لم يتناول الكتاب والمحللون العلاقة بين أسعار النفط المنهارة في ضوء عوامل الضغط السياسية وبين السباق بين الحزبين الديمقراطي والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية للفوز في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر 2016.
فمعظم الكتابات المتخصصة دأبت على ذكر تخمة المعروض من النفط الخام وتصاعد إنتاج الولايات المتحدة من الزيت الصخري وتراجع الطلب بسبب ضعف أداء الاقتصاد الصيني وكمية المخزون الإستراتيجي الأمريكي زيادة أو نقصانا أسبابا لانهيار أسعار النفط منذ منتصف 2014. غير أن الحزب الديمقراطي عازم على الاحتفاظ بالرئاسة بأحد من المُرشِحَيْن “هيلاري كلينتون” وزيرة الخارجية السابقة أو منافسها “بيرني ساندرز” عضو مجلس الشيوخ. يقابلهما تسعة من المرشحين من الحزب الجمهوري يتصدرهما ملياردير العقار “دونالد ترامب“ والسيناتور ”تيد كروز”.
معروف أن الوضع الاقتصادي الداخلي كان العامل الأكثر تأثيرا في توجهات الناخب الأمريكي. لذا فقد عملت إدارة الرئيس “باراك أوباما” على إحداث تغيير كبير في إنفاق المستهلك الأمريكي من خلال خفض أسعار الطاقة. فخلال عام 2013 وحتى قبل منتصف 2014 كان المواطن الأمريكي يدفع نحو 4 دولارات لجالون وقود سيارته (البنزين العادي)، الجالون الأمريكي يعادل 3,8 لتر.
فصار يدفع فقط 1,3 دولار للجالون في نهاية يناير 2016. ومن النتائج الأخرى لتراجع أسعار النفط أنْ ارتفع مؤشر الطلب على السيارات وتصاعدت حركة النقل البري وتراجعت أسعار تذاكر النقل الجوي ونشطت السياحة الداخلية. تلك التسهيلات لابد أن تسجل لإدارة الرئيس أوباما الذي تطرق في آخر خطاب له عن “حالة الاتحاد” في 11/1/2016 مؤكدا “أن الحديث عن تراجع الاقتصاد الأمريكي “خيالي”، داعيا إلى “تسريع وتيرة انتقال الولايات المتحدة إلى مصادر الطاقة النظيفة”. تلك هي لعبة الحزب الديمقراطي لكسب أصوات الناخب الأمريكي.
بدأت لعبة خفض أسعار النفط بتكثيف الجهود لزيادة إنتاج النفط الخام الأمريكي من الزيت الصخري. وبالأرقام تكون الولايات المتحدة قد رفعت إنتاجها بحوالي 4 ملايين برميل يوميا من النفط العالي الجودة والذي يمتاز بالخفة ومنخفض الكبريت منذ بداية 2014. ثم استكمل مجلسا النواب الشيوخ الأمريكيان بأغلبية ساحقة بإقرار مشروع قانون للإنفاق على إنتاج الزيت الصخري ورفع الحظر المفروض منذ 40 عاما على صادرات النفط الخام 18 ديسمبر 2015، وتضمن القانون بناء على رغبة الديمقراطيين (إدارة أوباما)، إجراءات للطاقات المتجددة، فيما نجح الجمهوريون في نهاية المطاف في إلغاء الحظر على تصدير النفط الأمريكي المعمول به منذ العام 1975.
وتشير الدلائل إلى أن إدارة اوباما ستعمل على إبقاء اسعار النفط متدنية حتى نهاية 2016 حين يكون منصب الرئيس الـ45 قد حسم في نوفمبر 2016. وجاء توقيت العمل على خفض أسعار النفط مواتيا لتوجهات الإدارة الأمريكية (الديمقراطية) من خلال إبقاء الأسواق مغرقة بمعروض من النفط الخام المدور الذي يتجاوز الطلب بأكثر من مليوني برميل يوميا منذ بداية 2014.
وكان لدول منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) دور في تصاعد تخمة المعروض. إذ كانت السعودية تؤكد دائما: إنها على استعداد لزيادة إنتاجها من النفط تلبية لأي طلب“، الأمر الذي نتج عنه تسارع نزول سعر البرميل رغم الحرب ضد “داعش” في سورية والعراق… ثم نشوب الحرب في اليمن وأعمال العنف في عدد من الدول العربية.
غير متناسين طاقات العراق الإنتاجية المتعاظمة التي أسهمت بمد الأسواق بالنفط الخام وبأسعار تنافسية.
• فما الذي يؤكد صحة (نظرية أن انهيار أسعار النفط ليست سببها قوانين السوق في العرض والطلب، وإنما تدبير سياسي مغرض من إدارة أوباما الحزب الديمقراطي) فالهدف منه تخفيف الضغوط التضخمية في أسعار الطاقة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخفض تكاليف الطاقة على المواطن الأمريكي قبيل الانتخابات الرئاسية. فضلا عن ممارسة المزيد من الضغوط على روسيا في موقفها من الحرب في أوكرانيا. وكذلك على إيران لدفعها لمزيد من التنازلات في برنامجها النووي؟.
• فإن استحضرنا المسببات التي كانت تذكر وتؤثر في ارتفاع أو هبوط أسعار النفط، لتأكد أن إنهيار الأسعار التي تجاوزت نسبة 60 % عما كانت عليه قبل منتصف 2014 فإنها كلها غير مسوغة.
• فتخمة المعروض: كانت موجودة في اسوق النفط، منذ عام 2005 إذ كانت الاسواق تتسلم شحنات من النفط تفوق الطلب وكان تأثيرها ضئيل على الأسعار التي بقيت فوق 100 دولار للبرميل.
• الطلب: كان ولا يزال وسيبقى النفط السلعة الحيوية للأنشطة الاقتصادية والحياتية والتقنية في العالم إذ يستهلك العالم ما يتجاوز 90 مليون برميل يوميا، فالطلب على النفط يتنامى ولم يتوقف. وخلال السنوات الخمس (2011 – 2015) تعافى الاقتصاد العالمي. وكان الطلب الآسيوي المتصاعد على الطاقة السبب المباشر في تجاوز الأسعار عتبة 100 دولار للبرميل.
فتراجع النمو الاقتصادي الصيني من 9% إلى 6% لا يمكن أن يكون المتسبب في انهيار أسعار النفط. كما أن الاقتصادين الأمريكي والأوروبي تجاوزا الركود الذي سببته الأزمة المالية 2008. هما من بين أكثر الاقتصادات طلبا للنفط بسبب ضخامة أنشطتهما المعتمدة على طاقة النفط.
– منذ 2001 تصاعدت التوترات العالمية بالاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق إثر جريمة القاعدة بالهجوم على برجي التجارة في نيويورك. ليتبعها نشوب أعمال العنف مع تفجر ثورات ما سمي بـ“الربيع العربي” منذ 2011… ثم تبعها ظهور القاعدة و”داعش“ في سورية والعراق والتدخل الأمريكي والأوروبي والروسي في الحرب ضد الإرهاب.
فكل ذلك العدد من التوترات والحروب وأعمال العنف في المنطقة العربية كان يجب أن تبقي أسعار النفط مرتفعة. فواحدة من تلك الأحداث كانت تسبب قفزة في أسعار النفط؟!!
– الخزين الاستراتيجي الأمريكي من النفط ومشتقاته: يصدر “معهد البترول الأمريكي (American Petroleum Institute) بيانا يوم الأربعاء من كل أسبوع عن مستوى الحزين الاستراتيجي من النفط، فكلما تحدث المعهد عن ارتفاع الخزين انخفضت أسعار النفط وكلما انخفض الخزين ارتفعت أسعار النفط.
ولا يمكن التحقق من دقة وصدق تلك البيانات. وقد يمكن أن تستخدم هذا البيات للتأثير على مستوى الأسعار أسبوعيا إذ تتناسب كمية الخزين مع الأسعار عكسيا. فبزيادتها تنخفض الأسعار وبانخفاضها ترتفع الأسعار.
ووفق نظرية العامل السياسي الذي تسبب بانهيار الأسعار… فمتى يمكن أن تشهد أسواق النفط التوازن وتستأنف الأسعار الصعود إلى المستوى الذي يرضي المنتجين والمستهلكين؟
بعد أن تراجع سعر برميل النفط دون 30 دولارا نهاية يناير 2012 توالت تصريحات المسؤولين في شركات النفط الأمريكية عن حجم الخسائر التي تتكبدها مما أدى إلى خفض منصات حفر الزيت الصخري الأمريكي.
ففي 22 يناير 2016 أظهرت بيانات أن شركات الطاقة الأمريكية خفضت عدد منصات النفط العاملة للأسبوع التاسع في الأسابيع العشرة الماضية ومن المتوقع أن توقف المزيد عن العمل في الأسابيع المقبلة بسبب هبوط أسعار الخام لأدنى مستوياتها منذ 2003.
وقالت شركة بيكر هيوز للخدمات النفط أن العدد الإجمالي للمنصات انخفض إلى 510 وهو الأقل منذ أبريل 2010.
وكان عدد المنصات في الأسبوع المماثل من العام الماضي 1317 منصة عاملة. وقالت بيكر هيوز إن الشركات أوقفت 963 منصة إجمالا عن العمل في 2015 وهو أكبر خفض سنوي في ظل اضطراب أسعار النفط وضبابية الأسواق العالمية، دخلت شركات النفط كماشة الخسائر من جديد بعد فترة من الانتعاش، مما اضطرها لإعادة النظر في فاتورة الإنفاق على التنقيب والإنتاج.
ويواجه معظم منتجي النفط والغاز في الولايات المتحدة الأمريكية خطر الإفلاس أو إعادة الهيكلة بحلول منتصف عام 2017، إنْ بقيت الأسعار متدنية بحسب شركة Wolfe للأبحاث، وذلك في حال واصلت أسعار النفط تراجعها.
بين التنقيب والاستخراج والتكرير والنقل والتسويق هناك المئات من الشركات العاملة في صناعة وتجارة النفط. وإن أكبرها أمريكية وأوروبية. فحسب معهد البترول الأمريكي، فإن شركات صناعة النفط والغاز الأمريكية ترفد خزينة الحكومة الأمريكية بـ85 مليون دولار يوميا في إطار نظام ضريبة دخل الشركات.
وأن ما تحصل عليه الخزينة الأمريكية سنويا من تلك الشركات يتجاوز 30 مليار دولار سنويا.
ويقدر المعهد المبلغ الذي سترفده الشركات للخزية بـ800 مليار دولار بحلول عام 2030. إن لم تتعرض الشركات للخسائر نتيجة لانهيار أسعار النفط. لذا فإن تواصلت خسائر الشركات فإن خزائن حكومات الدول ستتأثر سلبا مما ينعكس على تمويل موازناتها السنوية.
عندئذٍ ستعمل الشركات والحكومات على تصحيح الأسعار بما يضمن للطرفين التمويل المعتاد في ظل أسعار معتدلة للنفط. وقد يشهد النصف الثاني من عام 2016 استئناف صعود الأسعار.. وحتى نهاية 2016 ستكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد حسمت لإدارة ديمقراطية جديدة في البيت البيض بواشنطن.
نقلا عن جريدة عُمان
اسم الشركة Wolf وليس Wolfe
شكرا ارقام على هذا المقال شكرا الدكتور محمد حمزه وجريدة عمان افضل مقال قرأته عن ما يحدث في سوق النفط خلال عقد او عقود من الزمان