الفصل الجماعي للموظفين من المواطنين بالقطاع الخاص شهد حراكاً إعلاميا كبيراً كان من نتائجه اللقاء الذي جمع رئيس مجلس الشورى ومعه عدد من أعضاء المجلس بمجموعة من المواطنين الذين تقدموا بعرائض تطالب بإيقاف العمل ببعض مواد نظام العمل وتعديلها، وأشهرها المادة 77 .
وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام عن الاجتماع فقد قال معالي رئيس المجلس الدكتور عبدالله آل الشيخ « المجلس لا يمكن أن يعالج الظلم بظلم مثله، وكما يريد إنصاف موظف القطاع الخاص فلا يمكن أن يتجاوز على حقوق أصحاب العمل تجاه الموظفين غير المنتجين وغير الأكفاء».
نتفق جميعاً أن الحفاظ على الوظيفة من قبل الموظف تتطلب أن يقوم بواجباته اتجاهها، وأنه لا يجب أن يكون الأمان الوظيفي قائم على منع الفصل إذا كان الموظف مهملاً لعمله ومقصراً بواجباته كواحد من عوامل تحقيق العدالة بسوق العمل بين كل الاطراف، كما أن من أسباب فقدان فرص العمل إغلاق المنشأة لأي سبب كان، وهذا لا احد يجادل فيه، وكذلك يأتي عامل آخر يعد رئيسيا وهو الهيكلة التنظيمية التي تقوم بها المنشآت لتطوير أداءها، أو لخفض نفقاتها فقد تلغي بعض الوظائف فتصبح غير محتاجة لمن يشغلونها، وهذا السبب لابد أن يتم معالجته جيدا بقوانين العمل في حال القيام بتعديلها فحسب ما ذكر اعلامياً ان النية تتجه لاقتراح تعديل تسعة مواد من انظمة العمل الحالية دون تحديدها الا ان المتوقع ان تكون ذات العلاقة بطرق انهاء العلاقة التعاقدية وكيفية تحقيق العدالة بين كل الاطراف.
ولابد من تذكير مجلس الشورى الموقر بأن سوق العمل لدينا ليست تنافسية للمواطنين فنسبتهم بالقطاع الخاص حوالي 16% فقط من أصل حوالي عشرة ملايين أجمالي العاملين المواطنين والوافدين المسجلين بنظام التأمينات الاجتماعية هذا بخلاف العمالة الغير نظامية، وبذلك فإن إنهاء خدمات المواطن بالقطاع الخاص اذا كان ملتزماً بواجباته يصبح غير منطقي في ظل بقاء وافد يقوم بنفس العمل أو بأعمال يمكن للموظف السعودي القيام بها فالتنافسية تصبح صحيحة وصحية اذا كان جل العاملين مواطنين والمنافسة بينهم لكنهم اقلية بسوق العمل، وهذا يلغي تماماً اي تنافسية خصوصا ان مانود التركيز عليه هو استمرار وزارة العمل بالموافقة على تاشيرات العمل والتي فاق عددها « ثمانية ملايين تأشيرة « خلال آخر ستة اعوام تقريبا فلو كان10% منها لمهن يمكن للمواطن شغلها فلن يكون لدينا بطالة على الاطلاق وهي نسبة منطقية فليست كل التأشيرات لمهن عمالة عادية، بل إن بالسوق حالياً قرابة مليوني وظيفة يشغلها وافدون يمكن للكثير منها ان ينافس عليها مواطنون، بل ان بعض الشركات التي انهت بشكل جماعي خدمات موظفين مواطنين مازالت تشغل وافدين بأعمال كان يقوم بمثلها المواطنون أو يمكنهم القيام بها وهذه الشركات اكبر مستفيد من التسهيلات المقدمة لها بانظمة التجارة وبيئة الاعمال واستفادت كثيراً من الانفاق الحكومي بالسنوات الماضية، ولذلك فإن اهم ما نأمل ويجب ان ينظر له مجلس الشورى واقعية التنافسية بسوق العمل ودور وزارة العمل بإغراق السوق طيلة السنوات الماضية بعدد هائل من العمالة الوافدة من خلال تأشيرات العمل، فالدول الكبرى اقتصادياً تتشدد بمنح فرص العمل لغير مواطنيها الا في حال عدم توفر من يشغلها منهم وهذه الاجراءات موجودة بدول اوروبية كما تتجه اميركا بحسب وعود رئيسها الحالي للتركيز على توليد فرص العمل للامريكيين.
أما اذا كان المجلس متجهاً لمعالجة الخلل بأنظمة سوق العمل او القصور الذي قد يكون ظهر حالياً فيها فإن المعالجة لابد ان تكون بقياس كافة الابعاد والاحتمالات المستقبلية ومن اهمها ان تلزم المنشآت عند قيامها بهيكلة تنظيمية بهدف تقليص الوظائف أن تتقدم بها أولا لوزارة العمل أو تفعيل دور اللجان العمالية الغائب تماماً حتى تقوم بمناقشة المنشأة ومنحها الموافقة او رفض الهيكلة المقترحة إذا لم تكن مستوفية لشروط وضوابط تحدد نظاماً ومثل هذه الاجراءات تعمل بها دول عديدة ذات اقتصاديات متقدمة وأسواق عمل منظمة وتنافسيتها عالية، بالاضافة الى تنظيم حفظ حقوق العمالة بما يخص «عدم توقف صرف رواتبهم» لأي سبب من الاسباب كما يحدث حالياً ببعض المنشآت بمختلف انشطتها واحجامها، إضافة لسن قوانين تضبط توطين المهن الحرجة وتحقق الامان المهني من خلال توظيف اصحاب المؤهلات المهنية بمختلف انواعها حيث يشهد السوق حاليا بطالة من المواطنين بين المهندسين والمحاسبين والتقنيين، بل وفي تخصصات صحية بالرغم من وجود انخفاض كبير جداً بنسب التوطين بهذه التخصصات اذ تصل نسب التوطين بالمتوسط الى حوالي 30% أو اقل ببعض التخصصات المهمة.
سوق العمل ينتظر المزيد من الاجراءات والقرارات لتحسين تنافسيته والمحافظة على التوازن بين كل الاطراف وحفظ الحقوق حتى يبقى العمل بالقطاع الخاص جاذباً للمواطنين باعتبار أن أحد أهم اهداف رؤية المملكة 2030م ان يكون القطاع الخاص هو المؤثر الاكبر بالناتج المحلي، وكذلك الموظف الاكبر بما سيصل له من توسع كبير باعماله ودوره الذي يتوقع ان يصل الى 65% من الناتج المحلي فالتغييرات او التعديلات بانظمة العمل اذا لم تكن ذات حلول جذرية وتأخذ بشموليتها تحقيق التنافسية الصحية بالسوق فستتكرر الاشكاليات وتتفاقم معدلات البطالة مع زيادة الاعداد الداخلة للسوق من طالبي العمل سنوياً.
نقلا عن الجزيرة
مشكلة من يتناول هذه القضية هو أنه يتناولها عادة من وجهة نظر عاطفية .... الكل يتحدث عن أن الشركات استفادت في الماضي من الانفاق الحكومي .... وتطالب الشركات برد الجميل ... وهذا لا يحدث في سوق العمل .... لا يمكن مثلا أن تأتي لموظف وتقول له أن الشركة منحتك راتب وحافز لسنوات عديدة فلابد أن تعمل مجانا الآن كرد للجميل ... ما يطالب البعض الشركات بإعتباره جميل يستوجب الرد ... تعتبره الشركات ذكاء منها واستغلال لظروف عمل مثالية في المملكة وهذا الذكاء ذاته يفرض عليها إنه عندما تزول هذه الظروف فلابد من الهروب لأماكن آخرى بها ظروف أفضل ... هذه ليست خيانة ولكنها طبيعة العمل ... كما لا يعتبر ترك الموظف لعمله للذهاب لفرصة عمل أفضل خيانة لشركته الأولى .... هذه هي طبيعة السوق بلا عواطف وبلا مثالية لا تغني ولا تثمن .... أما عند الحديث عن الدول الأخرى فلابد من دراسة كل الجوانب .... ترامب مثلا في أمريكا يريد تطبيق قوانين لإجبار تعيين الأمريكيين وإعادة نقل الشركات الامريكية في الخارج للداخل الامريكي أو على الاقل منع خروج أخرى .... هذا جيد جدا وأمريكا مثال يحتذى به ... ولكن ترامب عندما فكر في هذا لم يفكر بعواطف مثالية ... ولكن فكر بمنطقية ومعرفة بطبيعة السوق ورأس المال ... لقد عرف أن رأس المال يحب الربح ويحب الربح فقط ( هنا في السعودية قبلت الشركات بالسعودة الوهمية ودفع رواتب لموظفين سعوديين لا يقوموا بأي عمل لإنها تحقق أرباح عالية في المملكة فقط وليس دعما للسعوديين ولبرامج السعودة الحكومية) وعليه فبجوار هذه القرارات تم أخذ قرارات أخرى تعمل على زيادة ربحية الشركات بحيث تستمر وتدعم النظام الجديد .... مثلا تم اخذ قرار بتجميد اتفاقيات تجارية دولية بما يسمح بفرض جمارك على واردات دول معينة بحيث يسمح هذا للشركات المحلية برفع الاسعار وزيادة الربحية مع الحفاظ على تنافسيتها للمستورد .... تم اخذ قرار بتقليل الانفاق العسكري لدعم الحلفاء في اوربا مثلا ويتم دراسته حاليا وتوجيه هذا الانفاق لدعم الشركات في الداخل الامريكي .... لا اعارض فكرة وضع قيود تحقق فائدة للمواطن السعودي ... ولكن لابد من وضع قوانين أخرى ملحقة بها تحقق ربحية أعلى أو ذات الربحية على الاقل للشركات ولابد قبل هذا التوقف عن تناول الموضوعات الاقتصادية بطريقة عاطفية غير واقعية