عالم الأعمال شهد تطورات جوهرية في الفترة الأخيرة، حيث لعب التطور التقني دوراً مهماً في التحول في طريقة أداء كثير من الأعمال. فيمكن ملاحظة التغيير الذي أحدثه الذكاء الاصطناعي والروبوتات وتأثيرهما في تقليل الاعتماد على التدخل البشري.
آثار التطور التقني لم يتوقف عند طريقة الأداء، ولكن كان له آثار قانونية كذلك، فالشركات التي تمتلك منصات التوصيل على سبيل المثال، والتي تقوم بعملية نقل وتوصيل الركاب والمنتجات عن طريق سائقين لا ترتبط بهم بعقود عمل، أثارت التساؤل عن مدى خضوع السائقين للحقوق والمنافع التي يمنحها قانون العمل. ورغبةً في الحصول على تلك الحقوق، رُفعت العديد من الدعاوى في أمريكا وبريطانيا والدنمارك وغيرها من الدول حول العالم ضد منصات التوصيل أو ما يعرف بشركات Gig Economy، وهي شركات تعتمد على موظفين مستقلين تتعاقد معهم لفترة زمنية أو لأداء مهمة معينة. وكانت أحكام المحاكم متباينة: بعضها، وهي الأغلب، حكم بأن الرابطة بين السائق والشركة هي علاقة عمل وبالتالي يستفيد السائق من المنافع التي يمنحها قانون العمل للعمال، وبعضها حكم بأنها علاقة من نوع خاص ولا تخضع لقانون العمل.
وعلى الرغم من عدم وجود قضايا منشورة ضد شركات تمتلك منصات توصيل تبين موقف القضاء السعودي في مثل هذه القضايا، لكن طرح أسهم شركة جاهز الدولية لتقنية نظم المعلومات في السوق الموازية يطلعنا على طريقة تعامل بعض منصات التوصيل في المملكة مع السائقين.
نشرة إصدار شركة جاهز بينت أن الشركة تعتمد على فئتين من مناديب التوصيل: مناديب التوصيل التابعين لشركات الخدمات اللوجستية التي تتعاقد معهم جاهز، ويقومون بتوصيل ما نسبته 72% من إجمالي الطلبات كما في الربع الأول من عام 2021، ومناديب مستقلين يقومون بتوصيل ما نسبته 28% من إجمال الطلبات كما في الربع الأول من عام 2021. ونظراً لأن الفئة الأولى تتبع لشركات لوجستية، فأنه سوف يتم استبعادهم من المناقشة في هذا المقال ، والفئة الثانية هي من سوف تخضع للنقاش في هذا المقال.
نشرة إصدار شركة جاهز عرفت الفئة الثانية من المناديب على أنها مستقلة، وهو ما يعني عدم وجود عقد عمل بين الشركة والمندوب وبالتالي يتم استبعادهم من فئة الموظفين. ولو افترضنا أن أحد المندوبين المستقلين قام برفع دعوى ضد شركة جاهز وطالب بالحقوق التي يمنحها نظام العمل، فماذا يجب عليه أن يثبت؟ عليه أن يثبت أن العلاقة التي تربطه بالشركة هي علاقة عامل بصاحب عمل كما عرفها نظام العمل، ويتم ذلك من خلال إثبات أنه كان يعمل تحت إدارة أو إشراف الشركة مقابل أجر، فعنصر التبعية هو العامل الحاسم في إثبات تلك العلاقة، فعليه أن يبين أنه عند تأدية مهام التوصيل كان يخضع لتوجيه الشركة وإدارتها، فهو لا يختار العملاء ولا يحدد السعر. ويمكن للشركة أن ترد على هذا الادعاء بأن خضوع المندوب لإدارتها ليس كاملاً، فهو يختار الوقت الذي يريد فيه التوصيل والشركة لا تمنعه من العمل لدى غيرها.
لا نستطيع الجزم بنتيجة الفرضية السابقة، ولكن لو تبنى القضاء السعودي نفس التوجه الذي تبنته أغلب محاكم العالم اتجاه هذا النوع من القضايا، وحكم لصالح المندوب ضد الشركة، فأن هذا يبين مدى الحاجة لتعديل نظام العمل، حيث أن تعريف عقد العمل الوارد في النظام تم تصميمه ليعالج حالات الروابط العمالية التقليدية، وإذا تم تعريف العلاقة بين الشركات التي تمتلك منصات توصيل والمندوبين على أنها علاقة عمل، فأن ذلك التعريف لا ينسجم مع طبيعة عمل مندوب التوصيل، إذا أن الهدف من تعريف عقد العمل هي حفظ حقوق العامل والذي تعتبر له هذه الوظيفة غالباً مصدر الدخل الوحيد، لذلك لصاحب العمل أن يلزم العامل بعدم العمل لدى الغير أثناء سريان العقد، وعلى العكس من ذلك فأن مندوب التوصيل قد تكون مهمة التوصيل له مصدر إضافي لزيادة دخله، فلا يتم إلزامه بعدم العمل لدى غير منصة التوصيل.
نموذج عمل الشركات التي تمتلك منصات توصيل تعتمد على المندوبين في التوصيل وذلك باستخدام التقنية وهو ما يقلل من تكاليفها، فاذا تم تعريف المندوبين على أنهم موظفين لديها، فأن هذا سوف يكون سبب كافي لها لعدم توظيف مندوبين أكثر، وهو ما سوف يؤثر على قدرتها على النمو والتوسع.
خاص_الفابيتا