كان الأسبوع الماضي محطة مهمة لالتقاط الأنفاس ومراجعة التوقعات على كل الأصعدة. الاقتصادية والمالية والتنظيمية.. وفي حين ارتفع سعر نفط برنت إلى مستوى 36 دولاراً للبرميل، فإن سعر نفط الأوبك قد اقترب من 30 دولارا، وذلك وسط توقعات متفائلة بأن منتجي النفط الرئيسيين، السعودية من دول الأوبك، وروسيا من خارجها، قد باتا أكثر تقبلاً لفكرة خفض الإنتاج من أجل وقف تدهور الأسعار.
وقد انعكس هذا التحسن المفاجئ على أداء البورصات العالمية ومنها بورصة قطر، وتعزز ذلك بوصول مكررات السعر إلى العائد إلى مستويات مناسبة للشراء، فارتفعت كافة المؤشرات وبنسب مرتفعة.
ورغم التحسن في أسعار النفط فإن دولة قطر قد أظهرت إصراراً واضحاً على المضي قُدماً في برنامج إعادة ترتيب الببيت الداخلي بما يتناسب مع مرحلة انخفاض أسعار النفط.
وتمت في هذا الإطار عمليات دمج عدد من الوزارات ليس فقط من أجل تحقيق ضغط للنفقات، وإنما لرفع كفاءة الأداء الحكومي بما يُنهي إشكاليات تداخل الاختصاصات بين الأجهزة الحكومية المختلفة.
وكان من اللافت للانتباه اتخاذ قرارات مهمة تقضي بدمج وزارات العمل مع التنمية، والمواصلات مع الاتصالات، والثقافة مع الرياضة، والبيئة مع البلدية، مع إلغاء كل من المجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للصحة، والعودة إلى النظام الوزاري فيهما.
وقد لا يكون كافياً أن يتم تغيير هياكل الوزارات والأجهزة على النحو المشار إليه، وإنما يتطلب الأمر تغيير مفاهيم العمل الحكومية بما يربط الإنفاق على الخدمات المقدمة بالعائد المتوقع منها. وعلى سبيل المثال، صدرت تعليمات بتفعيل غرامات كبيرة على التجاوزات في استهلاك المياه في غير أوجهها المخصصة لها، أو بإبقاء الأنوار في ساعات النهار.
وكان من الممكن النظر في تحفيز المستهلكين على الاقتصاد في الاستعمال، مقابل علاوات معينة يتم صرفها للمواطنين الذين يقل استهلاكهم عن مستوى معين سنوياً.
وفي خدمات التعليم العالي يمكن أن يُعاد النظر في تكلفة الدراسة بالجامعات المحلية-بخلاف جامعة قطر، ومقارنتها بالمخرجات من هذه الجامعات إلى سوق العمل من القطريين ومقارنة ذلك بتكلفة الابتعاث للدراسة في الخارج، ومدى نجاح هذه الجامعات في استقطاب دارسين من الخارج، ومدى العائد المتحصل منهم.
وفي الخدمات الصحية يتم وضع أسس واضحة لتغطية تكاليف التأمين الصحي، بحيث يستفيد الجميع من مظلة التأمين بدون إسراف في الاستخدام. وهكذا يمكن التوسع في تطبيق مفهوم العائد إلى التكلفة من معظم الخدمات الحكومية.
على أن من الضروري أن تتم المراجعة، المشار إليها، بدون الضغط على تكلفة المعيشة المرتفع أصلاً.
ورغم أن معدل التضخم في قطر قد أنهى عام 2015 عند مستوى 2,7%، إلا أن التكلفة الحقيقية للمعيشة في قطر ظلت مرتفعة جداً بسبب الارتفاع غير العادي في بند أجور المساكن وكذا المحلات التجارية، ومن ثم فإن أي توسع غير مدروس في زيادات أسعار ورسوم الخدمات سوف ينعكس سلباً على المواطنين والمقيمين، فتضطر الدولة والمؤسسات العامة والخاصة إلى إجراء تعديلات جديدة على مستويات الرواتب والأجور.
باختصار.. أشير إلى أن أسعار النفط قد تتوقف عن الارتفاع عند مستويات معينة نتيجة بقاء حالة فائض العرض والطلب، ومن ثم فإن التوجهات الحكومية التي يتم اتخاذها لمعالجة العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة يجب أن تستمر، وأن تتحول إلى منهاج عمل دائم لا مجرد ردود أفعال على انخفاض أسعار النفط في فترات معينة.
نقلا عن الشرق القطرية