اعتمدت المملكة منذ سنوات خطة إستراتيجية للصناعة تستهدف الوصول بعد خمسة أعوام أي عام 2020م إلى أن تكون الصناعة تشكل عشرين بالمائة من الناتج المحلي وتعزز التوجه بإنشاء عشرات المدن الصناعية في مختلف مناطق المملكة حتى يتم استقطاب الاستثمارات لها وزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد وتقليص الواردات وزيادة الصادرات إلا أن حجم الواردات مازال يقارب ثلاثة أضعاف الصادرات غير النفطية من حيث القيمة ويبلغ عدد المصانع حتى الوقت الحالي حوالي 6400 مصنع.
ويعد صندوق التنمية الصناعية منذ تأسيسه إحدى أذرع تمويل التنمية بالاقتصاد الوطني وأسهم منذ تأسيسه قبل 43 عامًا بتمويل نحو 2600 مشروع صناعي باعتمادات بلغت 112 مليار أي نحو 2.6 مليار يتم اعتمادها سنويًا بالمتوسط بينما ما تم صرفه هو 75.5 مليار ريال أي نحو 1.7 مليار سنويًا بينما بلغ سداد المقترضين قرابة 46 مليار ريال أي نحو 1.1 مليار ريال سنويًا واستحوذت الصناعات الكيميائية على نصيب الأسد من إجمالي القروض بنحو 39 في المائة وهو ما يبرز من حيث إن هذه الصناعة هي الأكثر إنتاجًا وتصديرًا وربحًا بين قطاعات الصناعة بالمملكة فالقروض ميسرة وبتكاليف منخفضة إجمالاً إلا أن تحقيق أهداف الإستراتيجية الصناعية لن يكون سهلاً من دون تمويل ضخم مع الصناعات الكيميائية استحوذ قطاع الأسمنت على 10 في المائة من قروض الصندوق أي أن قطاعين كان لهم 50 في المائة تقريبًا من القروض أي أكثر 55 مليار وهو ما يفوق راس مال الصندوق البالغ 40 مليار ريال.
وبهذه النظرة البسيطة يمكن القول إن الصندوق بتركيبته الحالية إداريًا ومن حيث رأس المال لن يكون قادرًا على التوسع بتمويل صناعات مهمة أخرى ومع صعوبة الحصول على قروض من البنوك التجارية التي تتزاحم امامها الكثير من طلبات الإقراض سواء للأفراد أو التمويل العقاري وكذلك الأعمال والأنشطة الخدمية وتمويل القطاع العام وعودة طرح السندات الحكومية فلن يكون هناك مجال للتوسع بالصناعة إذا لم يتغير الصندوق الصناعي تحديدًا إلى «بنك تنمية صناعية» ويرفع رأس ماله إلى ضعف الرقم الحالي بتدرج وفق خطة زمنية محددة والهدف الآخر من تحويله إلى بنك أن يصبح بإمكانه إصدار أدوات دين طويلة الأجل لتمويل طلبات المشروعات الجديدة من القروض التي تطلبها.
وبما أن خطة التحول الوطني تستهدف نمو دور وحجم القطاع الصناعي فإن التركيز على تمويله يعد اللبنة الرئيسة لنجاح هذا التوجه وعلى سبيل المثال سيتم التركيز على قطاع التعدين الذي يعد الركيزة الثالثة بالاقتصاد الوطني بعد النفط والبتروكيماويات ولم يكن تأسيس شركة معادن إلا لتكون نواة هذا القطاع كما حدث عند تأسيس سابك التي كانت نواة قطاع البتروكيماويات وإذا كان صندوق الاستثمارات العامة قد لعب الدور الرئيس بإنشاء الشركتين والمساهمة بنهوضهما وأسست المدن الصناعية المتخصصة لقطاعي البتروكيماويات في الجبيل وينبع وللتعدين في رأس الخير فإن الشركات التي ستؤسس لقطاع التعدين ستعتمد على الصندوق الصناعي بشكل أساسي في التمويل فهل سيستطيع الصندوق رفع نسبة إقراضه للتعدين إلى نفس ما حصلت عليه البتروكيماويات عند نحو 40 في المائة دون أن يكون لديه رأس مال أكبر وأدوات تساعده على زيادة الإقراض إذا لم يتحول إلى بنك متخصص ويمتلك الخبرات الكافية لتوسيع نشاطه الائتماني؟.
فالتعدين وكذلك الصناعات الأخرى الغذائية والأجهزة الكهربائية وكذلك صناعات كبيرة كالسيارات وحتى الإلكترونيات وغيرها فكلها مطلوبة لتوسيع القاعدة الإنتاجية بالاقتصاد وفتح فرص العمل وزيادة الصادرات غير النفطية ولتحقيق تلك الأهداف فإن زيادة حجم التمويل للصناعة لا بد أن يسبق أي خطوات أخرى حتى يتم النهوض بالصناعة الوطنية ورفع تنافسيتها وكفاءتها وجودة منتجاتها ولن تترجم الإستراتيجية الصناعية إلى واقع من دون ذراع تمويلي رئيس ضخم.
نقلا عن الجزيرة