عندما يعاني مريض من انخفاض حاد في مستوى الدم بجسمه فإن الأمر يتطلب نقل دم خارجي له بشكل عاجل لإبقائه سليماً، ولكن ذلك سيكون علاجاً مؤقتاَ يدوم أثره لفترة مؤقته قد تكون أسابيع أو شهور.
أما إذا كان نقص الدم ناتجا عن انيميا حادة بسبب خلل ما في انتاج كريات الدم، فإن الأمر يتطلب علاج الخلل حتى لا يظل المريض معتمداً على جرعات دم خارجية بشكل مستمر.
هذا ما نراه اليوم في أحوال بورصة قطر، حيث تعاني السوق من ضعف مستمر في السيولة تتجلى مظاهره واضحة في مستوى متدني لأحجام التداول سواء مقارنة بما كانت عليه في السابق، أو بمقارنتها بأسواق أخرى.
وقد انخفض المعدل في الأسبوع الأخير إلى ما فوق نصف مليار ريال بقليل أو نحو 116 مليون ريال يومياً، بعد أن كان قد سجل مستويات مرتفعة تزيد عن 400 مليون ريال يومياً لفترات طويلة في عام 2014.
وفي حين لا بد من البحث عن أسباب الخلل المؤدية لذلك ومعالجتها، فإن تجاهل هذه الحقيقة والإكتفاء بضخ دم خارجي عن طريق إجراء بعض الصفقات الكبيرة من جانب المحافظ الأجنبية غالباً، لن يؤدي إلا إلى ترسيخ الحال على ما هو عليه، وإبقائه معتمداً على النقل الخارجي، باعتبار أن المعدلات ستستمر في التراجع فترة بعد أخرى.
وهذا الأمر لا يتناسب مع شهرة قطر كثاني أكبر البورصات العربية، استناداَ إلى حجم الرسملة الكلية، فهناك أسواق مالية أصغر منها في الحجم، ولكنها تفوقها كثيراً في أحجام التداولات.
وهنالك الكثير من الحلول لمعالجة هذه الأزمة التي باتت مقلقة، يقوم بعضها على تفعيل ما تم اعتماده سابقاً من أليات عمل تم إقرارها، دون أن تجد طريقها للتنفيذ العمليأو أن ذلك يتم في حدود ضيقة... ومن هذه الأليات آلية مزود السيولة، حيث تقوم شركة ما بالتعاقد مع بعض الشركات المدرجة لتنشيط تداول سهمها في السوق وفق ضوابط معينة.
وقد وجدت هذه الآلية طريقها للتنفيذ ولكن بشكل محدود للغاية، مع أن نتائج التطبيق كانت ممتازة وواعدة.
وهناك آلية التعامل بالهامش، وآلية الدخول السريع للسوق من جانب المؤسسات الخارجية، ولكن دون الحاجة إلى متطلبات روتينية تعطل الألية قبل أن تبدأ.
كما أن من بين الآليات التي تحتاج إلى تفعيل؛ نشاط إقراض واقتراض الأسهم الذي تم إقراره دوان أن يرى النور بعد.
وهناك أليات أخرى تبدو بسيطة وممكن اعتمادها لتسهيل التداولات، ومن ثم جذب المزيد من المتعاملين الذين حالت التعقيدات البيروقراطية دون دخولهم البورصة.
ومن هذه الأليات إتاحة فرص "البيع على المكشوف" وهي آلية تمكن المستثمر من أن يتاجر ببيع أسهم لا يملكها إبتداءا- إذا كان يرى أن الأسعار تتجه إلى الهبوط في فترة ما- فيكون له عدد من الأسهم المباعة، وعليه الشراء بعد ذلك بنفس الكمية لتغطية هذا المركز المفتوح.
وبالتالي لا تنكمش أحجام التداول في أوقات انخفاض الأسعار، لأن هناك من يرى في الانخفاض فرصة ثمينة لتحقيق الأرباح.
وكانت إدارة البورصة وهيئة قطر للأسواق المالية قد عولتا قبل عامين على ترفيع رتبة بورصة قطر إلى مصاف الأسواق الناشئة، ورأتا في ذلك سبيلاً لزيادة أحجام التداول عن طريق جذب الاستثمارات الأجنبية.
ولكن هذا الأمر لم يتحقق على النحو المرجو، فهل صام الأجانب والمحافظ الأجنبية عن التداول مع القطريين؟ أم أن ذلك حدث بسبب التعقيدات التي يواجهها الأجانب في دخولهم للبورصة.
وحتى بعد اجتيازهم العراقيل، فإن حصول المستثمر على أرباحه الموزعة سنوياً من الشركات التي يحمل أسهمها، يبدو صعباً، مما يعجل بخروجهم لاحقاً، والأسهل أن يخرج المستثمر بأرباحه كما دخل برأسماله من قبل,,,, أي عن طريق الوسيط.
وسبل التطوير بعد ذلك كثيرة ومتعددة، ومنها إدخال منتجات جديدة إلى السوق؛ مثل وحدات الصناديق الاستثمارية، والعقارية، وإدراج شركات جديدة.
وقد يتطلب إدراج الشركات الجديدة تغيير المناخ السائد في البورصة من قبيل تطوير آلية الاكتتاب، بحيث يتم ذلك بشكل مباشر عن طريق الوسيط دونما حاجة للذهاب إلى بنك معين وكل ما يصاحب ذلك من متطلبات، وأن يتم تحديد سعر الإدراج عن طريق ألية بناء السجل الإلكتروني للأوامر بدلاً من التحديد العشوائي لسعر السهم.
ومن الضروي العمل على زيادة الثقة في أسهم الشركات المدرجة عن طريق إعادة النظر في الأسهم الخاملة لبعض الشركات التي تشهد تداولات ضئيلة للغاية سنوياً، فلا يكفي في هذا الحال أخراجها من تركيبة المؤشر العام عقاباً على ضعف تداولاتها.
كما يجب أن يتم إصدار معايير جودة للشركات المدرجة، بما يضمن التزامها فعليا بمبادئ الحوكمة التي تم أقرارها على كل المستويات سواء من الهيئة أو وزارة الاقتصاد والتجارة أو مصرف قطر المركزي.
ويظل فيما كتبت رأي صائب قد يحتمل الخطأ...