تبعات طرح أسهم أرامكو في السوق الأمريكية على تقييم الاحتياطي النفطي

07/02/2017 6
م. ماجد عايد السويلم

إدراج الشركات العالمية لأسمهما في أكثر من سوق ليس بالجديد في أسواق المال ولا يُستهجن بالنسبة للشركات العاملة في مجال الطاقة والنفط، فما يناهز ال 40 شركة عالمية نفطية (غير أمريكية) كشركة توتال الفرنسية وشل الهولندية بالإضافة الى شركات حكومية كشركة ساينوبك الصينية وشركة بترو براس البرازيلية قامت بإدراج مزدوج لأسهمها في أسواقها المحلية وفي بورصات عالمية وبالتحديد في بورصة نيويورك (New York Stock Exchange).

تصنف بورصة نيويورك بأنها الأكبر عالميًا مقارنة بالأسواق العالمية الأخرى حيث تفوق القيمة السوقية للأسهم المتداولة فيها ال 19 تريليون دولار. تُغري سوق بهذه الضخامة الشركات العالمية بالذات النفطية لطرح جزء من أسهمها لهدف الحصول على تمويل أكبر وحوافز ضريبية منخفضة لمشاريعها التوسعية عن تلك التي تمنحها البورصات في بلدانها الأم. كما تنفرد هذه البورصة عن غيرها بتنوعها، حيث يُتداول بها أسهم 487 شركة غير أمريكية تعادل نسبة 17٪ من مجمل عدد الشركات المطروحة التي تزيد عن 2800 شركة.

ما يميز فكرة طرح أرامكو للاكتتاب في عدد من الأسواق العالمية ومنها بورصة نيويورك عن غيرها من الاكتتابات هو أمرين: خصوصية الأهداف وضخامة الطرح. فأهداف الطرح لا تشمل تمويل عمليات أرامكو وتوسعاتها داخليا أو دوليا على غرار الشركات النفطية العالمية وانما للحصول على سيولة لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 وأيضا لزيادة الشفافية كما نوه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع انطلاق الرؤية.

وبالنسبة لضخامة الطرح، فإن التصريحات الرسمية تشير الى أن أصول أرامكو تصل إلى تريليوني دولار أمريكي وتشمل أعمال التنقيب والإنتاج بما فيها الاحتياطي النفطي بحكم الامتياز الممنوح لها، وببيع حصة 5٪ من الشركة كأسهم تهدف الدولة منها لتحصيل 100 بليون دولار كحد أدنى.

قد تكون القيمة الاجمالية صحيحة ولكن في رأيي قد لا تعتمدها بالكامل اللجنة الأمريكية للأوراق المالية والبورصات (US Securities & Exchange Commission) في حال تم اتخاذ القرار بإدراج أسهمهما في بورصة نيويورك بسبب اختلاف معايير الأخيرة في اعتماد تقييم الاحتياطي النفطي الخام والغازي عن تلك المعمول بها في أرامكو وأيضا عن العديد من المعايير الدولية لتقييم الاحتياطي النفطي التي يصل عددها الى 7 معايير.

في بورصة نيويورك، يخضع الاحتياطي النفطي لمعايير دقيقة ورقابة دورية وصارمة من قبل اللجنة الأمريكية للأوراق المالية والبورصات والتي بدورها لا تتوانى عن تطبيق العقوبات في حال الاخلال بحساب الاحتياطي كما حصل مع شركة شل الهولندية و أكسون موبيل. ففي سنة 2004، ألزم القضاء الأمريكي شركة شل الهولندية بدفع 117 مليون دولار بسبب تضخيم أرقام الاحتياطي النفطي وأجبرها على حذف أكثر من 4 بلايين برميل نفطي من دفاترها بالإضافة إلى العديد من القضايا مع ملاك الأسهم والتي استمرت حتى عام 2007.

ففي سبتمبر الفائت، خضعت شركة اكسون موبيل، أكبر شركة نفطية متكاملة عالمية، لتحقيق عن سبب عدم انخفاض الاحتياطي النفطي المسجل في دفاتر الشركة على الرغم من انخفاض أسعار النفط في العامين الفائتين، وحتى هذه اللحظة لم تعلن نتائج التحقيق.

أما بالنسبة للمعايير، فإن اللجنة تعتمد الاحتياطي النفطي "المؤكد" (Proven Oil Reserves) للحقول المنتجة أو تلك التي تملك خطط انتاج على المدى القريب ويمكن استخراجها بتقنيات معتمدة وبكميات اقتصادية. أما بالنسبة للاستكشافات النفطية، فلا يتم ادراجها كاحتياطي نفطي مؤكد إلا بشروط خاصة كأن يكون الحقل المستكشف مدرجا ومعتمدا ماليا في الخطة الاستراتيجية للشركة. بينما أرامكو تدرج كافة النفط الخام المستكشف و"غير المنتج" ضمن احتياطياتها النفطية. في مثل هذه الحالة، قد تضطر الشركة لإعادة تصنيف الاستكشافات كموارد محتملة (Contingent Resources) مما قد يؤدي الى تقليص الاحتياطي النفطي "المؤكد".

أما بالنسبة لعملية تقييم الاحتياطي، فإن الكثير من الحقول النفطية ستتم مراجعتها لتأكيد الأرقام ومقارنتها مع أنظمة المحاكاة الديناميكية وغيرها من الأدوات الحسابية. أحد التحديات التي قد تواجهها الشركة هو تبرير استخدام معامل استخلاص (Recovery Factor) ثابت للعديد من الحقول على اختلافها. فربما حان الوقت لمراجعة أرقام معامل الاستخلاص وحصرها في حساب الاحتياطي للحقول المستكشفة فقط.

بعيدا عن السلبية، هنالك الكثير من المكاسب الاقتصادية من طرح أسهم الشركة وقد تطرق اليها عائذ بن إبراهيم المبارك في مقاله في جريدة الوطن: "طرح أرامكو السعودية: وجهة نظر". في رأيي الشخصي، يكمن المكسب الأهم للمملكة في الحصول على اعتماد مستقل لاحتياطياتها النفطية وهو ما لم يحدث من قبل في تاريخها، فشركات كثيرة ودور أبحاث أمريكية بين الحين والاخر تشكك في صحة أرقام الاحتياطي النفطي للمملكة وإذا ما تم تدقيق واعتماد الأرقام من قبل لجنة مستقلة كاللجنة الأمريكية للأوراق المالية والبورصات فهذا سيفند الكثير من المزاعم والادعاءات.

ان صح تقرير رويترز الأخير والذي أشار الى أن الاحتياطي النفطي للمملكة تمت مراجعته واعتماده من جهتين استشاريتين عالميتين فهذا يعطي دفعة قوية للتوجه السابق لكنه ليس بالكافي لأن هذه الشركات تتقاضى أموال نظير خدماتها وليست بجهات مستقلة. في رأيي، تظل معايير وعملية تقييم الاحتياطي من اللجنة الأمريكية للأوراق المالية والبورصات العقبة الأكبر للحصول على اعتماد مستقل لأرقام الاحتياطي البترولي للمملكة.

أن تصبح أرامكو السعودية أول شركة سعودية وعربية تطرح جزء من أسهمها في بورصة نيويورك هو مدعاة فخر للمملكة. هنالك الكثير من المكاسب المرجوة بالإضافة الى المخاطر مع هذا القرار وأنا على يقين بأن الحكومة تدرس الموضوع بعناية من جميع النواحي لما فيه المصلحة العامة.

خاص_الفابيتا