العمالة الأجنبية.. نريدها ولا نريدها

07/02/2016 2
د. عبدالله بن ربيعان

في مطلع كل سنة ميلادية، تتسابق الصحف السعودية لنشر أرقام حوالات العمالة الأجنبية للخارج على صفحاتها الأولى مصحوبة بالأشكال والرسوم البيانية المتزايدة تباعاً، ويبدأ المحللون الاقتصاديون وغيرهم يحذرون من تضخم وكبر حجم الحوالات مقارنة بالعام السابق، وتبدأ مواقع التواصل الاجتماعي تناقش وتتبرم لأيام قليلة، ثم يدخل الجميع بعدها في سبات طويل حتى كانون الثاني (يناير) المقبل من السنة الجديدة لتعاد «السالفة» من جديد.

هذا السيناريو شبه المعتاد يتكرر منذ 2001 حينما كانت حوالات العمالة الأجنبية لا تجاوز 21 بليون ريال، وأعيد الشهر الماضي للسنة الـ15 على التوالي وحوالات الأجانب تسجل 157 بليون ريال، الموال نفسه وبلا جديد يذكر.

في السعودية، لا يجلس أربعة أو خمسة أشخاص مع بعضهم إلا ويتبرمون من زيادة العمالة الأجنبية، ومن حوالاتها، ومن سلوكها، ومن الزحام الذي تسببه في الشوارع، ومن التستر التجاري الذي تمارسه، ومن كبر حجم الغش المرتبط بها.

ولو أنك قلت لأحد هؤلاء أنك تتبرع له بإنهاء جميع إجراءات ترحيل العمالة الأجنبية الذين يكفلهم، وتتبرع له كذلك بقيمة إركابهم وتذاكر سفرهم لتخلصه من شكواه، لرد عليك بسرعة، ومن سيوصل الأولاد للمدارس، ومن سيبني المنزل، ومن سيباشر أعمال المزرعة، ومن سيحرس وينظف الاستراحة.

بل إنك تجد تناقضاً حين تسمع ما يقوله بعضهم وتعرف الجهود والأموال و«الواسطات» التي بذلها لاستقدام مزيد من العمالة.  

عودة إلى حوالات العمالة، فالسؤال الملح حالياً هو كيف ترتفع حوالاتها، ووزير العمل يقول في مجلس الشورى قبل أسبوعين إن برنامج نطاقات وظف مليون سعودي منذ انطلاقته قبل أربع سنوات؟ ولو عدنا لحوالات العمالة الأجنبية منذ إطلاق «نطاقات» في 2012 لوجدنا أنها زادت من 125 بليون إلى 148 بليون إلى 153 بليون ثم إلى 157 بليون خلال الأعوام من 2012 إلى 2015. ولأن الأعوام المذكورة لم تشهد زيادات تذكر في معدل رواتب الأجانب، فليت وزارة العمل تشرح لنا كيف وظفت مليون سعودي وفي الوقت نفسه زادت حوالات العمالة الأجنبية مع زيادة توظيف السعوديين.

عودة أيضاً إلى حوالات الأجانب، هل المشكلة هي كبر حجم حوالاتهم؟ ماذا لو افترضنا أن قيمة ما أنتجه الأجانب من سلع وخدمات في الناتج المحلي للعام الماضي تساوي 500 بليون ريال (الناتج السعودي يبلغ 2.8 تريليون ريال)، فهل سيغير الشخص رأيه ويقول إن حوالات بمبلغ 157 بليون ريال شيء بسيط في مقابل 500 بليون ينتجها الأجانب.

والمثال افتراضي فلا يوجد أرقام فعليه عن قيمة ما ينتجه الأجانب كنسبة من حجم الناتج الإجمالي، ولكن الهدف منه العصف الذهني لتحديد المشكلة. فهل المشكلة هي كبر عدد العمالة الأجنبية؟

أم أن العدد ليس المشكلة، ولن يتنازل أحد عن العمالة الذين يكفلهم ودفع الآلاف لاستقدامهم، وبالتالي فالمشكلة هي كبر وتنامي حجم الحوالات للخارج.

أم أن كلاً من العدد وحجم الحوالات مقبولان في مقابل حاجات الناس لخدمات هؤلاء العمالة وفي مقابل ما يسهمون به من نمو في الناتج، والمشكلة الفعلية هي التستر والغش التجاريين! أم أن المشكلة هي أن السعوديين لا يجدون فرصاً للعمل بوجود العمالة الأجنبية؟

وبالتالي لو رحلناهم سيتوظف السعوديون، مع أن السؤال البدهي هنا وبشكل عام هو هل فعلاً يشغل الأجانب حالياً وظائف يمكن سعودتها؟ وكم عددها ونسبتها ونوعيتها؟

اقتصادياً تقوم دالة الإنتاج المعروفة بدالة  «كوب - دوغلاس»، على مزيج من العمل ورأس المال، وإن كانت السعودية تستطيع أن تستورد الآلات والأجهزة، فلا بد لها أيضاً من أن تستقدم العمالة الأجنبية التي تكمل شطر هذه الدالة، وهذا بدهي.

ما ليس بدهياً هو أن «مشكلة» وجود هذه العمالة غير معرفة بشكل جيد، وما لم تعرف وتحدد المشكلة بشكل جيد فلن تحل بشكل جيد أيضاً، فلا أحد يستطيع حل مشكلة لا يعرفها.

والخلاصة، إن مشكلة سوق العمل في السعودية ومن ضمنها العمالة الأجنبية هي مشكلة هيكلية عويصة وطويلة المدى، ولها أبعاد أمنية وثقافية وتعليمية واقتصادية واجتماعية.

وبالتالي لحل مشكلة من هذا النوع لا بد من تحديدها بدقة أولاً، فهل المشكلة في أعداد العمالة الأجنبية؟ أم في حجم الحوالات؟

أم في التستر والغش؟ أم في التوطين والسعودة؟ وما لم تحدد المشكلة فلن يكفي علاج الأعراض الناشئة عنها، بدليل أننا نشتكي من تزايد أعداد العمالة الأجنبية منذ 15 عاماً، ونشتكي من كبر حجم الحوالات المدة نفسها، ونشتكي من التستر والغش ومزاحمة الأجانب للسعودي.

ولكن الأرقام تقول إن العدد يزيد ولا ينقص، والحوالات تتزايد عاماً بعد آخر، والتستر والغش لم تتغير أرقامهما كثيراً، وتوظيف السعوديين تحول بعضه إلى «سعودة وهمية»، والسبب أن كل الأنظمة والقوانين لم تطق رأس المشكلة الأساسية لتختفي معها أعراضها، وما لم يحدد أصل المشكلة وتحل جذرياً فسيستمر الجدل «الديالكتيكي» حول العمالة الأجنبية بين نريدهم ولا نريدهم، من دون أن يتغير شيء على أرض الواقع.

نقلا عن الحياة