أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي عن توصلها إلى (توافق) مع وزارتي المالية والإسكان لإطلاق برنامج «الرهن الميسر» للتمويل العقاري السكني، لمساعدة «فئة من المواطنين» على تملك منازلهم.
يسهم البرنامج في خفض الدفعة المقدمة من قيمة العقار إلى 15 في المائة بدلاً من 30 في المائة وهي النسبة التي أصرت عليها «ساما» لخفض مخاطر القطاع المصرفي حماية لأموال المودعين.
وبالرغم من خفض نسبة الدفعة المقدمة؛ إلا أن هامش ضمان المصارف بقي عند حده السابق المتمثل بثلاثين في المائة من القيمة الكلية للعقار؛ بعد أن قبلت «المالية» ضمان نصف الدفعة المقدمة مقابل أن تلتزم البنوك بتمويل ما نسبته 85 في المائة من القيمة الكلية للعقار.
يبدو أن «ساما» تواجه بضغوط متواصلة من أجل تسهيل عمليات التمويل العقاري؛ بمعزل عن المخاطر المتوقعة.
أصبحت «ساما» في نظر البعض مسؤولة عن عرقلة برامج المعالجة لعدم تفهم الاحتياجات الوطنية؛ وتحفظها في التعامل مع المنتجات التمويلية التي يمكن أن توفر الحلول المثلى لأزمة الإسكان!.
هناك بعض أدوات الضغط الموجهة ضد «ساما» بهدف تمرير بعض المنتجات التمويلية الخطرة؛ وهو أمر يجب على وزارة الإسكان النأي بنفسها عنه.
لست في حاجة للتذكير بالأزمة المالية العالمية الناتجة عن «الرهون العقارية» العام 2008 للتأكيد على مخاطر المنتجات التمويلية المسمومة؛ وتوفير القروض لشراء عقارات متضخمة قبيل انفجار فقاعتها. فالفطن من اتعظ بسواه؛ واستفاد من تجارب الآخرين قبل أن يقع فيها.
تتصف البنوك المركزية في جميع الدول الغربية بالاستقلالية التامة؛ وقدرتها على فرض سياساتها بمعزل عن الإملاءات الخارجية. فضمان استقرار النظام المالي وحمايته من التعثر مقدم على معالجة المشكلات التي نتجت عن ضعف مخرجات الوزارات الأخرى.
عمل الحكومة الجماعي أمر غاية في الأهمية؛ لذا يجب أن تكون حلول المعالجة شمولية تكاملية تبدأ من الوزارة المعنية بالخلل وتستكمل بجهود الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى شريطة ألا تتسبب الحلول المقترحة بأضرار أكثر فداحة من المشكلة نفسها.
قبل أن يُوجه اللوم بعدم تعاون «ساما» والوزارات الأخرى مع «الإسكان» حري بنا أن نسأل عن مصير 250 مليار ريال خصصت منذ أكثر من خمس سنوات لإنجاز 500 الف وحدة سكنية!.
عدم قدرة الوزارة على إنجاز أهدافها المرسومة مع توفر الأموال اللازمة والأراضي ؛ يعني أنها المسؤولة عن التقصير في معالجة أزمة الإسكان.
أحسب أن تحفظ «ساما» في برامج التمويل العقاري على علاقة مباشرة بحجم مخاطر السوق العقارية التي بدأت بالتصدع من كل جانب. وهو أمر لا يخفى على العقاريين أنفسهم الذين أصبح بعضهم غير قادر على الوفاء بالتزاماته المالية بعد أن عجز عن تسويق منتجاته في السوق.
تعثر بعض كبار العقاريين كفيل بإسقاط حجر الدومينو وبالتالي تأثر القطاع المالي وقطاعات إقتصادية أخرى. سحابة أزمة العقار السوداء التي أغرقت السوق في الثمانينات الميلادية بدأت في التشكل من جديد؛ ما يستوجب أخذ الحيطة والحذر من قبل «ساما» والقطاع المصرفي المؤتمنين على ودائع المودعين وأموال الدولة والنظام المالي.
هناك تحفظات على إصرار «الإسكان» لتحفيز الشراء من خلال تيسير عمليات الإقراض العقاري؛ والتدخل لتعديل تشريعات نظامية ذات علاقة بجهات حكومية أخرى. قد يكون التمويل من أدوات المعالجة؛ إلا أن التركيز عليه وكأنه مفتاح الحل الرئيس لم يعد مقبولاً، مع تضخم أسعار العقار وحؤولها دون قدرة المواطن على الشراء.
ستكتشف الإسكان قريبا أن برنامج «الرهن الميسر» لم يساعد في حلحلة الأزمة ؛ ولم يساعد في إنعاش سوق العقار الراكدة.
الحل ليس في توفير التمويل بل في معالجة تضخم أسعار العقار من خلال الأنظمة والتشريعات ومن خلال زيادة عرض الوحدات السكنية. المواطن البسيط ينتظر من الوزارة تقديم حلول ناجعة قادرة على خفض قيمة العقار لتتناسب مع الدخل؛ بدلا من توفير قنوات تمويلية تسهم في إغراق المجتمع بالديون الضخمة.
أختم بموافقة مجلس الشورى المشروطة على الإستراتيجية الوطنية للإسكان؛ والتي طالب من خلالها وزارة الإسكان بـ»إعادة تقويم التحليلات المالية للاستراتيجية والأعباء المالية على المواطنين ودور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في توفير المساكن»؛ وأؤكد على أن تحميل المواطنين ديوناً عقارية في سوق متضخمة وبنسبة استقطاع تصل إلى 65% من دخل الموظف يتعارض بالكلية مع هذا الشرط الصريح ما يستوجب إعادة النظر في إستراتيجية الإسكان لتحقيق الأهداف الوطنية الإستراتيجية دون الإضرار بالمواطنين.
نقلا عن الجزيرة