أهداف عديدة ذُكرت بالرؤية المستقبلية للمملكة يُنتظر تحقيقها على مدى خمسة عشر عامًا قادمة، وقد يكون جل التركيز الإعلامي حول تقليص الاعتماد على إيرادات النفط، وتأثيرها بالناتج المحلي، وتحريك عجلة الاقتصاد، وأيضًا طرح جزء من شركة أرامكو للاكتتاب العام، وكذلك الصندوق السيادي، لكن ذلك ليس كل ما يقصد به من توجهات قادمة للاقتصاد الوطني كما تظهر معالمه من الرؤية؛ فالأبعاد لا تبدو بسيطة أو محصورة فقط بكيفية تنويع مصادر الدخل، بل ينظر لها من زاوية التنافس الإقليمي بجذب الاستثمارات، التي ستواجه تحديات كبيرة جدًّا للوصول للأهداف المنشودة.
فلو أخذنا تصوُّرًا عامًّا عن المنطقة بالرغم مما يجري فيها من أحداث جيوسياسية خطرة سنجد أن الاستعدادات للحصول على حصص بأسواقها تبدو في مرحلة مهمة ومتقدمة بالمنافسة بين الدول بالمنطقة، وأيضًا على الضفة الأخرى من قِبل الشركات العالمية وصناديق الاستثمار الضخمة في أسواقنا الإقليمية المهمة جدًّا من العالم من حيث الاحتياجات للسلع والخدمات، وأيضًا الإمكانيات بالثروات الطبيعية وقوة الاستهلاك، وكذلك الموقع الجغرافي الذي يتوسط العالم.
وقد يرى الكثير من المختصين أن التنافسية بدول الشرق الأوسط عمومًا، ومنطقتنا التي تمثل قلبه خصوصًا، ليست بالجديدة؛ فقد جُذبت أموالٌ ضخمة سابقًا لدول مثل تركيا أو السعودية أو الإمارات ومصر قياسًا بحجم اقتصادياتها، لكن ذلك ليس إلا مقدمة لما هو ممكن في حال انفتاح أسواق دول المنطقة، وطبعًا الهدوء والسلام المأمول تحققه بعد سنوات عصفت بدول مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، وأثرت على حركة الاستثمار والتنمية إجمالاً، إلا أن لكل مرحلة نهاية، ولا بد أن تعود الشعوب لبناء ما خسرته والتطلع للنهوض من جديد. ولعل الاتفاق النووي الذي سحب ورقة حصول إيران على سلاح نووي هو بداية لتنافسية شرسة في المستقبل على كعكة الاستثمار الأجنبي والمحلي بدول الخليج العربي ومصر وإيران والعراق في حال استقرت أوضاعه.
فمن الواضح أن نهج الشراكات مع الدول والتكتلات الدولية هو المستقبل؛ ولذلك لا بد من تطوير الأنظمة والتشريعات، واتباع حرية الأسواق إذا كانت أي دولة تريد أن تكون قائدًا أو مستحوذًا على أكبر حصة من تدفق الاستثمارات إقليميًّا. فالسعودية استطاعت جذب ما يقارب 760 مليار ريال، حسب إحصاءات هيئة الاستثمارات العامة، طيلة السنوات الطويلة السابقة، لكن ذلك بالمحصلة لا يمثل طموحًا، ولا يمكن أن يشكّل فارقًا مؤثرًا دوليًّا أو إقليميًّا.
فاستقطاب الاستثمارات يتطلب تغييرًا كبيرًا بقواعد جذبها، وتحوُّلاً كبيرًا بالاقتصاد، يبدأ من تغيير التشريعات والأنظمة المختصة بالاستثمار وسهولة الأعمال إلى تغيير الدور الحكومي المنتظر نحو الإشراف والتشريع والرقابة، وتيسير جذب الاستثمارات، والتخلي عن دور كبير بإدارة مباشرة للخدمات والصناعات عمومًا، وإعادة تقييم أصول الدولة؛ لكي تكون بقيم مستحقة، وتحويلها لكيانات تجارية، تُطرح بالسوق المالي، كشركات تجذب استثمارات لها، وإعادة استثمار الأموال المتحصلة بتوسعات جديدة محليًّا، أو باستثمارات خارجية، فلا يمكن جذب الأموال للاقتصاد من خلال بيع السلع كالنفط والغاز مثلاً، أو حتى الصادرات غير النفطية؛ فلا بد أن تنشط السوق المالية بمفهومها الواسع؛ كي تجذب أموالاً من مصادر مختلفة لداخل الاقتصاد الوطني، وتكون مصدرًا يُعاد استثماره من جديد، بخلاف فك احتكارات لقطاعات، وتحويلها لكي تكون استثمارية، وتعزيز دور القطاع الخاص؛ حتى يمكن توليد فرص عمل، وزيادة النشاط الاقتصادي من خلال حركة التنقلات للمستثمرين والزائرين للمملكة بأضعاف الأرقام الحالية؛ فالعولمة اهتمت بجذب الفرد المفيد لأي اقتصاد وفق احتياجه، والأمر ذاته ينطبق على الشركات التي يمكن أن تكون مقارها الإقليمية بالسعودية مع توافر بيئة مناسبة كما هو معلَن عن تغيير بأنظمة تخص مركز الملك عبدالله المالي؛ إذ يمكن تطبيقه على مدن صناعية واقتصادية أيضًا بتوفير بنية تحتية، تسهل حركة المستثمرين من الكيانات الكبرى عالميًّا.
إعادة تقييم أصول الدولة والقطاع الخاص سيسمح بجذب أموال ضخمة للاستثمار، بما يطرح منها بالسوق المالية التي يمكن أن تتحول إلى أحد أكبر الأسواق الناشئة عالميًّا، ويصاحب ذلك مستوى عالٍ من الشفافية والإفصاح، وانتقال إلى اقتصاد السوق بكل تفاصيله، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يخدم المصلحة الوطنية.
فالدول الكبرى ساعدها تقييم أصولها المستمر بجذب أموال طائلة لأسواقها.
فبحسب إي سي هاريس البريطانية المختصة بتقييم الأصول، ذكرت بتقرير صادر عام 2013م أن حجم الأصول المتراكمة الحكومية والخاصة لأمريكا نحو 40 تريليون دولار، والصين قرابة 35 تريليونًا، واليابان 18 تريليونًا، بينما لا تتعدى السعودية حاجز 2.1 تريليون دولار، تليها عربيًّا الإمارات عند تريليون واحد، ومصر 760 مليار ريال.
ويظهر الفرق الشاسع مع دول العالم رغم أننا لو قيمنا الأصول باقتصادنا سترتفع لأضعاف الأرقام الحالية مما سيساعد على تطور كبير بجذب المال المستثمر لسوقنا المالي واقتصادنا، وسيكون لذلك أثر كبير بتسارع نشاط الاقتصاد، وتوسيع الطاقة الاستيعابية فيه، وتوليد فرص العمل للمواطنين.
الشرق الأوسط الكبير، وقلبه منطقتنا، على أعتاب مرحلة شديدة بالتنافسية على جذب الاستثمارات والشركات العالمية.
والدول التي تمتلك الإمكانيات والموثوقية بأنظمتها وتشريعاتها وبنيتها التحتية وسهولة الأعمال فيها تملك الفرصة الأكبر لجذب أموال ضخمة وشراكات قوية مع الشركات العابرة للقارات.
ودول الخليج هي الأوفر حظًّا - وعلى رأسها السعودية - بما وصلت له من تطور على مدى العقود الماضية اقتصاديًّا من حيث البنية التحتية والأنظمة والتشريعات والاستقرار السياسي والأمني للفوز بالحصة الأكبر إذا ما تقدمت بخطوات غير مسبوقة لتحقيق هذا الهدف.
والرؤية المستقبلية 2030 هي بوابة واستشراف مستقبلي، لكن يبقى على الأجهزة الحكومية الدور الأكبر بترجمة ذلك إلى واقع ملموس في حال وضعت آليات مرنة، ونفذتها لتحقق أفضل نتائج ممكنة.
نقلا عن الجزيرة
الأفضل لنا وللحكومة أن نزيح موظفي الحكومة عن تنفيذ الخطة ويتم اسنادها إلى بيوت خبرة بإشراف شباب مؤهل وبمزايا شبيهة بالقطاع الخاص. لو استمرينا بكفاءة موظفي القطاع العام علينا تغيير فترة تنفيذ الأهداف المرجوة للقرن الثاني والعشرين...🤔