مع تطور الاقتصاد والتجارة والتجارة العالمية ونضج الأسواق المالية العالمية، وظهور الأسواق الناشئة، أصبحت الشفافية والصدق والوضوح والإفصاح ركيزة الاستثمار، بل هي عماد اتخاذ القرارات الاستثمارية، لذلك كان النقيض وهو التضليل الاقتصادي مبعث قلق لدى المنصفين والمستثمرين، ومن أجل ذلك تم سن قوانين كثيرة ومتعددة وهيئات مسؤولة في جانب كبير من عملها عن الإفصاح وصدق المعلومات ووضوحها.
ولأن الاقتصاد علم من العلوم الاجتماعية، ويعتمد على التحليل في جوانب كثيرة، فإن الكثير من الناس وبحكم عدم اختصاصهم بهذا العلم يسلمون بما يرون ويسمعون ويقرأون، فاستغل بعض ضعاف النفوس هذه النقطة للتضليل بالناس في جوانب اقتصادية أو استثمارية أو تجارية لأهداف مبيتة، وفي أحسن الأحوال للإثارة والنجومية كما تفعل بعض وسائل الإعلام، وإليكم بعض الأمثلة:
الإفصاح عن البيانات الاقتصادية بعد مرور فترات طويلة على الفترة المعلن عنها هو تضليل اقتصادي.
السكوت عن مشكلة اقتصادية معينة لا سيما للشركات المساهمة، وزجها في أتون التخمين والتحليل الفردي دون الإفصاح عن حالها أو مآلها هو تضليل اقتصادي.
تنميق الأخبار الاقتصادية باختيار عناوين مضللة لا تمثل المحتوى، أو ملئها بحشو ممل تضيع فيه المعلومة الصحيحة هو تضليل اقتصادي.
البدء بالإعلان عن إيرادات كبيرة حققتها شركة ما وأرباح تشغيلية جيدة وزج المديح والولاء للحاكم أو السلطات الاقتصادية ثم تذييل بيان النتائج المالية للشركة المساهمة بخسائر (فادحة أو غير فادحة) او تراجع في الأرباح (حاد أو غير حاد) هو نوع من أنواع التضليل الاقتصادي.
قيام صحيفة غربية بنشر خبر مفاده أن قرابة 3000 سيارة أو أكثر هجرت وتركها أصحابها في مواقف مطار دبي الدولي خلال الأزمة المالية بناء على تخمين أحد مراسليها ورؤيته لبعض سيارات (برأيي قد تكون متسخة) في مواقف المطار، هو تضليل اقتصادي كبير.
القول بأن شركة ما لم تستثمر في شراء أسهم شركة أخرى في تصريح متبجح بعد ارتفاع أسهم الشركتين بشكل ملفت، ثم الإعلان بعد يوم أو يومين عن صفقة استثمار الشركة ( آ ) في الشركة ( أ ) ببيعها حصة أغلبية وأن المفاوضات جرت خلال يوم واحد و(كأنها صفقة بيع سيارة) هو تضليل اقتصادي فاضح.
تحقيق أرباح خيالية لفترة مالية معينة وعزوها لجهود الإدارة ثم اكتشاف المحللين بعد طول انتظار للنتائج المدققة أن هذه الأرباح ناتجة عن تقييم ما، أو بيع أصل من الأصول مما يجعلها أرباحا استثنائية هو تضليل اقتصادي.
الإعلان عن صفقة أو استثمار أو عملية شراء أو بيع دون الإعلان عن قيمتها، أو إعلانها من طرف واحد وصمت الطرف الآخر حيالها صمتا مطبقا هو تضليل اقتصادي.
نشر بيانات صحفية (تخص شركة ما) على عاهنها دون التدقيق بمحتواها وما قد يتضمن من مغالطات أو أخطاء حتى ولو كانت لغوية أو إملائية، وذلك من قبل الناشر سواء أكان سوقا ماليا أو وسيلة إعلام هو تضليل اقتصادي، وكم رأينا بيانات صحفية لا نعرف فيها مرجعية الضمير (الظاهر والمستتر) ولا نفهم فيها كلمات وجمل ولا ندري من أي لغة هي حيث كتبت بلغة ركيكة أو مترجمة حرفيا، أو ملئت بعبارات التنميق والتطبيل والترويج، وكأن السوق المالي أصبح ركنا للدعاية والتسويق.
نشر البيانات المالية بلغة أجنبية قبل نشرها باللغة الوطنية هو تضليل اقتصادي كبير.
هناك العديد من الأمثلة عن التضليل الاقتصادي، اكتفيت بذكر ما يحضرني منها، لكن المتأمل يجد أن الإعلام الاقتصادي هو المسؤول الأول عن سلامة المعلومة الاقتصادية، لذلك كان الإعلام الاقتصادي مطالبا بالشفافية والحياد والتأني والتدقيق، وعدم اللهث وراء أصوات الطبول، وتذكر أن الكلمة مسؤولية: قد تدفع مستثمرا ما لاتخاذ قرار بناء عليها يكلفه أمواله وجهده ويجعله هباء منثورا، وفي خضم الفورة المعلوماتية والتقنية وانتشار الانترنت بشكل سريع أصبحت الدقة الإعلامية والحياد هدفا للعديد من وسائل الإعلام وفي نفس الوقت أصبحت وسائل الإعلام تلك هدفا لسهام النقاد وامتعاضهم خصوصا ممن يخشون الحقيقة، لكن الالتزام بالحق والصدق يبقى نبراسا وهدفا ساميا وواجبا للسلطة الرابعة.
التضليل الاقتصادي اصبح على مستوى الدول صناعه و احتراف ولكن لايزيد الله الظالمين الا خسارا