يلقى موضوع جذب «الاستثمارات الأجنبية» اهتماما كبيرا من قِبل حكومات جميع دول العالم، المتقدمة أو النامية. حتى أصبح التنافس على استقطاب الاستثمارات الأجنبية يمثل جانباً مهماً من السياسات الاقتصادية للدول لما لها من فوائد مهمة على اقتصادات الدولة المضيفة بما فيها استدامة التنمية ونقل التكنولوجيا المتقدمة وتوفير فرص عمل وزيادة الصادرات. وتساهم الاستثمارات الأجنبية، من خلال زيادة تدفقات النقد الأجنبي للدول المضيفة.
ومن خلال الإمكانات التي ستوفرها «الاستثمارات الأجنبية» لدخول أسواق التصدير، في دعم ميزان المدفوعات، والتقليل من احتمالات حدوث أزمات مالية وعجز في تسديد الديون الخارجية، وزيادة الدخل القومي، كون الاستثمارات الأجنبية مصدر مهم للضرائب التي تحصل عليها الدولة من المؤسسات الاستثمارية. كما تمكنها من استغلال مواردها الطبيعية، كما تسهم في تنمية بنيتها الأساسية كالمشروعات الواعدة التي من شأنها تُحدث تنويع مصادر الدخل. بما في ذلك مشاريع الطاقة والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية والسياحة وغيرها من مشروعات البنية الأساسية. وكذلك تدريب الأيدي العاملة الوطنية، وتنمية وتطوير مختلف الصناعات من خلال ما تقدمه من أصول متنوعة منها رأس المال والتكنولوجيا والقدرات والمهارات الإدارية، والوصول إلى الأسواق الأجنبية.
لذلك فإن جذب الاستثمارات الأجنبية أخذ طابع المنافسة. فالدول الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية تلك التي تكون حكوماتها وشركاتها ورجال الأعمال قد استكملوا متطلبات البيئة الاستثمارية التي تتوفر فيها مقومات البنية الأساسية والتشريعات الضامنة لحقوق المستثمر الأجنبي بما يسهم في إقناع المستثمر بجدوى الاستثمار المشترك.
الدول العربية المصدرة للنفط صارت تتنافس في جذب الاستثمارات الأجنبية، إذ شرعت في تنفيذ خطط لتنويع مصادر دخولها إثر أزمة انهيار أسعار النفط المتواصلة منذ منتصف عام 2014. لذلك فإن الاستثمارات الأجنبية صارت تفاضل بين الدول أيها اضمن ربحا وأيسر تعاملا.
يحتاج المستثمر الأجنبي إلى معلومات تفصيلية أولية عن المشروع أو المشاريع التي قَدِمَ للاستثمار فيها. موثقة بدراسات أولية وواضحة وموجزة تشمل طبيعة المشروع إن كان خدميا أو تجاريا أو إنتاجيا. ومدى توفر مدخلات الإنتاج من قوى عاملة ومواد أولية ومصادر الطاقة مع يسر خدمات الإدارية.
ويعتبر السوق من أهم العوامل التمهيدية لجذب الاستثمارات إذ يتطلع المستثمر إلى السوق المحلية ومدى قوة الطلب المحلي والخارجي على منتجات المشروع أو خدماته. فأهمية التسويق لا تقل لدى المنشآت الصناعية عن أهمية الإنتاج، حيث لا توجد أي قيمة للإنتاج أو الخدمات بدون عملية تسويقه فعالة. وقد تتجاوز تكلفة تسويق المنتج في الكثير من الأحيان الـ 50% من سعر بيع المنتج أي ما يُعادل تكلفة إنتاجه تقريباً، مما جعله يحظى بنفس الأهمية التي يحظى بها الإنتاج. كما يعتبر تعدد منافذ التسويق وسعتها أحد العوامل الجاذبة للاستثمارات.
ولا بد من الصدق في التعامل مع المستثمر الأجنبي. إذ قد يكون من الأفضل إحاطة المستثمر بما يمكن أن يعترض المشروع / المشاريع بعض المخاطر المحتملة وكيفية العمل على تذليلها.
ومن العوامل المهمة التي تجتذب الاستثمارات الأجنبية توفير بيئة مالية مستقرة، ونسب تضخم منخفضة وسياسة مالية قادرة على تفادي حالة العجز المالي المزمن.
وتتطلع الاستثمارات الأجنبية إلى تحرير الاقتصاد وإعادة هيكلته بما يتجاوز العوائق التي تكبل حركة رأس المال واتخاذ الخطوات الكفيلة بتحرير السوق بما في ذلك سوق العمل. إلى جانب أولويات أخرى مهمة مثل الشفافية في كافة العمليات الاقتصادية والمعاملات البنكية ومعاملات الترخيص ويسر التعامل مع المؤسسات الحكومية. أي تجاوز الروتين الإداري المعطل لمتطلبات الجهات الحكومية.
استقطاب الاستثمارات الأجنبية لدول الخليج العربية يعتبر أحد أهم وسائل تنويع الموارد الاقتصادية والركيزة الرئيسية لسعي الاقتصادات الخليجية إلى تقليص اعتمادها على العائدات النفطية كمورد أساسي لتمويل نموها الاقتصادي. وأعطت حكومات دول الخليج العربية اهتماما كبيرا في جذب الاستثمارات الأجنبية. فاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وسوف يظل يلعب دوراً رئيسياً في خطط تنويع مصادر الدخل.
وفي الوقت الذي يقوم فيه الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل بديهي بتنويع مصادر تمويل تنمية الاقتصادات الخليجية، إلا أن منافعه أكثر بكثير من كونها مجرد منافع ذات طبيعة مالية. ولا تقتصر دوافع دول المنطقة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية حصراً على دخولها مصدراً أكبر لرؤوس الأموال، رغم أن ذلك يشكل ميزة بالتأكيد. إذ إن الاستثمارات الأجنبية تعزز الطاقات الانتاجية للاقتصادات التي تستقطبها ولا تضيف إليها رؤوس الأموال فحسب، بل تعززها بالتكنولوجيا والمهارات الانتاجية والأنظمة الإدارية المتطورة أيضاً. كما أن إضافة مستثمرين رفيعي المستوى إلى هيكل المستثمرين كفيل بإحداث فرق ملموس في الشركات التي يستثمرون فيها أو يدخلونها كشركاء، حيث يجلبون معهم معايير دولية للحوكمة المؤسسية والخبرة والتكنولوجيا. وتوفر الاستثمارات الأجنبية فرصة تتيح للشركات الخليجية تطوير قدراتها المحلية عبر تلك المعايير وجعلها أكثر تنافسية على الساحة العالمية. وفي الواقع، أكد أحدث إصدارات مؤشر التنافسية العالمية على الابتكار والمهارات بصفتهما المحفزين الرئيسيين للنمو الاقتصادي.
وتعترف الكثير من شركات الاستثمار الحكومية في دول المنطقة بهذه الحقائق وتركز على نموذج عمل يعتمد على الشراكات الدولية لتعزيز جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ويهيمن هذا النموذج بصفة خاصة في القطاعات ذات الاستخدام الكثيف لرؤوس الأموال والتكنولوجيا، أمثال الصناعات الجوية والفضائية والطاقة والصناعة. ويؤدي اعتماد كبرى الشركات الخاصة على استغلال أفضل قدراتها، إلى نقل المعرفة والتكنولوجيا الحيوية لتعزيز تنافسية شركات المنطقة.
ويقوم المستثمرون بالاستثمار في الفرص التي توفر لهم أفضل العوائد المالية بعد استقطاع نسب المخاطر والعديد من المتطلبات الرئيسية للاستثمارات الأجنبية المرتبطة مباشرة بتفهُّم مخاطر الأسواق. وتشتمل تلك المتطلبات على الشفافية والمحاسبة والحوكمة المؤسسية السليمة وسيادة القانون وغياب الفساد. ورغم ضخامة حجم المعلومات المتوافرة للعموم، وعلى غرار معظم الأمور في الحياة يجب التركيز على الجودة، وليس الكمية، لا تزال هناك بعض المفاهيم الخاطئة حول الاستثمار في الشرق الأوسط. فالافتقار الى الشفافية يشكل عقبة أمام استقطاب المنطقة للاستثمارات الأجنبية المباشرة. وفي سياق توضيحه لذلك، فتتدفق رؤوس الأموال إلى الشركات القادرة على إقامة الدليل على التزامها بنموذج عمل سليم والشفافية والحوكمة المؤسسية. وتشكل الاستثمارات الأجنبية المباشرة مؤشراً على الشركات التي تلتزم بمعايير دولية في هذه المجالات . وفي هذا السياق يمكن القول ان الأسواق المغلقة تعزز سوء الفهم. وحيث انه كثيراً ما يُساء فهم ما لا نفهم، تتمثل الطريقة الواضحة لقيام دول الخليج بتوضيح الأمور للمستثمرين المهتمين أو على الأقل تخفيف مخاوفهم حول الافتقار الى الشفافية، من خلال مواصلة تعزيز شفافية وانفتاح أسواقها.
وتشكل هذه المعطيات شروطا لا غنى عنها لطمأنة المستثمر؛ لأن منافع الاستثمارات الأجنبية لا تقتصر على تعزيز العائدات عبر نقل المعرفة وزيادة الطاقات الإنتاجية، لكنها تمتد لتشمل تخفيض تكلفة المخاطر عبر تعزيز الثقة المتبادلة بين الاستثمارات الأجنبية والدول المضيفة، إضافة إلى ذلك، تحتاج الاستثمارات الأجنبية إلى تعزيز العلاقات بين الحكومات عبر توضيح الأنظمة وتوفير مناخ أعمال سليم والاستقرار السياسي والاجتماعي.
وتكشف التدفقات الرأسمالية العالمية الكثير عن الأسواق الدولية من وجهتي النظر المالية والأخلاقية على حد سواء. ولا يقوم المستثمرون المؤسسون باستثمار أموالهم ببساطة في الأسواق التي يعتقدون أنها توفر لهم أعلى العائدات، ولكنهم يبحثون عن الأسواق التي توفر الأمان لاستثماراتهم وشفافية تقييم قيمة الأصول التي يستثمرون فيها.
ولذلك فإن الاستثمارات الأجنبية المتوجهة نحو السلطنة ستجد النزاهة والثقة والشفافية متحققة. كما أن الاستقرار السياسي واستتباب الأمن الاجتماعي تشكل عوامل مضافة لتعزيز بيئة الاستثمار الضامنة الآمنة .
نقلا عن عُمان