لا يوجد قطاع تجاري على وجه الأرض بدون مخاطر، والمصارف في بلادنا ليست مستثناه من هذه القاعدة.
والمخاطر التي تواجه المصارف بطبيعة الحال أمر يمكن السيطرة عليه بالإدارة الحصيفة وبتعريف شهية المخاطر، والتي تختلف من مصرف لمصرف بطبيعة الحال والتي تعكس الى درجة كبيرة مقدار المخاطر المقبولة لدى كل من ملاك المصرف ممثلا في مجلس الادارة والبنك المركزي.
وفي الآونة الأخيرة صدر عدد من الدراسات البحثية من جهات مالية مصرح لها القيام بمثل هذا ونشره، وعدد منها مما اطلعت عليه توقع ان تشهد المصارف في بلادنا صعوبات أو انخفاضات في مستوى ربحيتها كنتاج لزيادة المخصصات.
ولم اشاهد أي تقرير يتطرق الى توقع انخفاض الربحية كنتاج لانخفاض القروض المصدرة أو انخفاض العمولات المكتسبة.
وأود قبل الإسهاب اذكر ان هذا ايجابي من وجهة نظري الشخصية، ولا بد منه، ولا يمكن تفاديه، كما يؤسس لدورة مصرفية مستقبلية أكثر صلابة، ويجعل من القوائم المالية أكثر واقعية في عكس الصورة الحقيقية للمصارف.
الأصول المسمومة مصطلح يطلق على كل أصل مكتسب لم يعد له قيمة تعادل قيمة مشتراه.
بمعنى اذا افترضنا أن هنا أصلا تم شراؤه بقيمة معينة (ريال على سبيل المثال وللتبسيط فقط) ومن ثم أصبحت قيمته السوقية صفرا أو هللة، فان هذا الأصل يعتبر مسموما ولا ينبغي بقاؤه في القوائم المالية وينبغي شطبه.
وهذا المصطلح استخدم بكثرة عقب أزمة الرهونات العقارية التي ضربت المصارف في العالم والتي اضطرت المصارف الى شطب مليارات من قوائمها المالية بسببه، بل ان أكبر المصارف في العالم لولا دعم الحكومات لها لأفلست، (باستثناء اتش اس بي سي وستاندرد تشارترد اللذين استعاضا بدعم الارهاب وتمويل المخدرات بدلا من الدعم الحكومي). القروض للمصارف أصول، وبالنسبة لمصارفنا فلا شك انها ايضا معرضة لقروض معدمة أو متعثرة ليس بالإمكان تحصيلها في المنظور القريب، وهذا طبيعي جدا، ومن المهم التنويه انها لا تتجاوز 2% من مجمل قروض القطاع.
التقارير التي صدرت مؤخرا والتي تتوقع زيادة المخصصات للقروض المصدرة لقطاع المقاولات منطقية وخصوصا اننا نمر بمرحلة اعادة هيكلة كلية لاقتصادنا، وذلك يشمل اعادة ترتيب اولويات الانفاق وغير ذلك مما تفتضيه المرحلة.
ومن المهم ايضا تسليط الضوء على ان مجمل القروض المصدرة لقطاع المقاولات لا تتجاوز 8% من محفظة الاقراض المصرفية.
زيادة المخصصات مهمة في هذه الظروف وتعطي صورة أكثر واقعية للقوائم المالية للمصارف.
زيادة المخصصات المتوقعة لعدد من المصارف في عامنا هذا مهمة، وتؤسس لمستقبل أكثر متانة لقطاعنا المصرفي، ويجب ان ينظر لها على أنها عملية (تطهير) للقوائم المالية للأصول المسمومة.
لن تتأثر الربحية كنتاج انكماش القروض المصدرة أو انكماش العمولات المكتسبة، كل ما في الأمر هو ان المصارف وبعد اعوام عديدة من النمو ستأخذ نفسا وتعيد ترتيب المركز المالي بما يمحو القروض التي يغلب الظن على انها تأخذ وقتا للتحصيل أكثر من الطبيعي، وهذا مطلب محاسبي ومطلب قانوني بل ومطلب استثماري من حملة الأسهم.
المهم المستقبل، والمهم الاستفادة من كل الظروف لإدارة مخاطر أكثر صلابة وتحفظا، واضمن لحقوق المستثمرين والمودعين والمشرع.
نقلا عن اليوم