فرضت سلطة المال في هونغ غرامة مالية (اقل من مليون دولار) على مصرف اتش اس بي سي لكسره احد قوانين سلطة المال في هونغ كونغ المتعلقة بالحدود الائتمانية. وليس الغرض من المقال تفصيل وتحليل المخالفة ودوافعها، ولكن الغرض تحليل رمزية العمل والذي لم تعهده الأوساط المصرفية الدولية من هونغ كونغ بالذات وتجاه المصرف الأهم في تاريخ المدينة.
تأسس اتش اس بي سي عام 1865م من قبل احد الساسة البريطانيين لتمويل الحملات التجارية للتجار البريطانيين من خلال مستعمرتهم هونغ كونغ للصين، والجدير بالذكر ان هونغ كونغ كانت مصدر اغراق للصين بالأفيون في تلك الحقبة. ومع مرور الوقت اصبح المصرف يلعب دورا اكبر من مجرد تمويل الحملات التجارية. حيث اصبح بمثابة البنك المركزي ويقوم بكثير من الأعمال التي تناط عادة بالبنوك المركزية كطباعة العملة على سبيل المثال.
ومن يزر الحي المالي في هونغ كونغ فسيلحظ التمثال المنحوت بعناية لمؤسس اتش اس بي سي في وسط كبرى الساحات مع شرح تفصيلي لحياته يتخلله تمجيد وتعظيم ملفت للنظر. ومع الوقت ايضا اصبح لهذا المصرف دور دولي معقد يجعل من المستحيل للنظام المصرفي الدولي العمل من دونه، وهذا ما ذكره تقرير لجنة التحقيق الأمريكية الصادرة عن سلطة المال في نيويورك والتي ختمت اعمالها بتوقيف التحقيق (كي لا يهتز النظام المالي الدولي) والاكتفاء بغرامة.
نعم، تقهقر اتش اس بي سي دوليا، واهتزت سمعته، واستهدفت نفوذه اقوى قوة عسكرية ومالية عرفها تاريخ البشر، وتبث انغماس المصرف في أرذل ما يمكن للبشر تخيله، مخدرات، إرهاب واللائحة تطول. ولعل قمة تكبيل المصرف ان تقوم سلطة مال نيويورك بتعيين مسؤولي المصرف الرقابيين والقانونيين ومسؤولي مكافحة غسيل الأموال (ومعظم من تم تعيينهم من سلطة مال نيويورك).
رمزية تغريم اتش اس بي سي من قبل هونغ كونغ تحديدا لأن المدينة اساس منشأها، ونبع قوتها، في هونغ كونغ كان قمة نفوذ المصرف، والآن وبعد تحجيم المصرف وتقصيص أجنحته اذ بالمدينة تلحق بالركب لتأدية واجبها في حماية قوانينها من هذا المصرف اللئيم الآفة.
الأخلاق أساس أي عمل مصرفي سليم، والنزاهة مصدر قوة هذا القطاع. لا يمكن لاقتصاد العالم أن يستقر من الهزات المالية والاقتصادية من غير ان تفرض قوانين البنوك المركزية على المصارف. قطع العالم شوطا مهما في تطهير المصارف من المجرمين وقطاع الطرق وتجار المخدرات والإرهابيين، ولكن الطريق ما زال وعرا ولا بد من اكمال ما تم بدؤه. ان العالم لم يعد يحتمل ان ترتكب في حقه أخطاء كالتي ارتكبها اتش اس بي سي، ولويدز، وستاندرد تشارترد، ومصرف طوكيو ميتسوبيشي، وباركليز، وبي ان بي باريبا واللائحة تطول. لم يعد العالم يحتمل تسيد السفلة، لا بد من فرض القوانين ومحاسبة المخطئين.
نقلا عن اليوم