ظاهرة إصدار سندات من دون فوائد: الخلفيات

11/07/2016 4
عدنان أحمد يوسف

إصدار سنــدات مـن دون فوائــــد ظاهرة أصبحت في تزايـــد لافت، وهــــي حصيلة منطقيـــة للمخاوف من استمرار أجواء الركود المــخـــيمة عـــلى اقتصادات الدول الغربية في شكل أساس، وإلى حد ما على الاقتصادين الأميركي والياباني بدرجة ثانية.

خلال العام الماضي قامت شركة الطاقة الفرنسية «جي دي أف سوييز» وتعرف حالياً باسم «إنجي»، ببيع سندات مقومة باليورو مدتها سنتان، بـ3.4 بليون دولار من دون فوائد. مع ذلك تمت تغطية المبلغ بالكامل من قبل المستثمرين.

وهي المرة الأولى التي يحدث فيه مثل عملية البيع هذه منذ 14 سنة. وهناك شركات أوروبية أخرى ستقدم على الخطوة ذاتها وهي واثقة من تقبل السوق لإصدارتها الــتي تحمل فائدة صفرية، وربما تكون سالبة.

بينما يقدّر مقال نشر حديـــثاً في صحيفة «فاينينشال تايمز» قيمة الديون الحكومية حول العـــالم التي تعطي فوائد صفرية وربما سالبة، بنحو 10 تريليونات دولار، وهو مبلغ عالٍ جداً يعكس في أحد صوره حال الاقتصاد الذي تعيشه أوروبا.

بينما يراهن المستثمرون الذين يقبلون على شراء هذه السندات بالتعويض عن عدم حصولهم على فوائد على ارتفـاع سعر هذه السندات في السوق لاحقاً. كما إنه يعكس توجه المستثمرين للاحتفاظ بأصول ذات جودة عالية بغض النظر عن العائد، وهو التوجه الذي ربما يمثل أحد الدروس الأساسية المستفادة من الأزمة الاقتصادية القاسية التي نشبت عام 2008.

يقول محللون إن هذه الإصدارات من قبل الشركات الحكومية وشبه الحكومية والشركات الخاصة الكبيرة في الغرب، تسعى للاستفادة القصـــوى من توجه المصرف المركزي الأوروبي بالإبقاء على سعر الفائـــدة الصـــفرية بغية تنشيط الاقتصاد الأوروبي. كما أن لـــدى المصرف خـــططاً لشراء سندات حكومية وخاصة بـ60 بليون دولار بهدف ضـــخ السيولة في الأسواق، وهو جزء من برنامج التيسير الكمـــي.

ولا يستبعد محللون في الأسواق أن يقدم البنك على هذه الخطوة حتى بشراء سندات ذات عائد سالب، ما يشجع أكثر تلك الشركات على الإقدام على مثل تلك الإصدارات لكونها تساهم في خفض كلفة الاقتراض لديها. وقام البنك كذلك العام الماضي بوضع سعر فائدة سلبي على الودائع المصرفية بهدف تنشيط الاقتراض، ما دفع بالعائد أكثر نحو الانخفاض.

وخفض البنك الدولي في أيار (مايو) مستوى توقعاته للنمو العالمي هذه السنة إلى 2.4 في المئة بعدما تجاوزت توقعاته 2.9 في المئة في كانون الثاني (يناير) الماضي. وعزا البنك الدولي هذا التغير إلى بطء النمو في اقتصادات بلدان منطقة اليورو واستمرار انخفاض أسعار السلع الأولية وضعف التجارة العالمية وتقلص تدفقات رأس المال.

وفي الضفة الأخرى من الأطلسي، أبقى مجلس الاحتياط الفيديرالي سعر الفائدة من دون تغيير قبل أيام، وهو مؤشر آخر علــى استمرار بقاء سعر الفائدة الصفرية أو القريبة من الصفر عـــبر بلدان العالم المتقدم.

ومن التحليلات اللافتة التي بتنا نتابعــــها، انتقاد قرار مجلس الاحتياط برفع سعر الفائدة فـــي كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي، لأن هذا الرفع أخذ في الاعتبار وضع الاقتصاد الأميركي آنذاك في حين تجاهل ما يدور حوله وبخاصة في البلدان التـــي يعتمد عليها الاقتصاد الأميركي نفـــسه، حيث اعتبر الرئيس السابق للجنة المالية لبنك إنكلترا ديفــــيد أسمان في مقابلـــة صحافية أن قرار مجلس الاحتياط برفـــع أسعار الفائدة في كانون الأول العام الماضي أنه لم يكن قراراً «صائباً» وأنه اتخذ في وقت لم يكن الاقتصاد الأميركي استعاد «أنفاسه بالكامل» من أزمة 2008.

وأضاف اسمين إن المؤسسة المالية الأميركية، في طليعتـــها مجلس الاحتياط الفيديرالي، تتبنى وجهات نظر أن الاقتصاد الأميركي يحقق نجاحات، إلا أن أداء الشركاء الآخرين وبخاصة الصين والاتحاد الأوروبي أداء سلبي «وأقل دعماً» للنمو الأميركي، وحتى بتبني وجهة النظر تلك.

وربمـــا أن اندفاع الشركات والمصـــارف الأميركيــــة للمشاركـــة فـــي شـــراء سندات الدَين الأوروبية التـــي تحمل فائدة صفرية أو عائــــداً سلبياً لا يعكـــس فقط سعيها للاستحواذ على أصول ذات جـــودة بل أيضاً توقعاتها ببقاء وضع الاقتصاد الأميركي في وضع مشابه للاقتصاد الأوروبي في المدى المنظور.

وفي كل حال علينا، كمصارف عربية، قراءة هذه التطورات قراءة سليمة ومتأنية. ولكن باعتقادي هي لن تخرج في كل الأحوال عن جوهر ما سبق إن أشرنا إليه وأكدناه في مناسبات عدة من صحة وسلامة النهج المحافظ التي تتبعه غالبية المصارف العربية في محافظ التمويل والاستثمار بصورة عامة.

كما إن هذه التطورات تؤكد مرة أخرى أهمية دعواتنا للعودة للصيرفة الحقيقية المرتبطة بتمويل حاجات حقيقية للأفراد والمؤسسات والاقتصاد بعيداً عن المضاربات والجشع في الأرباح لأنها وحدها تجنبنا في ما بعد أن نضطر للبحث عن أصول ذات جودة ولو كانت بعائد صفري أو سالب كما يحدث حالياً في الغرب.

نقلا عن الحياة