أحد أهداف رؤية ٢٠٣٠ أن تكون المملكة العربية السعودية منصة لوجستيه وأن تتقدم المملكة من المرتبة ٤٩ الى ٢٥ عالمياً والأول أقليمياً، ولكن ما هي الخدمات اللوجستية وما أهميتها لتكون من أهداف الرؤية، وما هو الوضع الحالي لهذا القطاع في السعودية وكيف نصل للهدف المنشود؟ في هذا (التقرير) سأحاول بإيجاز تقديم أجوبه على هذه الأسئلة.
صناعة الخدمات اللوجستية هي عبارة عن علم إدارة تدفق الموارد المختلفة كالبضائع، والطاقة، والمعلومات، والخدمات البشرية المختلفة من منطقة الإنتاج وحتّى منطقة الاستهلاك، حيث إنّه من الصعب القيام بأية تجارةٍ عالميةٍ او محلية سواءً كانت استيراداً أم تصدير دون دعمٍ لوجستيٍ. وتشمل الخدمات اللوجستية عدّةَ أنشطة ومنها، النقل والجرد والتخزين والتغليف والتوزيع. وتكمن أهمية الخدمات اللوجستية الاحترافيه في توفير المنتج النهائي او مواد الخام في الوقت والسعر المناسب. ولأهمية هذا القطاع فأن البنك الدولي يصفه بأنه العمود الفقري للتجارة العالمية.
وأهمية هذا القطاع كبيرة لأي اقتصاد حيث أنه يساهم في تطور التجارة المحلية والدولية وزيادة تنافسية الدول ويوظف ما نسبته ١٥-٢٠٪ من القوى العاملة في بعض الدول المتقدمة، وفي دبي كمثال لمدينة متقدمة لوجستياً، فيتوقع أن تبلغ مساهمة القطاع التجاري واللوجستي ما نسبته ٥٠٪ من الناتج المحلي في عام ٢٠٢٥، كما أن نشاط النقل والتخزين والاتصالات ساهم بـ 15.8% في الناتج المحلي، وكانت مساهمة القطاع البحري في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي خلال العام 2015، تصل إلى 26.9 مليار درهم أي ما يعادل نسبة 7%.
إذا أخذنا استراليا كمثال لأهمية هذا القطاع لأن عدد سكانها مقارب للمملكة حيث يبلغ عدد سكانها ٢٤ مليون بينما السعودية ٣١، نجد أن القطاع اللوجستي، وبحسب تقرير Australian Logistics Council لعام ٢٠١٤، يساهم في نسبة ٨.٦٪ من الناتج المحلي ويضيف ١٣١ مليار دولار لإقتصاد البلد في عام ٢٠١٣، وتقدر استراليا بأن أي زيادة بنسبة ١٪ في إنتاجية هذا القطاع تضيف للناتج المحلي ٢ مليار دولار. وبحسب تقرير كاميلوت والذي نشر في صحيفة الجزيرة بعنوان "دول الخليج الرابح الأكبر من عدم كفاءة الموانئ السعودية" ذكر بأن الناتج المحلي الإجمالي مرتبط مباشرة مع حركة الحاويات. حيث إنه كلما زادت التجارة البحرية، فمن المتوقع زيادة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي.
وما يجعل هذا القطاع مهماً للمملكة العربية السعودية هو موقعها الاستراتيجي والذي يربط بين بين اسيا واروبا مما يجعل ميناء جدة الإسلامي وميناء الدمام حلقة وصل بين الشرق والغرب، وهذه ميزة تنافسية تفتقدها معظم دول الخليج حيث أنها ستوفر على شركات الشحن ما يقارب ٨٠٠ الف دولار للسفينة القادمة من اوربا لتفريغ البضائع في موانئ دول الخليج.
بنظرة سريعة الى حجم الواردات للمملكة في شهر سبتمبر ٢٠١٦نجد أن دولة الامارات العربية المتحدة وبسبب جبل علي في دبي، هي في قائمة أهم ١٠ دول للواردات ومرتبتها الثالثة بعد الصين والولايات المتحدة الامريكيه وقبل اليابان وألمانيا وكوريا والهند، حيث بلغت الواردات من دولة الامارات الشقيقه حوالي ٢٥ مليار ريال سنوياً بواقع ١.٧٦ مليون طن تقريباً، وهذا يعني أن الكثير المنتجين في العالم والذين يصدرون للمملكة العربية السعودية يقومون بأرسال بضاعتهم الى ميناء جبل علي ومن ثم يتم تصديرها الى السعودية براً وهذا اسهل واوفر لهم من ارسالها الى السعودية مباشرة مما يعني خسارة موانئ السعودية مليارات الريالات سنوياً لصالح الموانئ المجاورة.
أما بالنسبة لوضع هذا القطاع في المملكة، يصفه البنك الدولي في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية LPI بأنه متدني وبمعدل تراكمي ٣.١٦ من ٥ أي بنسبة ٦٣٪، وهذا المؤشر يقيس ست عناصر رئيسية وهي الجمارك، والتي كانت الأقل تقيماً وأثرت سلباً، ثم البنية التحتية وتشمل القطارات والطرق والموانئ، أسعار الشحن والنقل، متابعة الشحنات لحظياً، وأخيراً الوقت أو الجدول الزمني للشحنات. ويأتي ترتيب المملكة في هذا المؤشر في المرتبه ٥٢ بعد أن كنا في المرتبة ٤٩ في عام ٢٠١٤ و ٤١ في عام ٢٠٠٧، أي أن هذا القطاع يتراجع في المملكة الى الوراء.
أكبر المشاكل التي يعانيها هذا القطاع في المملكة هي إجراءات التخليص الجمركي والتأخير الحاصل حيث أنه وبحسب البنك الدولي فأن متوسط عدد أيام تخليص الحاوية في عام ٢٠١٤ تسعة أيام بينما في دبي يومين. والمشكلة الثانية عدم توفر قطار لنقل البضائع بين ميناء جدة وميناء الدمام وميناء الجبيل والميناء الجاف في الرياض، المشكلة الثالثة الحاجة الى تطوير الموانئ وسرعة التنزيل والتحميل للسفن وزيادة عمق المياه لتتمكن الموانئ من استقبال السفن الكبيرة وتوفير مناطق حرة لإعادة التصدير، المشكلة الرابعة هي عدم توفر أراضي ومناطق لوجستية مخصصة للشركات اللوجستية وبأسعار منطقية في الموانئ او مجاوره لها، المشكلة الأخيرة هي أن النظام لا يسمح بإنشاء شركات خدمات لوجستية تقدم كافة الخدمات اللوجستيه للعميل مثل باقي الدول المتقدمة لوجستياً، بمعنى أن الشركات في المملكة إما أن تكون ناقل او مخزن او مخلص او مستورد ولا يحق لك الجمع بين بعض هذه النشاطات مما يعني أنه من المستحيل تطوير هذا القطاع في السعودية بدون تغيير هذه الانظمة القديمة والتي مضى عليها عشرات السنين.
الشركات التي تقدم خدمات لوجستية يجب أن تقدم كافة الخدمات تحت سقف واحد بحيث لا يحتاج المستورد أو المصدر الى التعامل مع اربع جهات للحصول على الخدمة، الشركات اللوجستية يجب أن يَسمح لها النظام بأن تكون مخلص جمركي وناقل ومخزن وموزع و وكيل شحن جوي وبري ومستورد، كما يجب تطوير خدمات التخليص الجمركي لتصبح إلكترونية لتسريع عملية التخليص.
كذلك تسهيل الحصول على ترخيص تخليص جمركي، حيث ان من شروطه ان يقوم مالك الشركة اللوجستية بالحصول على دورة مدتها أسبوعين في التخليص الجمركي ودورة في الحاسب الالي ولا يسمح له الجمع بين التخليص والاستيراد او التجارة، وحسب إفادة بعض المخلصين تحتاج من ٦- ٨ اشهر للحصول على هذا الترخيص، لذا من شبه المستحيل أن تحصل عليه شركة لوجستيه. بينما في دبي، إذا كان لديك شركة لوجستيه تقوم بتسجيلها لدى الجمارك وتفويض احد الموظفين وخلال أسبوع تستطيع ممارسة التخليص الجمركي.
هناك خسائر كبيرة بسبب تأخر الخدمات اللوجستية في المملكة، وتطويرها يعني وفي المقام الأول إيقاف النزيف والخسارة الحالية للإقتصاد، وثانياً الاستفادة من الفرص الضائعة بسبب عدم استغلال موقع المملكة الاستراتيجي والبنية التحتية القائمة، ليس هذا فقط ولكن هناك أيضاً فائدة غير مباشرة لتطوير هذا القطاع الا وهي تقليل عدد العمالة الوافدة في قطاع الصناعة والتجزئة. والسبب في ذلك، أن الشركات والمصانع في الوقت الحالي تضطر الى بناء مستودعات خاصة بها وتوظيف ما لايقل عن ٢٠-١٠٠ موظف فقط للخدمات اللوجستية داخل الشركة، بينما لو تم تطوير القطاع فأن شركة لوجستية بخمسين موظف تستطيع ان تخدم ٣٠٠-٥٠٠ شركة ومصنع، إذاً هناك هدر مالي وبشري كبير.
هناك ورشة عمل لتطوير هذا القطاع يقودها المجلس الاقتصادي الأعلى بدأنا نرى بوادرها رغم انها لم تُخدم أعلامياً، ولكننا على أمل أن نرى نتائجها سريعاً وأن تكون بحجم التطلعات وأن تجعل المملكة الأول إقليمياً في هذا القطاع.
المصدر: تقرير كاميلوت
مؤشر أداء الخدمات اللوجستية LPI (المصدر: البنك الدولي
خاص_الفابيتا
هذه الفقرة : ( فائدة غير مباشرة لتطوير هذا القطاع الا وهي تقليل عدد العمالة الوافدة في قطاع الصناعة والتجزئة. ) . غير واضحة، ولم تسندها بأدلة مقنعة، بل المثال الذي ذكرته خيالي . أتمنى أن يفرد له مقال خاص مدعم بالبراهين .