في وقت تجتهد فيه «الهيئة العامة للاستثمار» لجذب الإستثمارات الأجنبية؛ وتوظيفها لتطوير الاقتصاد؛ تنويع مصادره؛ نقل التقنية؛ وتوطين الصناعة؛ تتسرب بعض الاستثمارات السعودية النوعية إلى الخارج؛ فتسهم في تنمية الدول الحاضنة ودعم اقتصاداتها.
جميل أن تتوسع الشركات المحلية في الأسواق العالمية؛ فتكون لها بصمة تنموية مميزة واستثمارات تسهم في خلق تدفقات مالية ناتجة عن عوائد الإستثمار السعودي في الخارج؛ غير أن استكمال احتياجات الداخل يفترض أن يكون من الأولويات.
بثت وكالات الأنباء العالمية خبر «تدشين جنوب افريقيا وشركة «أكوا باور» السعودية محطة طاقة شمسية قيمتها 328 مليون دولار في محافظة كيب الشمالية» لإنتاج ما يقرب من 50 ميجاوات من الكهرباء.
ومثلما حدث في دبي من قبل؛ نجحت الشركة السعودية في عرض تعرفة تقل بنسبة 12 في المائة عن سقف السعر المحدد من قبل الحكومة؛ إضافة إلى ضمان استدامة الطاقة من خلال تطوير تقنية تخزين حرارية قادرة على حفظ الطاقة الكهربائية لفترة تزيد على تسع ساعات يوميا.
قدرة الشركات السعودية على المنافسة العالمية؛ والفوز بعقود ضخمة خارجيا يرفع أكثر من علامة إستفهام حول غيابها عن المشهد المحلي الأكثر حاجة لتقنياتها المتطورة وقدراتها الإنتاجية المتميزة.
تُرى ما الذي يدفع بعض الشركات السعودية للاستثمار الخارجي؟؛ وهل أصبحت البيئة المحلية طاردة للاستثمارات النوعية التي يحتاجها الإقتصاد السعودي؟.
يفترض أن يكون قطاع الطاقة الأكثر جذبا للاستثمارات المحلية لأسباب مرتبطة بالحاجة والطلب المتنامي على الكهرباء؛ إضافة إلى أهمية خلق قطاع صناعي يسهم في تنويع مصادر الاقتصاد مستقبلا.
لا خلاف على أن حجم طاقة الكهرباء المولدة محليا تقل عن الاحتياجات المحلية؛ يثبت ذلك الانقطاعات المتكررة في الصيف؛ وتعطل بعض المشروعات الصناعية والتجارية؛ أو تأخر تشغيلها.
إضافة إلى ذلك؛ فاعتماد محطات الكهرباء على النفط يتسبب في زيادة استهلاكه محليا؛ عوضا عن الآثار البيئية؛ ومشكلات الهدر التي أصبحت ملازمة لإنتاج الكهرباء بالطرق التقليدية.
باتت المملكة أكثر حاجة للتوسع في إنتاج الطاقة النظيفة؛ لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسة، ومنها؛ زيادة حجم الطاقة المولدة محليا؛ خفض استهلاك النفط في إنتاج الكهرباء؛ تحقيق كفاءة استثمار الموارد المتاحة؛ استثمارالطاقة الشمسية المهدرة؛ إيصال خدمات الكهرباء للمناطق البعيدة مرتفعة التكاليف؛ والمحافظة على صحة الإنسان وسلامة البيئة من خلال خفض الانبعاثات الضارة.
يبدو أن غياب المشرع المستقل والتنظيمات التشريعية من أهم معوقات الاستثمار في قطاع الطاقة النظيفة.
تطوير صناعة الطاقة في حاجة ماسة إلى وجود هيئة مستقلة تُعنى بالتشريعات وتنظيم السوق والإشراف عليها؛ والتعامل مع مكوناتها بحيادية واستقلالية تامة؛ محققة للعدالة بين الشركات المتنافسة؛ ومعنية بتنظيم السوق والمساهة في تطوير صناعة الطاقة بأنواعها المختلفة.
أهمية وجود «المنظم» المستقل لا ترتبط بتحقيق المنافسة العادلة فحسب؛ بل تسهم بشكل كبير في تحفيز الإبداع؛ تطوير الصناعة؛ توطين الاستثمار؛ إضافة إلى حفظ حقوق المستهلكين؛ واستفادة المجتمع من ضخ الاستثمارات الضخمة فيه.
نجح «منظم قطاع الطاقة» المستقل في جنوب أفريقيا في وضع شروط داعمة أثمرت عن خلق صناعة ألواح الطاقة الشمسية وصناعات مساندة لتزويد المشروع باحتياجاته الرئيسة؛ وشروط أخرى داعمة للمجتمع؛ ومنها تخصيص 5 في المائة من ملكية مشروع «أكوا باور» للمجتمع المحلي عن طريق بنك «كوميونيتي ترست»، وتقديم مساهمات مباشرة لدعم تعليم وتدريب أفراد المجتمع المحلي؛ إضافة إلى فرض كوتا التوظيف المنحازة للبيئة الحاضنة والمحددة بمساحة جغرافية تضمن استفادة المجتمع المحلي من المشروع.
أتساءل إن كان لدينا مثل هذه المساهمات المجتمعية الملزمة في السعودية؟!. تحتضن الجبيل اليوم أكبر مجمعات الصناعات البتروكيماية؛ وبالرغم من مخاطرها على صحة الإنسان وسلام البيئة؛ إلا أنها لم تلتزم قط لسكان المجتمع المحلي بما ألتزمت به «أكوا باور» السعودية؛ لمجتمع «نورثرن كيب» الحاضن لاستثماراتها الوليدة!.
فقدان الرؤية التنموية؛ وغياب الثقافة المجتمعية والتركيز على الربحية والإنتاج وحقوق القطاع الخاص بمعزل عن حقوق المجتمع والبيئة الحاضنة؛ إضافة إلى غياب المشرع العادل تسبب في فقدان الجبيل أهم المكاسب المرجوة من وجود أضخم التجمعات الصناعية فوق أراضيها.
يفترض أن تستنسخ استثمارات «أكوا باور» في الطاقة الشمسية محليا بدعم الحكومة؛ المسؤولة عن تطوير قطاع الطاقة وتنمية الإستثمارات المحلية؛ وأرجو أن تزال عنه المعوقات البيروقراطية والاحتكارية والتنظيمية؛ وأن يشرع في تفكيك شركة الكهرباء وعزل وحدات الإنتاج عن أنشطة النقل والتوزيع وفصل الصلاحيات الإشرافية لضمان عدالة المنافسة؛ وتحفيز الاستثمار في الطاقة البديلة.
تنويع مصادر الاقتصاد في حاجة إلى استراتيجية حكومية واضحة تعتمد في أساسياتها على التشريعات والقوانين المنظمة؛ وتعزيز التنافسية؛ وفك الاحتكار؛ ووجود «المنظم» المستقل القادر على دعم الصناعة وخلق مظلة آمنة للاستثمارات المحلية والأجنبية في السوق السعودية.
نقلا عن الجزيرة
جميل مقالك يا أستاذ فضل، وبه الكثير. ما رأيك لو وجهنا سؤالك لـ "أكوا باور السعودية" بطريقة صريحة ودون مواربة: لماذا أخرجتِ مليار ريال من استثماراتك "أو نفدتِ بها" إلى جنوب إفريقيا ولم تستثمريها في السعودية؟ أعتقد أن سطراً واحداً من إجابة أكوا باور كان سيُغني عن مقالك الجميل الذي الذي فاض في ستمائة وخمسة وخمسين كلمة، ثم لم يعرف آخره ما كان في اوله. بالتوفيق..
محاربة واضحة لمقالات الكتاب في هذا الموقع لماذا ؟؟؟
شركة ممتازه الله يوفقهم في اي مكان ذهبو اكيد انهم شافو ان الاستثمار هنا غير مجدي، علشان كذا توجهو للخارج وما نقدر نطلب من الشركة انها تغامر .
الاستاذ فضل من افضل الكتاب وقامة اقتصادية سامقة نرجو من ارقام نشر مقالاته دائما وتعليقا على المقال اقول: الطيور التي تعشق الحرية تموت خارج الاوطان
الكل يفكر في نفسه او اي مشروع خاص يكسب منه وعرضه من الخارج ومن الداخل لا
الفساد و المحسوبيات كانت بيئة طاردة ل أكوا باور و غيرها.... لكني متفائل بأن ذلك سيتغير مع برنامج التحول و حكومة الحزم.