فورية استجابة معظم البنوك الخليجية لقرار الاحتياطى الفيدرالى الأمريكي برفع سعر الفائدة في اتجاه معاكس للسياسة النقدية التوسعية والتحرك من معدل الفائدة الصفرية على الدولار الأمريكى والتى استمرت لمدة عشر سنواتتعكس مدى قوة ارتباط السياسة النقدية الخليجية بتحركات سعر الفائدة الأمريكية، في ظل ربط دول مجلس التعاون الخليجي عملاتها بالدولار وفقا لنظام سعر الصرف الثابت،تمهيداً للتحول إلى العملة الخليجية المشتركة في ظل التكامل الاقتصادي، وعقب اتفاقية المثبت المشترك فى مسقط عام 2002.
وقد استمرت كافة دول المجلس على هذا النحو حتى اتخذت الكويت قرارها في 20/5/2007 بفك ارتباط الدينار بالدولار والعودة مرة أخري إلى نظام سلة العملات في تحديد معدل الصرف، وعلى إثر ذلك فقد تم تخفيض معدل صرف الدولار إلى حوالى 0.289 دينار كويتي في ذاك العام، وهو ما يمثل ارتفاعاً للدينار بحوالي 0.37 %، ويمكن إرجاع تلك الخطوة إلى رغبة الكويت في الحفاظ على عملة قوية، ورغبتها في الحصول على نظام أكثر مرونة لصرف الدينار، واستمرار معدل التضخم آنذاك مرتفعاً فوق المعدل المرغوب وهو 2%، والحيلولة دون ضغوط المضاربة على الدينار الكويتي، ومع هذا مازال الدولار يستحوذ على النصيب الأكبر من سلة العملات غير المعلن عنها بالكويت.
ولاينبغى المبالغة في أثر رفع الفوائد بنسبة تتراوح بين ربع إلى نصف فى المائة، حيث أن الأثر المباشر يتمثل في ارتفاع الدولار الأمريكي بصورة أكبر على الرغم من أنه يواصل الارتفاع منذ يونيو 2014، فقد ارتفع سعر الدولار بمايزيد على 15% مقابل العملات الرئيسية بالقيمة المرجحة بأوزان (راجع الرسم البياني) وبالتالى فإن التأثيرسيكون كبيراً في شكل مزيد من الارتباك وانخفاض للعملات، وانخفاض في أسعار الصرف بالأسواق الناشئة، فضلاً عن انخفاض أسعار السندات فيها، واستمرار انخفاض نموها أيضاً.
وفي ظل ارتفاع قيمة الدولار تظل العملة الأمريكية مصدر جذب للمستثمرين حفاظاً على ثراواتهم من ناحية واستجابة للطلب على السيولة من الولايات المتحدة الأمريكية لتمويل عجزها المالي بمعدلات أعلى من السابق.
ومن ناحية أخرى وعلى الرغم من تأثر بعض العملات الخليجية بالارتفاع الكبير في قيمة العملة الأمريكية،ووفقاً لتقريرصندوق النقد الدولي، فقد استنفذت المملكة العربية السعودية حوالي 70 ملياردولار خلال عام 2015 لتمويل الإنفاق العام ودفاعاً عن سعر صرف الريال السعودي إذ وصلت احتياطياتها إلى حوالي 662 مليار دولار في نهاية العام 2015، كما انخفض سعر صرف الدينار الكويتي بنسبة 8% خلال الفترة منذ منتصف عام 2014وحتى الآن، واستقرت بقية العملات أمام الدولار بحيث تذبذبت بين الارتفاع والانخفاض بنسبة لاتزيد عن 1%، ولايمكن القول أن الدول الخليجية سوف تتوقف عن الربط مع الدولار، حيث إن صادراتها النفطية مقومة بالدولار الأمريكي، ومن ثم فإن ارتفاع الدولار يمكن أن يعوض جزء ولو يسيراً من الانخفاض في أسعار النفط الذي بات يقترب من 70% من قيمته منذ منتصف عام 2014.
كما أن ارتفاع قيمة الدولار الأمريكى من شأنه أن يحقق الحماية للفوائض المالية للدول الخليجية من التآكل عند تحويلها إلى العملات المحلية، علاوة على استفادتها من فوارق أسعار العملات الأخرى كاليورو مقابل الدولار عند تحويل الإيردات المالية النفطية إلى العملات المحلية، وانخفاض قيمة وارداتها ولاسيما الغذائية منها من المجموعة الأوربية أيضاً،ونظراً لكون الجانب الأكبر من الاستثمارات الخارجية للدولالخليجية والذي يتم عبر صناديقها السياديةمقومأيضاً بالدولار الأميركي، وكذلك الجانب الأكبر من احتياطيات تلك الدول بالنقد الأجنبي يتمثل في الدولار الأميركي فإن الاحتفاظ بربط العملات الخليجية بتلك العملة يسمح بالمحافظة على القيمة الحقيقية لتلك الاستثمارات والاحتياطيات، لكن يحدث العكس في حالة انخفاض سعر الدولار.
وعلى الرغم من بعد الارتباط الداخلي للاقتصاديات الخليجية بالاقتصاد الأمريكي، واختلاف البيئة الاقتصادية المحلية للدوول الخليجية عنها في الاقتصاد الأمريكي،إلاأن رفع سعر الخصم في الكويت بنسبة ربع في المائة و25 نقطة أساس لاتفاقيات إعادة الشراء في المملكة العربية السعودية ورفع سعر الفائدة الأساس على الودائع لليلة واحدة من 0.25 إلى 0.50 ، وفى البحرين،إلاأن معدلات الفوائد في الدول الخليجية مازالت متدنية وهي أقل من معدلات التضخم في معظم الدول الخليجية.
ومن المتوقع أن تؤدى هذه الخطوة إلى تعزيز تنافسية العملات الخليجية أمام الدولار، ورفع معدلات العوائد للمدخرين والتخفيف من حدة ظاهرة الدولرة السائدة في دول الخليج في ظل ارتفاع وجاذبية الدولار الأمريكي، أما التأثير على جانب الائتمان وارتفاع تكلفة المستثمرين، فمن المعروف غلبة القروض الاستهلاكية والقروض العقارية على هياكل الائتمان في دول الخليج حيث أن رفع الفائدة قد يؤدى إلى تخفيف حدة النمو في القروض الاستهلاية، حيث إن السيولة المرتفعة الناجمة عن انخفاض أسعار الفائدة على الودائع أدت إلى زيادة الطلب الاستهلاكي على مختلف السلع والخدمات وفي ظل محدودية العرض فى الأجل القصير يرتفع المستوى العام للأسعار.
ولايتوقع أن تتأثر أسعار العقارات برفع أسعار الفائدة، في ظل استمرار تنافسية العوائد من العقار والتي تتراوح بين 6% إلى 7%، وإن كان سينعكس إيجاباً على البنوك المحلية من خلال زيادة الهامش المتاح لديها، وتوسيع قدرتها على التفاوض مع عملائها، فضلاً عن رفع قيمة التمويل الحكومي المتوقع مع إصدار صكوك وسندات لتمويل العجز في الموازانة العامة للدولة.
كما أنه من المتوقع فإن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية يمكن أن يؤدي إلى رفع تكاليف الاقتراض الخارجي وخاصة بالنسبة للبنوك والشركات في دول الخليج التي تسعى لتنفيذ المشروعات الاستثمارية الكبرى ولاسيما التي خارج حدودها، وتبقى نظرة المستثمرين التفاؤلية والتطورات الجيوسياسية في المنطقة، والتطورات في أسعار النفط الأكثر تأثيراً من التغيرات في سعر الفائدة تلك، حيث تؤكد الدراسات الواقعية لسلوك رجال الأعمال بأن مستوى سعر الفائدة ليس عاملاً هاماً في اتخاذ القررات الخاصة بنشاطهم الاستثماري، إذ أنه في أوقات الركود بصفة خاصة وعندما تصبح الطاقة الإنتاجية فائضة فمن المحتمل أن يكون الاستثمار قليل المرونة لسعر الفائدة بمعنى أن الاستثمار لا يستجيب بسهولة لانخفاض هذا السعر.
وعلى ذلك فإن الإنفاق الحكومي هو مفتاح المرحلة القادمة، على الرغم من العجز المالي المحتمل تأثراًبانخفاض أسعار النفط وانخفاض الإيرادات الحكومية في دول الخليج، إذ تحتاح الحكومات إلى ضخ استثمارات استثنائية في مجال تطوير البنية التحتية، وضخ استثمارات جديدة تدفع النشاط الاقتصادي للنمو من قبل القطاعين العام والخاص، وذلك لتنفيذ مشروعات التنمية في مجال الطرق والصرف الصحي والخدمات المساندة لنمو القطاع الخاص،من أجل الخروج من دائرة الركود بفعل انخفاض أسعار النفط الذي تشير التقديرات إلى استمراره على هذا النحو لمدة قد تزيد عن عامين على الأقل.
المصدر : رويترز
مصدر المعلومات رويترز