المفاوضات أم الحرب

30/08/2022 0
وليد خدوري

لبنان مقبل على استحقاق جديد في المستقبل القريب؛ إذ يدور الكلام حول قصف المنشآت البحرية الغازية الإسرائيلية لحقل كاريش وحتى بقية المنصات والبنى التحتية البترولية البحرية الإسرائيلية.

والسبب في التهديد هو موعد بدء الإنتاج لحقل كاريش المقرر مسبقاً في أوائل شهر سبتمبر (أيلول) 2022، وحقل كاريش عابر للحدود؛ فالحقل يمتد من المياه الإسرائيلية إلى المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. ويقدر أن الحقل يمتد إلى نحو 10 أميال جنوب خط 29 في المياه الإسرائيلية، ثم يمتد إلى المنطقة المتنازع عليها. هناك الآن مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة لإيجاد حل للخلاف الحدودي بين البلدين. كان «حزب الله» قد أعلن رسمياً موافقته على الحدود التي توافق عليها الدولة اللبنانية، وقد قاد المفاوضات مؤخراً رئيس الجمهورية ميشال عون حليف «حزب الله» السياسي. الإنذار الذي وجهه «حزب الله» اللبناني فجأة يشترط إيقاف قرار الإنتاج الإسرائيلي المعلن عنه مسبقاً وإلا قصف حقل كاريش وبقية الحقول البحرية الإسرائيلية. والسؤال الآن: هل من الممكن أن يحقق الوسيط الأميركي حلاً وسطاً يوافق عليه الطرفان؟ ومتى؟ فلبنان مقبل على انتخابات رئاسية، وإسرائيل مقبلة على انتخابات تشريعية قبل نهاية العام.

تشير التجارب التاريخية إلى أن المفاوضات الحدودية معقدة وتأخذ وقتاً طويلاً واعتبارات عدة في رسم الحدود: القانون الدولي، الأدلة التاريخية، وطبعاً قوة الدولتين المتفاوضتين. وما يضيف لصعوبة المفاوضات غير المباشرة اللبنانية - الإسرائيلية أنها بين بلدين في حال حرب، كما أن حزباً سياسياً لبنانياً (حزب الله) يرسم سياسة الحرب والسلام للدولة في وقت يمر فيه لبنان بأسوأ الأوضاع الاقتصادية/ الاجتماعية والسياسية في تاريخه الحديث.

كما تشير تجارب الحروب الحديثة المستعملة للصواريخ والمسيرات، أن قدرة التدمير واسعة ودقيقة، لكن من الصعوبة بمكان إنهاء هذا النوع من الحروب بسهولة أو بوقت قصير.

عانى لبنان، ولا يزال، الكثير من الفوضى السياسية. وخير دليل على ذلك، أن دورة المناقصات الأولى للقطعتين (البلوكين) البحريتين 4و 9 استقطبت في حينه اهتمام 52 شركة نفط عالمية قدمت طلبات للمشاركة في المناقصة الأولى. أما المناقصة الثانية لبقية القطعات (البلوكات) الثمانية التي كان من المفروض الإعلان عن نتائجها في أوائل شهر أغسطس 2022، فلم تتقدم شركة نفطية واحدة للمشاركة.

لم تعلن الأسباب وراء الامتناع الشامل للمشاركة في المناقصة بعد الاهتمام الكبير الذي أبدته الشركات في المناقصة الأولى، في وقت تزدهر فيه صناعة الغاز العالمية ويزداد الطلب على الغاز ويرتفع سعره إلى معدلات قياسية. تشير المصادر النفطية إلى أن السبب في عدم المشاركة لأي شركة نفطية في منطقة شرق البحر المتوسط الموعودة بالاكتشافات هو تخوف الشركات من اندلاع الحرب وقصف المنشآت.

أعلنت شركة إيني الإيطالية في 22 أغسطس الجاري، أنها اكتشفت حقلاً ثانياً في البلوك 6 في المياه القبرصية. وتم اكتشاف الحقل على عمق 2287 متراً تحت سطح الماء وذكرت الشركة أن الاحتياطات الأولية للحقل مهمة وتقدر أولياً بنحو 2.5 ترليون قدم مكعب، قابلة للزيادة بعد استكمال عمليات الحفر. والجدير بالذكر، أن هذا هو الحقل الثاني في بلوك 6 الذي اكتشفته «إيني» مع شريكها الفرنسي شركة «توتال» في هذا البلوك. والشركتان الإيطالية والفرنسية بالشراكة مع شركة «نوفتك» الروسية كانوا قد فازوا في المناقصة الأولى بالاستكشاف في بلوك 4 و9 اللبنانيين. وقد تم الاستكشاف في بلوك 4 في المياه الشمالية اللبنانية لكن لم يتم العمل في بلوك 9 الجنوبي حتى الآن. ويعتقد أن السبب هو الخلاف على رسم الحدود.

هل هناك تخوف من حروب «بترولية» مقبلة. تشير المصادر الصناعية النفطية، أن تطوير الحقول البترولية البحرية باهظ الثمن، فالمنصة الواحدة تكلف المليار أو المليارين من الدولارات، بالذات في مياه البحار العميقة، كما هي في لبنان. يتتبع هذا الجو السياسي القاتم بوليصة تأمين باهظة الثمن يجب أن تتحملها الشركات والدولة، في حال تواجد تهديدات بالقصف والحرب.

وفي حال المبادرة بقصف منشآت بترولية لدولة ما، يجب التوقع بردود فعل متعددة، منها جيوسياسية، التحالفات مع الدول الكبرى وإمكانية إعادة التسليح خلال نشوب الحرب، والتهديد بالضرب لاحقاً. وفي حال ضربت أم استمرت إسرائيل بالتهديد، فالحال سواء. ستردع الشركات العالمية من الاستثمار بمليارات الدولارات في منطقة تنذر بالمخاطر والحروب، ناهيك عن إمكانية سقوط الضحايا من عمال وموظفي الشركات.

أم هل هناك احتمال لنجاح مبادرة الوساطة الأميركية في اللحظة الأخيرة ما يقنع الطرفين بتحقيق مصالحهما؟

لبنان، في وضعه الاقتصادي المزري الحالي، يتطلع بكل لهفة للتنقيب عن الغاز في مياهه البحرية لردف اقتصاده بأموال واستثمارات إضافية بعد سنوات عدة من إطلاق حملة الاستكشاف، وإمكانية الاستفادة من اكتشافات غازية مهمة كما هو جارٍ في بعض الدول المجاورة. لكن رغم كل التفاؤل الذي عبر عنه بعض السياسيين المحليين، فإن اكتشاف الغاز لن يعني مردوداً عالياً خلال أشهر أو حتى سنوات؛ فعمليات تطوير الحقول، بعد اكتشافها، تتطلب سنوات عديدة من تشييد البنى التحتية لإمكانية الاستفادة من الغاز عبر تصديره أو استهلاكه محلياً.

هناك مفارقات كبرى بين وضع القطاع الغازي في لبنان وإسرائيل. فقد غلبت الخلافات السياسية المحلية في لبنان على تأسيس صناعة الغاز بكل ما تتطلبها من جهود وشفافية، بحيث لم يتم التنقيب اللازم لأكثر من عقد من زمن، من ثم لم تتم الاكتشافات المرجوة. هذا، في الوقت الذي استطاعت فيه إسرائيل تشييد نواة صناعة غازية واستقطبت شركات عالمية للاستثمار في هذه الصناعة والإنتاج وتشييد شبكة أنابيب داخلية لتزويد معظم محطات الكهرباء المحلية بالغاز، هذا، ناهيك عن تصدير الغاز لدول عربية مجاورة (الأردن ومصر)، ومؤخراً الاتفاق مع السوق الأوروبية المشتركة لتسييل الغاز في محطات التسييل المصرية ومن ثم تصديره إلى السوق الأوروبية.

في كل الأحوال، وعلى ضوء تجارب السنوات الأخيرة، أصبح من الضروري للبنان، الآن أكثر من أي وقت مضى، أن يعطي الأولوية والشفافية اللازمة لقطاع الطاقة برمته (الغاز، الكهرباء، المياه، توزيع المنتجات البترولية في السوق المحلية، وتشييد الطاقات المستدامة).

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط