تناقض المصالح في تجارة النفط الدولية

27/04/2016 1
د. محمد رياض حمزة

جاءت الفقرة التي تضمنتها كلمة الرئيس الأمريكي” باراك أوباما” في ختام قمة مشتركة مع قادة دول مجلس التعاون استضافتها الرياض يوم 21/‏‏4/‏‏ 2016” تؤكد ميل الولايات المتحدة الأمريكية لبقاء أسعار النفط متدنية . إذ قال “ أوباما “.

إن بلاده ستعمل مع دول الخليج للتأقلم مع أسعار النفط المنخفضة. وإن الطرفين سيجريان حوارا اقتصاديا على مستوى عال، مع التركيز على التأقلم مع اسعار النفط المنخفضة، وتعزيز علاقاتنا الاقتصادية ودعم الاصلاحات في دول مجلس التعاون الخليجي .

وبذلك وضح ان من مصلحة الولايات المتحدة، على الأقل في الوقت الراهن، بقاء أسعار النفط عند مستواها المتدني.

وكما للولايات المتحدة الأمريكية مصلحة في بقاء الأسعار متدنية فإن الدول المنتجة في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وخارجها لها مصالح في تعديل الأسعار إلى المستوى الذي يعوض خسائرهم منذ انهيار الأسعار منذ منصف عام 2014 .

إذ قال “كيريل مولودتسوف” نائب وزير الطاقة الروسي إن يوم إنه من المرجح طرح مبادرة جديدة لإجراء محادثات من أجل تثبيت إنتاج النفط في غضون أسبوعين.

وقال مولودتسوف للصحفيين في موسكو “في غضون أسبوع أو أسبوعين ستطرح مبادرة جديدة لإجراء محادثات.”

و قال “عبد الله البدري أمين عام (أوبك ) إن سوق النفط ستبدأ في استعادة توازنها بحلول الربع الثالث من العام الحالي وستتحول للاتجاه الإيجابي بحلول العام المقبل برغم فشل كبار منتجي النفط في العالم في التوصل لاتفاق لتثبيت مستوى الإنتاج في اجتماع الدوحة.

ومن جانب المنتجين المتضررين من انخفاض أسعار النفط هناك مساع أخرى لكل من فينزويلا ونيجيريا للعمل على أن يكون اجتماع وزراء (أوبك ) في يونيو المقبل مكرسا لتثبيت الإنتاج وتصريف تخمة المعروض. وتبقى أسعار النفط وأسواقه يتجاذبهما متغيرات السياسة والاقتصاد، وكانت الغلبة دائما للاقتصاد وإن بدا تأثير السياسة أوضح على المدى القريب.

كان متوقعا تصلب الموقفين الإيراني والسعودي بشأن تثبيت إنتاج النفط . فكما كان للسجال السياسي دور في إفشال اجتماع منظمة الدول المنتجة للنفط ( أوبك) في نوفمبر 2014 عندما أعلن علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي “ أن بلاده لن تجمد الإنتاج أو تخفضه حتى وإن نزل سعر برميل النفط إلى 20 دولارا” متذرعا بالحفاظ على حصص السعودية في السوق العالمية” .

وكان الموقف السعودي وقتها سببا بالمزيد من تراجع أسعار النفط . اليوم جاء تصلب إيران بموقف مماثل فأفشل اجتماع معظم منتجي النفط يوم 17/‏‏4/‏‏2016 في الدوحة بتغيبها عن الاجتماع برفضها مقترح تثبيت الإنتاج بذريعة الحفاظ على حصصها في السوق العالمية. والمتوقع أن يتسبب الموقف الإيراني بالمزيد من تراجع أسعار النفط.

بعد إخفاق المنتجين في التوصل إلى اتفاق ما بشأن تثبيت مستوى الإنتاج بهدف تصريف المعروض الفائض من النفط الخام في الأسواق فإن الكل خاسرون، بما فيهم إيران والسعودية . ففي يوم 18/‏‏4/‏‏2016 انخفض سعر برميل النفط بنسبة 5.6% مقتربا من 40 دولارا بعد أن سجل قبل اجتماع المنتجين 45 دولارا للبرميل. لذا فإن النعيمي لم يكن مصيبا بتصلبه في نوفمبر 2014 بموقفه الرافض لأي إجراء من شأنه الحد من تدهور الأسعار بوسيلة تجميد الإنتاج بذريعة “ الحفاظ على الحصص” وكانت الدوافع سياسية.

واليوم فإن الموقف الإيراني المتصلب الرافض للمساهمة بتثبيت الإنتاج بذريعة “ الحفاظ على الحصص” خاطئ أيضا والدوافع سياسية. فإيران التي تسببت العقوبات الغربية بغياب معظم نفطها عن السوق العالمية خلال عقد من الزمن كان يمكنها التوافق مع تثبيت الإنتاج بضعة أشهر لتتصاعد الأسعار إلى المستويات التي تعوضها عن خسائرها

أما نظام الحصص الذي من المفترض أن تلتزم به اثنتا عشرة دولة في منظمة الدول المصدرة للنفط ( أوبك) لم يكن متحققا فعلا. فهناك أكثر من 50 دولة تصدر النفط الخام من مليون برميل يوميا، أقل أو أكثر، إلى 10 ملايين برميل يوميا أقل أو أكثر. فدول العالم المستوردة للنفط الخام أدركت اللعبة وصارت تشتري النفط بالسعر الأقل من أي مصدر وبأقل التكاليف الإضافية. وما الفائض المدور المقدر بمليوني برميل في أسواق العالم إلاّ برهان على “ أكذوبة “ نظام الحصص في أسواق العالم.

وفي أجواء مشحونة بالتناقضات بين منتجَي النفط، السعودية وإيران، فإن أسعار النفط مرشحة للتراجع بالتوازي مع ضخ المزيد من الإمدادات لتتضخم تخمة المعروض التي كانت ولا تزال سببا بانهيار الأسعار.

وبرهانا على إمكانية تعافي أسعار النفط خلا فترة وجيزة هو الحدث الطارئ الذي تسبب بقفزة في سعر البرميل إلى 45 دولارا . الحدث هو إضراب العاملين في المؤسسات النفطية في الكويت يوم 17/‏‏4 إلى 19/‏‏4 /‏‏2016 . أي أن تعطل الإمدادات الكويتية ثلاثة أيام فقط كادت أن تنهي تخمة المعروض فقفز سعر البرميل 5 دولارات.

وبعد فشل اجتماع الدوحة راحت كل دولة تتدبر مصالحها، وتحديدا تلك الدول التي لديها إمكانية زيادة طاقة إنتاجها اليومي من النفط الخام والتي يمكن أن تحقق ربحا، وإن كان ضئيلا، من خلال المزيد من الإمدادات وبأي سعر ممكن وذلك لأن تكلفة برميل نفطها الخام واصل الأسواق أقل من غيرها من الدول. فهناك عدد من دول (أوبك) بقيت تربح وإن تراجعت أسعار النفط إلى المستويات المنخفضة.

ففي تقرير للفضائية الأمريكية (سي أن أن) عن تكلفة الإنتاج الكلية لبرميل النفط الخام في عام 2016 بما في ذلك مصاريف المشروع الأولية والإدارية والإنفاق على التطوير الفني للحقول وكذلك كلف الاستخراج من الأرض، فإن بريطانيا تأتي على رأس القائمة بتكلفة 52.50 دولار للبرميل تليها البرازيل 48.80 دولار، ثم كندا 41 دولارا، فالولايات المتحدة الأمريكية 36.20 دولار، والنرويج 36.10 دولار، وأنجولا 35.40 دولار، وكولومبيا 35.30 دولار، ونيجيريا 31.60 دولار، والصين 29.90 دولار، والمكسيك 29.10 دولار، وكازاخستان 37.80 دولار، وليبيا 23.60 دولار، وفنزويلا 23.50 دولار، والجزائر و20.40 دولار، وروسيا 17.20 دولار، وإيران 12.60 دولار، والإمارات 12.30 دولار، العراق بين 8 إلى 10.70دولار حيث أن حقوله موزعة من شماله إلى جنوبه، ثم السعودية 9.90 دولار، وأخيرا دولة الكويت الأقل تكلفة 8.50 دولار .

كما أن العوائد الصافية التي تعود إلى خزينة كل دولة تختلف بين عقود المشاركة بين الدول والشركات المتعاقدة، وبين عقود الخدمة بين الدول والشركات.

وعند المقارنة بين تكلفة البرميل واصل الأسواق وبين سعر بيعه بحدود 40 دولارا للبرميل، أقل أو أكثر، فإن كل من إيران والإمارات والعراق والسعودية والكويت يمكن أن تحقق ربحا هامشيا باستمرار تدفق إمداداتها إلى الأسواق.

وبالرغم من تبعات فشل اجتماع الدوحة وتصريحات عدد من الدول المنتجة عن عزمها بزيادة إنتاجها من النفط الخام إلا أن سعر النفط بقي يتصاعد فوق 40 دولارا للبرميل، وذلك لأن تجار النفط يعرفون جيدا أن إنتاج الكويت يحتاج إلى أيام للعودة إلى مستواه قبل الإضراب، وإن إيران ما زالت تحاول زيادة مستوى إنتاجها. ويتوقع أن يناور كبار المنتجين مثل السعودية وروسيا بخفض غير معلن للإنتاج. كما أن الأزمة السياسية التي تعصف بالعراق يتوقع أن تؤدي إلى تباطؤ الإنتاج.

كل ما تقدم من التحليلات تعاملت مع الحالة، بما فيها الإنتاج والأسواق والأسعار، وفق فرضية العرض والطلب وقوانين السوق .

أما الإصرار على مواقف متصلبة من أي طرف متضرر من منظمة الدول المصدرة للنفط ( أوبك) أو من خارجها يحول دون تعافي الأسعار ويعوض الخسائر فإما أن يكون قلة خبرة القائمين على إدارة النفط أو أن لعبة التجاذب السياسي لا تزال تتحكم بمتغيراتها.

نقلا عن عُمان