضريبة الدخل (Income Tax). الأولى هي ضريبة على الأرباح الاجمالية قبل خصم التكاليف وتبلغ قيمتها الـ 20٪. الضريبة الثانية تدفع على صافي الدخل (من الـ 80٪ المتبقية بعد خصم ضريبة الملكية) وتبلغ قيمة هذه الضريبة 85٪. كل ما سبق جرى الحديث عنه بإسهاب في مقابلة صحفية لرئيس شركة أرامكو المهندس أمين الناصر على قناة بلومبيرغ في 17 يناير من السنة الحالية.

بناء على هذا النظام الضريبي، فإن أرامكو تحصل بعد خصم الضرائب على ما يعادل الـ 12٪ أو الثُمْن (1/8) من صافي الإنتاج الحالي والمستقبلي "الاحتياطي النفطي" وتستخدم عائداتها لتمويل مشاريعها التوسعية محليا ودوليا ودفع أرباح للدولة. تعرف هذه النسبة عند محللي الاحتياطي النفطي باسم (The Eighth of Eight “8th/8”) أو "الثُمْن المتبقي" ومازال هذا النظام الضريبي مستخدما في عدد من الامتيازات الدولية. بفرض أن عقد امتياز أرامكو "مفتوح"، فإن الثُمْن في تقديري الشخصي يعادل احتياطي وقدره 45 بليون برميل من إجمالي الاحتياطي النفطي الخام الذي يبلغ 265 بليون برميل وهو جزء من قيمة الشركة الحالية ويعادل تقريبا 3 أضعاف الاحتياطي النفطي الخام لشركة اكسون موبيل.

ماذا عن الملكية المستقبلية وسيادة الدولة على المخزون النفطي؟ أشار تقرير رويترز الأخير بتاريخ 17 فبراير الى عدة خيارات يجري دراستها منها مراجعة للنظام الضريبي وذلك بخفض ضريبة الدخل الى 50٪ وإعادة هيكلة أرامكو وتقسيمها الى عدة كيانات وطرح تلك المتعلقة بالاستكشاف والإنتاج في الأسواق المالية. تهدف المراجعة للنظام الضريبي الى تحقيق عدة أهداف أهمها زيادة نسبة استفادة أرامكو من صافي عوائد الإنتاج الحالي والاحتياطي النفطي الى 40٪ مقارنة بـ 12٪ الحالية مما يُمَكِّن الشركة من التوسع في شراكات دولية أو الاستحواذ على شركات نفطية متكاملة أو بتروكيماوية ورفع قيمة تقييم الشركة لتتجاوز الـ 2 تريليوني دولار الحالية والحصول على مبالغ أكبر لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 كي يتم استثمارها لتنويع اقتصاد المملكة وخفض نسبة الاعتماد على النفط. بالإضافة لما سبق، فإن خفض ضريبة الدخل يهدف بشكل رئيسي لتحفيز المساهمين على الاكتتاب عن طريق زيادة أرباح الأسهم نظراً لضآلة نسبة الـ 5٪ والتي قد لا يجدها المستثمر حافزاً للاكتتاب.

سواء أبقت الدولة على النظام الضريبي الحالي أو راجعته فسيادتها على المخزون النفطي لن تتأثر كونها تملك الحصة العظمى وتتحكم في صناعة القرار والأهم من هذا أن عقد امتياز أرامكو محدد بإطار زمني معين كما هو الحال مع عقود الامتياز في المنطقة المقسومة بين الكويت والسعودية والتي يتم ترستيها وتجديدها من قبل الدولة. التحدي الأكبر يكمن في الأنظمة وقوانين الأسواق المالية الدولية والتي قد تعطي الحكومات أو المساهمين صلاحيات أكبر قد تمكنهم من التأثير الغير مباشر في صناعة القرار أو التسبب بخسائر مادية للشركة. في مقال سابق تحدثت عن المكاسب والمخاطر من تطبيق معايير اللجنة الأمريكية للبورصة والأوراق المالية على الاحتياطي النفطي وقد أتطرق في مقالات أخرى الى بعض الاجراءات القانونية الأخرى في مقالات لاحقة.

إعادة الهيكلة، والتي استبعدها تقرير رويترز الأخير ووصفها بالكابوس القانوني، شبيهة في وجهة نظري رغم الاختلاف بتجربة شركة أدنوك الحكومية الإماراتية التي تنطوي تحتها 7 شركات نفطية. فقد أعلنت شركة أدنوك مؤخراً عن بيع حصة نسبتها 8٪ في شركة أدكو التي تدير 11 حقل نفطي بري للشركة الوطنية الصينية بمبلغ 6.5 مليار درهم لمدة 40 سنة، علما بأن ملكية أدنوك قد تقلصت إلى 60٪ في حين أن الـ 40٪ مملوكة سابقا لـ 6 شركات نفطية دولية، ولم تثر هذه الصفقة حفيظة المواطنين الإماراتيين كما هو حاصل مع طرح أرامكو الحالي.

تجربة أدنوك، في وجهة نظري، تحد من التأثير الغير المباشر في صناعة القرار وتكبح سطوة القوانين الدولية. كما تساهم في تطبيق تقنيات متقدمة في حقولها النفطية عن طريق الشريك الأجنبي كتقنية ضخ الماء والغاز بالتناوب (Water Alternating Gas) والتي تتميز بها شركة توتال الفرنسية على سبيل المثال وجلب الاستثمارات والخبرات الأجنبية من الشركات النفطية والمساهمة في تدريب المواطنين على مثل هذه التقنيات المتطورة. الأهم من هذا أنها ضمنت للحكومة الاماراتية الحصول على مبالغ مالية مقدماً للتوسع في مشاريع الدولة التوسعية خصوصا في مجال تنويع الطاقة. في رأيي الشخصي، تستحق هذه التجربة الدراسة ولعلها الخيار الأنسب للطرح والله أعلم.

خاص_الفابيتا