التستر التجاري والتخطيط للمستقبل

29/03/2016 6
عبد الرحمن بسيوني

بعض القرارات تم عملها في الماضي وللماضي، ولسيت للحاضر ولا للمستقبل. من هذه القرارات السماح لجميع الأراضي والبنايات المطلة على الشوراع التجارية داخل المدن والإحياء بفتح محلات تجارية على واجهتها الرئيسية.

مما أدى ألى التوسع في إفتتاح مشاريع متكررة وخدمات تجارية، لا يحتاجها سكان المدينة ولا تخدم أقتصادنا الوطني، بل إن أكثر ما تخدمه هو أقتصادات الدول الاخرى، لذلك يطلق عليها بإلاقتصاد الخفي أو الظل، أو بما  يعرف لدينا بالتستر التجاري. 

من هذه الخدمات هي البقالات الصغيرة، والصيدليات، وصالونات الحلاقة. فمثلاً يوجد في أحد شوارع مدينة جدة التجارية أكثر من مائتين صالون للحلاقة، وفي شارع أخر ما يقارب ثلاثين صيدلية، أما البقالات الصغيرة فهي منتشرة بشكل أكبر من إن يتم حصرها.

وكذلك الحال مع مغاسل الملابس ومحلات الكهرباء والأدوات الصحية وغيرها الكثير. فهذه الخدمات مهما كثرت فإنها لا تضيف شيئاً إيجابياً لإقتصادنا الوطني، بل على العكس من ذلك فهي تؤثر عليه سلباً، عن طريق الحوالات الخارجية وإستهلاك موارد الدولة وطاقاتها.

فهذه ليست هي الإستثمارات الأجنبية التي نحتاجها ونتطلع ألى  جذبها لتنقل إلينا الخبرة والمعرفة التي يتنافس عليها دول العالم الصناعي اليوم. 

كان من المفترض أن يكون توفير هذه المحلات من الأساس قائماً على التخطيط الجيد للمدن والذي يحتاج ألى التنسيق مع باقي الوزرات، بحيث تخصص أماكن محددة في كل حي تقل بكثير عن ما هي عليه حالياً، أو أحياء تجارية داخل كل مدينة منفصلة عن أحيائها السكنية، أو أن تكون على أطراف المدينةً، وليس بجعل جميع شوارع المدينة الرئيسية والفرعية محلات تجارية!.

فالتوسع في أفتتاح هذه المحلات  بدون تخطيط وعدم وضوح الرؤية ومعرفة إحتياجات المجتمع ساعد في إنتشار هذه المحلات بعشوائية، مما أدى إلى زيادة الطلب على العمالة الأجنبية متدنية الأجور وبالتالي زيادة التستر التجاري.

 فبحسب أحد المصادر، فإن متوسط معدل المساحات التجارية للفرد في مدن العالم تترواح بين 3 إلى 4 متر مربع لكل فرد، أما لدينا في المملكة  فإن معدل المساحات التجارية للفرد في مدينة الرياض فقط يمثل نحو 11.5 متر مربع، وهومعدل يفوق المعدل العالمي بأربعة أضعاف تقريباً.

وكذلك هو الحال في باقي المدن الكبرى. فلماذا إذاً كل هذا التوسع التجاري ألغير مخطط له؟!. 

لذلك فإن هذا التوسع يزيد من أعباء الدولة في توفير فرص وظيفية هي ليست من أهدافها الرئيسية، ولغيرمواطينها، ولاتضيف أي قيمة حقيقية لإقتصادها.

كما أن هذه القرارات تستهلك جزء من موارد الدولة وطاقتها، ويجعلها في المقابل تهدر جزءاً أكبر من وقتها وأموالها لإصلاح النتائج السلبية المترتبة على مثل هذه القرارات. وما صرح به وزير العمل قبل عددت إيام عن فشل وزراة العمل في بعض من قرارتها السابقة يؤكد على ذلك. 

وقد يتساءل البعض ماذا لو تم تخصيص هذه المساحات التجارية التي تعتبر حالياً عبئاً على التنمية والإقتصاد في زيادة عدد الوحدات السكنية، أو حتى في بناء المساحات الخضراء والحدائق وإنشاء الملاعب الرياضية ومواقف السيارات لخدمة المواطنين والزوار والتي تعتبر نسبتها بكل تأكيد ضئيلة جداً مقارنة مع مدن العالم المتقدم، أليس ذلك كان أفضل في تحقيق بعض الأهداف التنموية التي نسعى جميعاً إلى تحقيقها؟!.

مما لا شك فيه إن المشكلات الجديدة دائماً ما تعبر عن مشكلات قديمة، وعملية التنمية لاتقبل القسمة، فهي عملية شاملة بين جميع الوزرات البلدية والعمل والتجارة والإسكان وغيرها، لذلك فهي تكون ناقصة أذا تمت في أحدى هذه الوزرات ولم تتم في الاخرى، والوقت ليس في مصلحتنا لإضاعته.

فلذلك من الضروري إن تعمل جميع الوزرات  تحت رؤية وخطة مستقبلية واحدة وإهداف إستراتجية رئيسية واضحة، وهذا ما أتمنى إن يلتفت له ويتبناه برنامج التحول الوطني والذي يشرف عليه مجلس الشؤؤن الإقتصادية والتنمية. والله ولي التوفيق.