في عام 2014 قام صندوق الاستثمارات العامة بطرح 25% من رأسمال البنك الأهلي التجاري للاكتتاب العام، تم تخصيص 15% من الاكتتاب للأفراد السعوديين و10% لمؤسسة العامة للتقاعد.
الاكتتاب كان ثاني أكبر اكتتاب في العالم في تلك السنة بعد اكتتاب عملاق التجارة الإلكترونية الصيني Alibaba Group Holding.
ربما لم يكن في خصخصة البنك الأهلي شيء ملفت للانتباه أكثر من حجم الحصة التي تم طرحها للاكتتاب، حيث جاءت خصخصة البنك الأهلي جزئية بنفس الأسلوب التي تم من خلالها خصخصة الاتصالات السعودية وسابك وغيرها من الشركات التي كانت مملوكة للحكومة.
تاريخ الخصخصة في المملكة يخبرنا بأنه عندما يتم اختيار الطرح العام كأسلوب لتحويل الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص تكون السمة الغالبة على الطرح أنه جزئي حيث أن المالك السابق (الحكومة) يحتفظ بحصة في رأسمال المشروع، وتتولى إدارة حصص الحكومة في أغلب الأحيان أحد الصناديق الاستثمارية الحكومية.
بطبيعة الحال هناك مبررات تفسر عدم تخلي الحكومة عن كامل الملكية منها أن الحكومة تخلت عن الجزء التشغيلي في هذه المشاريع وهو لا يعتمد على العمالة الوطنية مما لا يترتب عليه أثار سلبية من ناحية اجتماعية.
عند مقارنة أداء القطاع العام بالقطاع الخاص، يتم ربط أداء القطاع العام دائماً بالبيروقراطية والهدر المالي وهذا عكس طبيعة عمل القطاع الخاص الذي يهدف إلى تعزيز الربح ورفع كفاءة التشغيل.
رغم هذا الانطباع السائد عن أداء القطاع العام إلا أن الملكية الجزيئة للحكومة في الشركات المساهمة التي تم تخصصيها لم تترك أثر سلبي على أداء هذه الشركات، بل على العكس معظم الدراسات تؤكد تفوق هذه الشركات على المنافسين في نفس القطاع، مما يدل على أن استراتيجية الصناديق الحكومية في إدارة الحصص تتم وفقاً لمنهج القطاع الخاص.
بعض الآراء أرجعت هذا التفوق إلى الطبيعة الاحتكارية التي كانت تتمتع بها هذه الشركات قبل عملية الخصخصة.
اقتصادياً الخصخصة الجزئية تبدو مجدية إلى الأن ولكن قانونياً قد تخلق قضية صعبة.
من المعروف أن نظام الشركات، وهو أحد فروع القانون الخاص، تم تصميمه ليطبق على القطاع الخاص.
أحد الأهداف التي يخدمها هذا النظام هو مصلحة المساهمين وهذا يتمثل في إلزام مجلس إدارة الشركة بمراعاة هذه المصلحة أثناء إدارة الشركة.
السؤال العملي الذي يطرح في هذا السياق هو أي مصلحة سوف يراعيها عضو مجلس الإدارة الذي يتم ترشيحه عن طريق أحد الصناديق الحكومية وهو موظف عام عند تعارض المصلحة العامة، والتي هي جوهر وظيفته، مع مصلحة المساهمين وهي مصلحة خاصة؟ هذا السؤال يبين أن الخصخصة الجزئية تخضع الصناديق الحكومية ومرشحيها لمجلس إدارة الشركات المساهمة لمعايير ونظام يراعي المصلحة الخاصة أكثر من المصلحة العامة.
من جانب أخر، إن أحد الأهداف المعلنة لفتح السوق أمام المستثمرين الأجانب هو تعزيز الاستثمار المؤسسي في السوق المالية السعودية وتعزيز الإفصاح عن المعلومات المالية.
استثمار الصناديق الحكومية بطبيعته هو استثمار مؤسسي ولكنه لم يضف الكثير في مجال الحوكمة في الشركات التي تستثمر فيها.
خصخصة البنك الأهلي لن تكون الأخيرة، حيث أنه تم الإعلان في الفترة السابقة عن عدد كثير من القطاعات التي سوف تدخل ضمن دائرة الخصخصة مما يعني زيادة في حضور الصناديق الحكومية إذا تم اتباع طريقة الخصخصة الجزئية، وهذا يزيد من المطالبات لهذه الصناديق لبذل الكثير في مجال الحوكمة.