أرامكو ونقل المعرفة

24/01/2017 0
م. صالح بن عبدالله فرج

مما لا شك فيه أن شركة أرامكو السعودية أحد أبرز المنجزات الحضارية للمملكة في العصر الحديث، كيف لا وهي تعد من أكبر المنشأت في مجال صناعة النفط والغاز ليس على المستوى الإقليمي فقط بل حتى على المستوى العالمي.

وليس أنا هنا بصدد ذكر منجزات هذا الصرح العملاق والذي حقا نفخر بها نحن أبناء هذا الوطن، ولكني أود أن أسلط الضور على جانب من أعمال أرامكو السعودية وهي موضوع مساهمتها في إنجاز المشاريع التنموية في المملكة نيابةً عن بعض الجهات خارج نطاق أعمال النفط والغاز وكيف يمكن أن يتم استغلال هذا الجانب بشكل أفضل.

 تاريخياً بدأ الاستعانة بخدمات أرامكو منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله  حيث أمر بتكليفها ببناء خط سكة حديد بين الدمام والرياض والذي تم إنجازه عام 1371 هـ .توالت بعد ذلك مساهمتها بنجاح عبر السنين، ولعل أبرز إنجازاتها في هذا المجال مؤخراً هو تشييدها لملعب الملك عبدالله (الجوهرة) وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بمواصفات عالمية وفي وقت قياسي الأمر الذي يظهر مدى الخبرة الواسعة ومدى الإتقان لدى أرامكو السعودية في مجال إدارة وتنفيذ المشاريع.

وسؤالي هو هل من الأجدى أن تستمر هذه الآلية بتكليفها من فترة لأخرى بتنفيذ بعض المشاريع أم يكون من الأفضل أن يتم نقل خبرة أرامكو في مجال إدارة المشاريع للجهات المختلفة، وبذلك تنتشر خبرة  أرامكو في هذا المجال بين مختلف الجهات الحكومية الأخرى لكي يتم رفع كفاءتها ونستطيع بالتالي أن نلمس تطور ملحوظ في أداء تلك الجهات من خلال المشاريع المنفذة. حيث أشرنا في مقال سابق عن وضع المشاريع في المملكة وبينا مدى تعثر تلك المشاريع وتأخرها في تنفيذ الأهداف الموضوعة لها

وفي ظني أن تبني قرار نقل خبرات أرامكو السعودية من الممكن أن يعود بنتيجة أفضل من أن يسند إليها تنفيذ مشروع محدد، فعلى الرغم من قدرتها على تنفيذ المشاريع بكل إتقان إلا أن القيام بنقل خبراتها سوف يقود إلى نتائج أفضل لسببين:

أولاً: تحسين أداء المشاريع لدى مختلف الجهات وتجنبها التعثر حيث ستقوم أرامكو السعودية بنقل خبراتها لتلك الجهات لكي تقوم كل جهة بنفيذ المشاريع الخاصة بها بنجاح وبشكل متقن، بدلا من إشغال أرامكو بمشاريع ذات طابع مختلف عن أعمالها الرئيسية في مجال صناعة النفط والغاز (تطبيقاً للحكمة القائلة لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد السمك).

ثانياً: هو الحفاظ على موارد أرامكو السعودية وعدم استهلاكها وتوجيهها نحو انجازات اهدافها الرئيسية في مجال الطاقة

ولعلي أشير هنا إلى أحد الأليات الإدارية المستخدمة في هذا المجال وهو آلية نقل المعرفة Knowledge Transfer حيث تستخدم هذه الآلية داخل المنظمة أو بين المنظمات المختلفة لنقل الخبرات والمعرفة.

ولكي نطرح هذا الموضوع بشكل علمي سنشير فيما يلي إلى مفهوم نقل المعرفة Knowledge Transfer والمراحل الخاصة به: حيث يعرف نقل المعرفة Knowledge Transfer على أنه عملية نقل الخبرات والمعرفة والأفكار (من الجهة ذات الخبرة الأعلى) داخلياً بين أفراد المنشأة أو خارجياً بين المنشآت المختلفة.

ولعملية نقل المعرفة خمس مراحل هي

1-تحديد الخبرات والمعلومات

وهنا يتم تحديد أولاً نوعية الخبرات والمعلومات المراد نقلها (إدارة المشاريع على سبيل المثال) والتي من خلالها سيتم تطوير الجهات الأخرى وتحسين أدائها بعد تطبيقها لهذه الخبرات.

2-التجميع والحفظ

يتم في هذه المرحلة تنظيم وتجميع للمعلومات والخبرات التي تم تحديدها من المرحلة السابقة لتكون متاحة فيما بعد للنشر والمشاركة. وهناك عدد من الوسائل من الممكن استخدمها لتنفيذ هذه المرحلة مثل: تجميع وتصنيف الدروس المستفادة (Lessons Learned) لموضوع ما ، إدراج تلك المعلومات في موقع الشركة، تجهيز ورش العمل التعريفية، بناء قواعد البيانات....إلخ

3-النشر والمشاركة

تقوم الجهة في هذه المرحلة بأخذ خطوات عملية نحو نقل خبراتها من خلال عقد ورش العمل التعريفية أو الاجتماعات الفردية مع الجهات الأخرى للتثقيف حيال الخبرات والمعلومات المراد نشرها، بالإضافة إلى إتاحة تلك الخبرات من خلال نظام معلوماتي أومن خلال موقع على الشبكة العنكبوتية.

4- التطبيق

تقوم الجهات المتلقية للمعرفة بتطبيق ما تم الوصول إليه من خبرات ومعلومات وذلك بغرض ضمان الاستفادة منها في تحسين أداء العمل لدى تلك الجهات.

5- قياس الأداء

تعد من أهم المراحل وأصعبها لأنها تحدد مدى نجاح المنشأة في الاستفادة من الخبرات المنقولة. وعادة يتم تحديد معيار نسبة نجاح المشاريع مثلاً أو مستوى الجودة كمؤشر يقيس أداء المنشأة ليحدد ما إذا كانت قد تطورت واستفادت من عملية نقل المعرفة أم لا.

بعبارة أخرى، إن آلية نقل المعرفة عبارة عن عملية لها أسس علمية ومراحل وخطوات محددة تؤدي حتماً إلى تطور ملحوظ في أداء المنشآت. يؤكد ذلك دراسة أجريت عام 2015 م ونشرت على موقع معهد إدارة المشاريع الأمريكية PMI شملت تلك الدراسة قطاعات مختلفة في عدد من الدول حول العالم، حيث خلصت هذه الدراسة أن تطبيق آلية نقل المعرفة Knowledge Transfer أدى إلى تحسن ملحوظ في أداء المشاريع للجهات المطبقة لآلية نقل المعرفة حيث بلغت نسبة المشاريع المنجزة في الوقت المحدد 74% مقابل 42% للجهات غير المطبقة لهذه الآلية. كما بلغت نسبة المشاريع المنجزة ضمن الميزانية المرصودة 75% مقابل 48% فقط. شكل(1).

الجدير بالذكر أن الدراسة أشارت أيضاً إلى موضوع غاية في الأهمية ألا وهو إلى أن نسبة التزام الجهات بمراحل نقل المعرفة الخمس تتفاوت من مرحلة إلى أخرى. شكل(2).

حيث يلاحظ أن مرحلة التطبيق ومرحلة قياس الأداء تعد أقل المراحل التزاماً وذلك لأحد سببين.

إما لعدم وجود الموارد أو الأنظمة الكافية لدى الجهات المتلقية وبالتالي لا تستطيع تطبيق تلك المعرفة، أو بسبب عدم اهتمام الإدارة العليا لدى تلك الجهات في المضي قدما في تنفيذ آلية نقل المعرفة. الأمر الذي يؤدي إلى إغفال هاتين المرحلتين.

ختاما أود التأكيد على ضرورة الاستفادة من إمكانات أرامكو السعودية في نقبل خبراتها في مجال إدارة المشاريع إلى مختلف الجهات وبشكل علمي ومدروس لكي نحصل على أكثر من أرامكو من حيث الأداء والإتقان لنشهد بإذن الله المزيد من المشاريع الناجحة وصولاً لأهداف ورؤية المملكة 2030.

خاص_الفابيتا