في المقالة السابقة بعنوان (ثورة الصناعة والبيئة الخليجية) ناقشت ضعف دور الصناعة المتقدمة في أطروحات كبار المكاتب الاستشارية المقدمة لأصحاب القرار في الدول الخليجية لتنويع الاقتصاد وتوليد الوظائف.
وبينت أن ذلك يختلف عما تقدمه هذه المكاتب للدول الصناعية من خلال نشرها لبحوث تشير الى خطورة التساهل مع مستجدات التقنية وأثرها على الصناعة مستقبلا.
في هذه المقالة أستعرض تعريف (الثورة الصناعية الرابعة أو الصناعة 4) أو الصناعة الذكية ومبررات تحفيز المجتمع الخليجي للاستفادة القصوى من الفرصة الذهبية التي تقدمها هذه الثورة الصناعية الناشئة. حيث نملك مقومات كثيرة تجعلنا قادرين على مواكبتها وهي في بداياتها قبل أن تنطلق ويعود الفارق الصناعي كبيرا مرة أخرى.
يمكن التذكير بالثورات الصناعية الثلاث التي جعلت الفارق بيننا وبين الدول المتقدمة شاسعا، الأولى بدأت بتطوير المكننة (الألة البخارية) والثانية بتطوير خطوط الإنتاج الكهربائية والإنتاج الوافر (سيارات فورد) تلتهما الثورة الثالثة باستخدام الالكترونيات والأتمتة والروبوتات.
المصدر: معهد البحوث الألماني للذكاء الصناعي DFKI 2011
ويتم التبشير بالثورة الصناعية الرابعة بدمج إنترنت الأشياء والخدمات في بيئة التصنيع. حيث يُتوقع في المستقبل، أن تنشئ الشركات الشبكات العالمية التي تتضمن آلياتها، أنظمة التخزين ومرافق الإنتاج في شكل أنظمة سيبرانية-ملموسة (cyber-physical systems CPS).
في مثل بيئة التصنيع هذه، تكون أنظمة الأجهزة الذكية، وأنظمة التخزين ومرافق الإنتاج قادرة على تبادل المعلومات بشكل حر، وبدء الإجراءات والسيطرة على بعضها البعض بدون تدخل.
وهذا يمثل نقلة نوعية للعمليات الصناعية المستخدمة في التصنيع والهندسة واستخدام المواد وسلاسل التوريد وإدارة دورة حياة المنتجات. ونرى المصانع الذكية التي بدأت في الظهور بالفعل تستخدم نهجا جديدا تماما للإنتاج.
فالمنتجات الذكية فيها تُتابع في كافة مراحل الانتاج منذ البداية وتوضع خطط بديلة للوصول الى حالتها النهائية حسب المواصفات.
كما أن نظم التصنيع تصبح جزءا لا يتجزأ من المنظومة فهي مرتبطة عموديا مع العمليات التجارية داخل المصانع والمؤسسات ومتصلة أفقيا بشبكات القيمة الأخرى المتفرقة التي يمكن أن تدار في الوقت الحقيقي - من لحظة وضع الطلب وانتهاء بالأعمال اللوجستية الصادرة. وهذه العمليات تُمكن وتتطلب الهندسة من البدء الى النهاية لسلسلة القيمة.
تقدم الصناعة 4.0 إمكانات هائلة فهي تسمح للمصانع الذكية تلبية متطلبات العملاء الفردية وتعني أن الإنتاج لمرة واحدة ولمنتج واحد يمكن تنفيذه بشكل مربح.
كما تمكن الأعمال التجارية والأعمال الهندسية الديناميكية إجراء تغييرات في اللحظة الأخيرة للإنتاج والقدرة على الاستجابة بمرونة للاضطرابات أو الفشل من قبل الموردين. حيث تُوفر الشفافية على عمليات التصنيع من البداية للنهاية، مما يُسهل عملية اتخاذ القرار الأمثل.
وستؤدي الصناعة 4.0 أيضا إلى طرق جديدة لخلق قيمة مضافة ونماذج أعمال جديدة لم تكن ممكنة من قبل. على وجه الخصوص، أنها ستوفر للشركات المبتدئة والشركات الصغيرة فرص لتطوير وتقديم خدمات السلسلة الإنتاجية للشركات الكبرى.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الصناعة 4.0 ستوفر منصة مثالية لمعالجة وحل بعض التحديات التي تواجه العالم اليوم مثل شح الموارد وكفاءة الطاقة والإنتاج في المناطق الحضرية والتغيير الديموغرافي. وتأخذ بعين الاعتبار التغيرات الديموغرافية والتحديات الاجتماعية عند تنظيم الأعمال. كما أن نظم المساعدة الذكية
تُعفي العاملين من تنفيذ المهام الروتينية، مما يتيح لهم التركيز على الإبداع والأنشطة ذات القيمة المضافة. كما يسمح لكبار السن من العمالة الماهرة تمديد حياتهم العملية وإبقائها مثمرة لفترة أطول تُتيح نقل الخبرات. وتوفر منظومة العمل المرنة في الصناعة 4 للعمال إمكانية التوفيق بين العمل والحياة الخاصة، واستمرارية التطوير المهني على نحو أكثر فعالية.
ورغم أن الطرح السابق لا يوضح كيف ستتم الصناعة 4 ولا متطلباتها إلا أنه يبرز ما يمكن أن تقدمه لمنطقتنا من فرص إنمائية غير مسبوقة.
فالتصنيع بحسب الطلب والصناعة الموزعة جغرافيا ومتصلة تقنيا، وإمكانية مشاركة المرأة في كافة جوانب الصناعة مع احترام كافة القيم الثقافية والاجتماعية لكل منطقة، وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للمشاركة المباشرة وبنفس مستوى جودة وكفاءة الشركات الصناعية الكبرى مبررات أن نطور استراتيجية خليجية متكاملة للمشاركة منذ البداية.
ولابد لهذه الاستراتيجية أن تكون شاملة تؤثر في سياسات المشاريع الوطنية الكبرى ومواصفاتها واستراتيجيات البحث والتطوير والتعليم والتدريب والخطط الوطنية للتحول الاقتصادي وتوليد الوظائف.
خاص_الفابيتا