الأسباب الأعمق لاضطراب الأسهم العالمية

21/01/2016 2
محمد عبد الله العريان

لتسليط الضوء على واحدة من أسوأ البدايات لعام جديد بالنسبة للبورصات، يلجأ بعض المحللين إلى تفسيرات الاقتصاد الكلي، مثل التباطؤ الاقتصادي في الصين وزلات سياستها غير المعهودة. ويُفضّل آخرون التركيز على التأثير المتتالي للأسواق غير المتوازنة، مثل النفط.

مع ذلك، لا يعتبر أيّ من التفسيرين شاملاً بما فيه الكفاية؛ وكل منهما يفشل في تفسير التغيّرات الكبيرة في السيولة والتقلّب.

تأثير السوق غير المواتي الذي أصاب محرك النمو الأخرق في الصين تم تضخيمه من قِبل بعض قرارات السياسة غير العادية، بما في ذلك التحوّل المفاجئ في تطبيق قواطع الدوائر في البورصة، وفقدان جزئي لتأثير السياسة على نمو الأسواق الخارجية للعملة، وضعف التواصل.

لكن هذه وحدها لا تُبرّر مدى عمليات بيع الأسهم في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث الانخفاض بنسبة 8 بالمائة في مؤشر ستاندرد أند بورز 500 في الأسبوعين الماضيين يتعارض مع اقتصاد مستمر في التعافي.

هناك ديناميكية مماثلة تجري في سوق النفط. نعم، لقد تم إضعاف أسعار النفط بسبب عدم التوافق بين زيادة العرض، بما في ذلك النفط الصخري، وبين تباطؤ نمو الطلب. هذا بلا شك قد تفاقم بسبب قرار منظمة أوبك للتخلّي عن دورها كمُنتج بديل على الجانب السلبي (وهذا يعني تخفيض الإنتاج للحدّ من انخفاض الأسعار).

لكن التحرّكات الناتجة في النفط، وإلى أي مدى ساهمت هذه في عدم الاستقرار المالي الأعم، قد تمت المبالغة فيها، لا سيما عندما يتعلّق الأمر بالتأثيرات على القطاعات والبلدان التي تعتبر من كبار المستهلكين للطاقة والتي تستفيد من المكاسب الهائلة.

لماذا إذن حتى التغيّرات الصغيرة في هذه المُتغيّرات تؤدي إلى تحرّكات كبيرة في أسعار الأصول المالية، سواء للأعلى أو الأسفل؟ ولماذا البورصات العالمية لديها تحيّز عام نحو الهبوط؟

تشهد الأسواق المالية اثنين من التحوّلات اللاحقة، التي لا تؤدي فقط إلى تضخيم تأثير حتى أصغر التطوّرات في الصين وقطاع النفط، لكنها أيضاً تزيد من النفور من المخاطر بشكل عام وتهيئة الظروف لتطوّرات لا يُمكن التنبؤ بها أكثر.

الأول يتعلّق بالتحوّل من نظام موجود منذ فترة طويلة قام على التقلّبات المالية المكبوتة، إلى بيئة حيث عدم الاستقرار هو أعلى وأقل قابلية للتنبؤ. السبب الرئيسي هو أن البنوك المركزية هي أقل استعداداً (في حالة الاحتياطي الفدرالي) أو أقل قدرة (في حالة البنك المركزي الأوروبي وبنك الشعب الصيني) لتكون بمثابة قامع للتقلّب.

على المدى القصير، هذا التحوّل سيؤدي حتماً إلى نفور أعلى من المخاطر، والتخلص من الرفع المالي من خلال بيع الأصول، ومخاطر أقل في المحافظ الاستثمارية، مما يؤثر بشكل خاص على النماذج القائمة على المخاطر وتخصيص الأصول التي تستخدم التقلّب كمُدخل رئيسي.

التحوّل الثاني ينطوي على السيولة، والابتعاد عن الميزانيات العمومية لمواجهة التقلّبات الدورية.

مع مواجهة تشديد القوانين التنظيمية، وانخفاض رغبة السوق الحادة لانحرافات الأرباح على المدى القصير، فإن الوسطاء الماليين هم الآن أقل استعداداً بكثير للقيام بالجرد عندما تنحرف السوق. مجموعات أخرى من رأس المال، بما في ذلك صناديق الثروة السيادية، تواجه أيضاً قيوداً في زيادة اتخاذها للمخاطر.

إذا تُرك هذان العاملان بدون رادع، فإنهما سوف يُغذّيان بعضهما البعض، ما يعمِّق من الشعور العام بعدم الاستقرار المالي وانعدام الأمن.

كلما استمرا لمدة أطول، أصبح التقلب أكبر والتهديد أكثر بحدوث عواقب وخيمة في الأساسيات الاقتصادية والمؤسسية؛ وأصبح الخطر أعلى في أن عدم الاستقرار يُمكن أن يمتد عندها إلى الأسواق المالية، مما سيؤدي إلى حلقة مفرغة مُزعزعة من الاضطرابات الاقتصادية والمالية.

الخبر السار هو أن مثل هذه الديناميكيات في نهاية المطاف تستنفذ نفسها. للأسف، هذا لا يحدث إلا بعد الكثير من التقلّبات، يُرافقها خطر كبير من الانخفاضات الحادة جداً وغير المنظمة في أسعار الأصول المالية فضلاً عن العدوى. أثناء ذلك، هذا الاضطراب له تأثير مُضاد على إنفاق الشركات والأُسر، وهو ما يعني بالتالي تباطؤ النمو الاقتصادي.

هناك حل أفضل بكثير سيكون إذا كان تحسين الأساسيات يُمكن أن يدعم ويُثبت أسعار الأصول المالية، التي أيضاً قد توفّر الإطار للمشاركة المُنتجة لكميات كبيرة من النقود الموجودة الآن على الهوامش، سواء في الميزانيات العمومية للشركات أو مُدّخرات الأُسر الفائضة.

ستكون هناك حاجة لتعديلات في السياسة من أجل أن يحدث هذا، وهذه المرة، الاستجابة لا يُمكن أن تكون مسؤولية البنوك المركزية وحدها بشكل عام (والاحتياطي الفدرالي، بشكل خاص).

في الواقع، حتى إذا لجأ الاحتياطي الفدرالي إلى برنامج جديد لشراء الأوراق المالية على نطاق واسع (برنامج التسهيل الكمي الرابع “QE4”)، فإن الفعالية الاقتصادية للتدابير ستكون في محل شك كبير من البداية ما لم تكُن مصحوبة بإصلاحات هيكلية داعمة للنمو، وسياسة مالية أكثر استجابة وإزالة تهديدات الديون الراسخة.

ليست أي من هذه النتائج محتومة. ما سيحدث بعد ذلك يعتمد على الخيارات التي سيتم اتّخاذها في الأسابيع والأشهر القادمة، لا سيما من قِبل السياسيين الذين، من خلال التقاعس والمشاحنات الحزبية، قد وضعوا الكثير من عبء السياسة على البنوك المركزية لفترة طويلة جداً زادت عن الحد.

نقلا عن اليوم