كتبت في الأسابيع الماضية أكثر من مقال عن موضوع التغيرات الواجب القيام بها في مرحلة انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل.
وأشدت بالتعديل الوزاري الذي جاء منسجماً مع متطلبات هذه المرحلة، وطالبت بأن يكون الأساس في تقديم الخدمات الحكومية هو مقارنة العائد المنتظر منها بالتكلفة.
والحقيقة أن مرحلة المراجعة يجب أن تمتد إلى كل الهيئات والمؤسسات وخاصة تلك التي لم تتمكن من تطوير نفسها على النحو المرجو.
وسأضرب اليوم مثلاً ببورصة قطر التي تُصنف على أنها ثاني أكبر البورصات العربية من حيث الرسملة الكلية، ومع ذلك تعاني منذ سنوات من جمود في النمو الأفقي سواء في ذلك من حيث عدد الشركات المدرجة أو في أحجام التداولات اليومية.
وقد سبق أن تناولت هذا الموضوع في مقالات ودراسات سابقة، وأعيد اليوم تسليط الضوء عليه بالنظر لما للبورصة من أهمية في تنشيط الوضع الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل في قطر.
وقد سبق أن قارنت في دراسة سابقة قبل عدة سنوات بين معطيات بورصة قطر ومثيلاتها في بعض دول مجلس التعاون، ووجدت يومها أن عدد الشركات المدرجة في بورصة قطر هو 42 شركة مقارنة بـ 112 شركة في السوق السعودي.
وفي حين ارتفع العدد في قطر إلى 43 شركة بعد إدراج أسهم شركة مسيعيد، فإن عدد الشركات في السوق السعودي قد ارتفع في نفس الفترة بنحو 54 شركة إلى 168 شركة.
ومن حيث أحجام التداول اليومية نجد أن البون شاسع بين حجم التداول اليومي في السوق السعودي الذي يصل إلى نحو 6 مليار ريال وبين حجم التداول في بورصة قطر الذي يقل عن 300 مليون ريال، أي أن النسبة 20:1.
ومع ذلك قرأت مؤخراً أن إدارة السوق السعودي تدرس النظر في تقليص ساعات التداول، ربما من أجل رفع أحجام التداولات الى ما كانت عليه في السابق عندما كانت تصل إلى 10 مليار ريال يومياً.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل قامت بورصة قطر بدراسة خفض عدد ساعات التداول، لعل ذلك يكون مدخلاً لتحسين الأداء، طالما ليس بالإمكان زيادة عدد الشركات في الوقت الراهن؟
المعروف أن وقت التداول الحالي يصل إلى ثلاث ساعات ونصف الساعة إضافة إلى ربع الساعة الأخير قبل الإغلاق، ونصف ساعة لوضع الأوامر قبل الإفتتاح. أي أن النشاط يتم ما بين الساعة التاسعة صباحاً والواحدة والربع ظهراً في كل جلسات الأسبوع الخمسة.
وهذا الوقت طويل نسبة إلى عدد الصفقات التي يتم تنفيذها يومياً. وقد كان التداول يتم حتى عام 2009 ما بين التاسعة إلى الحادية عشرة والنصف فقط.
ومن شأن ضغط ساعات التداول إلى ما قبل صلاة الظهر أن يتم جذب أعداداً أكبر من المستثمرين، الذين تتطلب متابعتهم لحركة البورصة قضاء يوم عمل كامل دون أن تتاح لهم في أغلب الجلسات فرص استثمار حقيقية. ويذكرني ذلك بمباريات كرة القدم التي تتم على شوطين بما مجموعه 90 دقيقة.
فلو تمت زيادة الوقت إلى 120 دقيقة-كما يحدث في نهائي الكؤوس عندما ينتهي الوقت الأصلي بالتعادل، فإن اللاعبين يعملون على عدم إهدار طاقاتهم في الوقت الأصلي، ويتناقلون الكرة بينهم دون جدية وبدون إثارة. وفي مثل هذه الظروف قد يغادر جانب من الجمهور للمدرجات ويكتفون بمعرفة النتيجة من الراديو أو التلفزيون.
هذا ما حدث في بورصة قطر حيث هجر عدد كبير من المستثمرين المحليين وخاصة القطريين للبورصة، وراحوا يبحثون عن فرص استثمارية أفضل، بدلاً من الإنتظار ثلاث ساعات ونصف تتوزع فيها عروض الصفقات، فتتم الصفقة الواحدة كل ثلاث ثواني، كما في متوسط تداولات عام 2015.
لقد تم في السابق في عام 2004 تجربة إطالة زمن التداولات بمقدار نصف ساعة ما بين التاسعة إلى الثانية عشرة، وكانت النتيجة سلبية على أحجام التداولات حيث انخفضت بشكل كبير، ويومها قررت لجنة السوق وقف التجربة بعد أن ثبت فشلها... ثم أعادت البورصة تمديد الوقت وأطالته حتى الواحدة والربع منذ العام 2009،، ولم نسمع أن الجهات المعنية قامت بدراسة تأثير التمديد على أحجام التداولات... وقد يُقال إن التمديد قد تم لدواعي إتاحة الفرص للمستثمرين الأجانب في أوربا وأمريكا للتداول في السوق، وأعتقد أن هذه الحجة غير مقنعة وخاصة إذا ما عرفنا أن تداولات الأجانب ظلت ضعيفة رغم زيادة الوقت، ورغم زيادة حصتهم في الشركات المساهمة لأغلب الشركات إلى 49% بدلاً من 25%.