يشتكي إلي عدد من الرياديين أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من صعوبة توفير رؤوس أموال مشاريعهم، وتمويل رأس المال العامل، والأنشطة التوسعية، ولم يعلموا بوجود جهات تمويلية متعددة تساعد الريادي في نشاطه، وبعضهم يعلم بوجودها ويستصعب التقديم عليها، ولذا نشأت نشاطات لترتيب التمويلات، وما أحسن أن يتولاها الريادي بنفسه، توفيرا للجهد والمال، ومن أشهر الجهات التمويلية غير الربحية الصندوق الصناعي وبرنامج كفالة، وبنك التسليف والبنك الزراعي وصندوق المئوية وبعض البرامج التمويلية الصغيرة الأخرى.
وسأحاول أن أقدم بعض المعلومات المهمة حول هذه البرامج، وتاريخها، وأهم ما أراه من سبل لتطوير أعمالها والرقي بنشاطها.
وقد اخترت برنامج كفالة نظرا لكثرة السؤال عن طبيعة عمله، وارتباطه بالبنوك من جهة، وبالصندوق الصناعي من جهة أخرى.
بداية؛ صدرت القواعد التنظيمية للبرنامج الصادرة بقرار وزير المالية ذي الرقم 1166 والتاريخ 4/5/1425ه، وتعد هذه القواعد بداية ميلاد هذه الفكرة الرائدة التي قدمت للوطن الكثير، ودعمت العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتبدأ مسيرة النجاح، كما ساندت البنوك لتستفيد من سوق المنشآت الصغيرة والمتوسطة بمخاطر شبه معدومة، وإن مما يحمد لقرار وزير المالية النص على أن الكفالة إنما تكون للمنشآت التي تم تمويلها وفقاً لصيغ التمويل الشرعية، وذلك في عدة مواد، ففي المادة الحادية عشرة من القواعد التنظيمية للبرنامج أكدت على أن : "يقدم البرنامج كفالات التمويل وفقاً لصيغ التمويل الشرعية"، وفي المادة السادسة من "اتفاقية تعاون" ألزمت البنوك بالتمويل الشرعي، ونصها: "يلتزم الطرف الثاني (الجهات الممولة) باتباع المعايير البنكية المتعارف عليها وفقاً لصيغ التمويل الشرعية في منح التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة واستيفاء كافة المتطلبات الائتمانية المعمول بها"، وفي المادة السابعة (فقرة 7-2) من "الإجراءات والتعليمات المنظمة لأعمال برنامج كفالة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة" ألزمت بأن تعتمد العقود التمويلية من هيئات شرعية، ونصها: "تلتزم الجهة الممولة بتقديم التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وفقاً لصيغ التمويل المجازة من قبل الهيئات الشرعية التابعة لها، وتستوفي الجهة الممولة كافة المتطلبات النظامية والفنية المتبعة لديها في طلبات الحصول على التمويل وفقاً لسياساتها المعلنة".
وعند التأسيس لبرنامج كفالة تكونت المصادر التأسيسية للبرنامج من مئتي مليون ريال، منها مئة مليون مقدمة من وزارة المالية، ومئة مليون مقدمة هبة من البنوك، ثم زادت بعد ذلك، ويعمل برنامج كفالة تحت إدارة صندوق التنمية الصناعية السعودي، ويهدف إلى تشجيع الجهات الممولة (البنوك) على تقديم تمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وفقاً لصيغ التمويل الشرعية، حيث يقوم البرنامج بكفالة تلك المنشآت لدى الجهات الدائنة لها مما يُقلِّل مخاطر التمويل المقدّم لتلك المنشآت من البنوك المشاركة.
وسبب اللجوء إلى الكفالة بدلا عن إقراض أو تمويل أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة هو أن تجربة صناديق الإقراض الحكومية ليست مشجعة، لكون البعض قد يستهين برد التمويل إذا كان من جهة حكومية، فكانت الفكرة أن البنوك هي التي تمول، والبرنامج يكفل، ويساعد على ذلك أن شبكة البنوك منتشرة في المملكة، فيمكنها التعامل مع المنشآت في جميع المناطق؛ بخلاف الصندوق.
وأطراف العلاقة في برنامج كفالة هم: المكفول عنه: ويمثله المنشأة (عميل البنك)، والمكفول له: ويمثله البنك، والكفيل: ويمثله البرنامج. وتتكون وثائق البرنامج من توقيع "اتفاقية تعاون" مع البنوك، ويرفق بها "الإجراءات والتعليمات المنظمة لأعمال البرنامج مع عدة نماذج متعلقة بذلك.
ويحصل البرنامج مقابل كفالة المنشآت الصغيرة والمتوسطة بمقابل رمزي سنوي يأخذه من البنك الممول، فإذا تقدمت (المنشأة) بطلب تمويل من البنك، وبعد الدراسة تصدر موافقة البنك على منحه تمويلاً (الموافقة مدتها سنة)، فيقوم البنك بإرسال الموافقة مع الدراسة والمستندات إلى برنامج كفالة، فإن وافق البرنامج على كفالة المنشأة يكون على البنك سداد أجور البرنامج (1.5 % من قيمة الكفالة) في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من موافقة البرنامج على الكفالة، فبعد مضي الثلاثة الأشهر يدفع البنك الرسم المستحق، فإذا أخذ العميل التمويل فإن البنك يُضمّن تلك الأجور في الثمن الإجمالي على العميل، لكن قد يحصل من بعض العملاء عدم استخدام التسهيلات الممنوحة (عدم تنفيذ عقد التمويل) فيكون البنك قد دفع رسوم البرنامج ولم يستفد؛ إذ العميل لم يأخذ التمويل، ولذا تقوم بعض البنوك بتحميل العميل الرسوم في حال عدم أخذه التمويل، لأنه مال دفع للغير فلم يكن أجرة على الضمان.
فتُخصم من حساب العميل ثم تدفع لبرنامج كفالة مباشرة؛ فلا يدفع البنك قبل أن يخصمها من العميل، ولا يخصمها البنك ثم لا يدفع للبرنامج.
وعند طرح البرنامج على البنوك الإسلامية كان أكبر إشكال شرعي في البرنامج اشتراطه على الجهات الممولة أن تدفع رسوما سنوية تتناسب مع مبلغ التمويل للبرنامج، فهل هو من أخذ الأجر على الكفالة الذي هو الضمان في حقيقته، الذي أجمع العلماء على تحريم أخذ الأجر عليه كما في كتاب الإشراف لابن المنذر - رحمه الله - 2/52، (وينظر نقل التحريم عند المذاهب الأربعة، عن الحنفية: المبسوط للسرخسي 20/32، وعن المالكية: المنتقى للباجي 6/84، وعن الشافعية: الحاوي للماوردي 6/443، وعن الحنابلة: المغني 7/91) ؟
وقد توجهت الهيئات الشرعية إلى إجازة البرنامج لعدة اعتبارات، فبعضهم أجازه لكون الأجر على الكفالة يدفعها الدائن، والمحرم أن يكون الدفع من المدين، وبعضهم أجازه لكون الرسوم تدفع بصفتها رسوم اشتراكات من البنوك، وهي مساهمة في برنامج كفالة بنسبة 50%، والبرنامج جهة غير ربحية، وليس له ملاك حقيقيون، فيخرج على التكافل، مثل التأمين التكافلي، لما دفع الاشتراك للصندوق صار ملكا للصندوق.
ومثل صندوق التكافل لسداد الديون، ليس من الربا لأن المبالغ المدفوعة له تحمل على أنها اشتراكات.
والخلاصة أن هذا البرنامج برنامج تكافلي، وتعد المبالغ التي دفعتها البنوك لتأسيسه والمبالغ السنوية التي تدفعها البنوك للبرنامج اشتراكاتٍ في ذلك البرنامج التكافلي.
ويشترط البرنامج أن تكون المنشأة مبيعاتها/مجمل إيداعاتها تقل عن 30 مليون ريال سعودي، وعدد موظفيها يقل عن 25 موظف، وكأن هذا الحد هو الفاصل عند البرنامج بين المشاريع الكبيرة، وبين المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وأما تقييم عمل البرنامج في السنوات الماضية، فبرأيي أن أهم أوجه التطوير تكمن في الآتي:
1.يقوم البنك بمنح العميل تمويل بحد أقصى 2 مليون ريال ويصدر البرنامج كفالة للبنك لا تتجاوز قيمتها 80 % من قيمة التمويل. وهذا المبلغ لا يكفي ولا يفي لأغراض المشاريع الصغيرة والمتوسطة مع ارتفاع الأسعار، فكأنه يناسب المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة، ويقترح المراقبون أن يزاد المبلغ عند الحاجة إلى 7 ملايين.
2.بالنظر في التقرير الإحصائي الأخير، يمكن أن نلحظ أن بعض البنوك متعاونة مع البرنامج، وبعضها لم يعط المشاريع الصغيرة والمتوسطة الأهمية التي تستحقها، ولا يوجد ضغط كاف من مؤسسة النقد للجهات التمويلية، وكأنها تفضل أن تدخل البنوك برغبتها وحسب سياستها الخاصة، ويقترح المراقبون أن يزداد ضغط ساما على البنوك لتساهم في إنجاح البرنامج بتخفيف الشروط، كنوع من المسؤولية الاجتماعية للبنوك.
3.تتنوع الأنشطة التي تم تمويلها من البنوك بكفالة من البرنامج إلى القطاعات متعددة هي التشييد والبناء المقاولات – التجارة - خدمات المال والأعمال والخدمات الأخرى - الصناعة السياحية والترفيه - خدمات اجتماعية وجماعية وشخصية النقل والتخزين والتبريد - الكهرباء والغاز والماء وما إليها - المناجم والبترول وفروعها - الزراعة والصيد وفروعها. وتبقى المنشآت الاستشارية مثل المحاماة والعيادات الطبية والمكاتب الهندسية، ويقترح ألا تحدد الأنشطة إلا على سبيل التمثيل.
4.يبين التقرير أن عدد الكفالات الصادرة في المناطق الأقل نموا في المملكة أقل بكثير من المناطق الرئيسية الأكثر نموا، وهذا يستدعي أن ينتبه البرنامج لهذا الخلل، بأن يكون المشروع الواقع في مناطق أقل نموا له نقاط تجعل له أولوية على غيره، لا سيما أن من أهم أهداف البرنامج توسيع و تطوير أعمال المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المناطق النائية.
5.يطلب البرنامج بعد دراسة طلب الكفالة من صاحب النشاط إضافة إلى الضمان الشخصي لصاحب المنشأة تقديم الضمانات التي يراها ضرورية (لصالح البرنامج) بما في ذلك الرهن على الموجودات. وهذه الطلبات تعيق الكثير من المنشآت من الاستفادة من البرنامج، ولذا فيقترح أن يخفف البرنامج في الضمانات والرهونات دعما لمن لا يستطيع تقديمها، فالبرنامج خدمي لا ربحي، ويهدف للصالح العام، ومن يملك الضمانات يستطيع التوجه للبنوك دون كفالة البرنامج.
6.تشترط البنوك لمن يرغب في الاستفادة من البرنامج أن لا يقل عمر العميل عن 25 عاما، وهذا يمنع الرياديين الشباب ممن دون هذا السن، وأعتقد أن سن الثامنة عشرة كاف إذا كان المنشأة مجدية من الناحية الاقتصادية والمالية والفنية والإدارية، وخصوصا الأعمال المهنية.
7.يشترط البرنامج أن يساهم المشروع بشكل إيجابي في الاقتصاد السعودي من حيث توظيف وتدريب المواطنين السعوديين و/ أو إحلال السلع المحلية محل المستوردة و/ أو إنتاج السلع والخدمات المبتكرة ذات الجودة العالية. ويقترح أن يخفف في هذا الشرط.
8.يشترط البرنامج أن يساهم العميل بحد أدنى بنسبة 25% في النشاط/ المشروع المراد تمويله في صورة أموال نقدية أو في صورة أخرى (أصول)، ويقترح أن يفتح باب الاستثناء إذا كان المشروع مجدياً.
9.تشترط البنوك للاستفادة من البرنامج تقديم دراسة جدوى للنشاط أو المشروع، ودراسات الجدوى ليست دقيقة لكون الجهات التي تقدمها تفصلها لإقناع البنوك والبرنامج لكي يوافقوا على التمويل، كما أن ترهق الرياديين مالياًّ، وما أفضل ما انتهجه الصندوق الصناعي من إعداد هيكل لدراسة جدوى نمطية بحيث يقوم طالب التمويل بتعبئتها بيسر وسهولة، لتكون أكثر مصداقية وبلا تكلفة على الريادي صاحب المشروع.
10.تشترط البنوك للاستفادة من البرنامج تقديم الميزانيات المدققة للسنوات الثلاثة الماضية (المشاريع القائمة)، والذي لاحظته أن الأكثرين لا يدققون حساباتهم، وخصوصا المشاريع الصغيرة، وأعتقد أن التخفيف من هذا الشرط فيه مصلحة كبيرة وخصوصا إذا استوفيت الشروط الأخرى.
وفي الختام، آن للبرنامج أن يطور عمله، ويراجع مسيرته، بالاستعانة بالمختصين في التمويل والمالية والاقتصاد، كما يراجع مسيرته بأخذ ملحوظات البنوك والرياديين أصحاب المشاريع، لنكون معاً متعاونين في دعم رافد مهم من روافد الاقتصاد الوطني المتمثل في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
سيدي الكريم، تعقيباً على النقطة رقم 1 في مقالكم المميز، فإن أقصى حد للكفالة هو 1.6 مليون ريال وهو ما يمثل 80% من قيمة التمويل البالغ 2 مليون ريال، ولكن بإمكان البنك أن يزيد التمويل حسب تعامله وثقته بعميله إلى أكثر من 2 مليون، مثلاً تحصل على 4 مليون كتمويل وكفالة تغطي 1.6 مليون منها فقط وهكذا، هذه المعلومة مؤكدة ولك خالص التقدير
يعني التمويل بالصيغة "الشرعية" حلال؟ يعني تحايل البنوك على الربا اصبح رسمي الان؟
البنوك (غير الأهلي) لا تهتم بتمويل هذه الشريحة لارتفاع التكلفة على المدى القريب في ظل وجود فرصة بديلة لتمويل المنشآت الكبيرة.