في أي مهنة أو حرفة هناك قواعد عامة وخاصة، تنظم سير العمل من أجل ضمان تحقيق أكبر قدر من المنفعة، وتقليص المخاطر والتكلفة إلى الحد الأدنى الممكن.
ومن يتأمل حوله يجد ذلك في كل المهن والحرف بدون استثناء، ولا يشذ الاستثمار في البورصة عنها بأي حال من الأحوال.
ومن أجل ذلك أصدرت هيئة الأوراق المالية العديد من الأنظمة والقواعد العامة التي يجب على جميع الأطراف المعنية احترامها ضماناً للعدالة والنزاهة والشفافية.
وحرصت إدارة البورصة من جهتها على تنظيم دورات لتثقيف الجمهور بقواعد التحليل الفني التي تساعد المتعاملين على اتخاذ القرارات المناسبة للشراء أو البيع.
كما تحرص البورصة في موقعها- وكذلك تحرص مواقع أخرى عديدة متخصصة- على توفير المعلومات والرسومات البيانية المختلفة التي تساعد على فهم اتجاهات السوق.
لكن واقع الحال في بورصة قطر لا يساعد على تطبيق هذه القواعد الخاصة أو الاستفادة من البيانات والتحاليل الصادرة لأكثر من سبب منها:
أن أحجام التداولات اليومية في بورصة قطر ضعيفة جداً –Thin Market-بما لا يتناسب مع رسملة السوق ومكانتها كسوق ناشئة، ولأن التدوالات التي تعكسها المؤشرات والبيانات، تُظهر نمطاً من التدخلات التي تفسد إمكانيات تعقب الاتجاهات لحقيقية للسوق.
ولقد قمت بدراسة ما تظهرة شاشة التداول اليومية من تحرك للمؤشر العام وأحجام التداول لبورصة قطر لنحو 8 شهور في الفترة من بداية أبريل وحتى نهاية ديسمبر 2015 فوجدت الآتي:
1- إن هناك عدد 96 جلسة من أصل نحو 160 جلسة، أي بنسبة 60%، قد حدثت فيها صفقات كبيرة غيرت مسار اتجاه مؤشر السوق، وأسعار أسهم بعض الشركات بشكل مفاجئ، وغير منطقي، بما يخالف قواعد التداول ومنها:" في السوق الصاعد يجب أن نرى حجم عقود صاعد، وإذا حدث زيادة في السعر أو المؤشر رغم قلة العقود، فإن ذلك يعني عدم اهتمام، ويكون بمثابة تحذير لإمكانية حدوث انعكاس في الاتجاه.
كما يمكن أن يكون مؤشر الحجم مفيد جداً في تحديد واكتشاف إشارات الشراء، أو في التعرف على لحظات انعكاس الاتجاه صعودا وهبوطاً.
2- إن مزاد التداول في ربع الساعة الأخير أصبح محطة مهمة لإحداث التغيرات على اتجاه المؤشر العام وعلى أحجام التداول، بشكل يبدو مصطنعاً وغير حقيقي. ورغم أهمية تداولات المحافظ الاستثمارية بوجه عام في رفع قيمة التداولات، إلا أن إدارة عمليات الشراء والبيع لدى بعض هذه المحافظ لا تتم بالحرفية الكاملة التي تساعد في استقرار السوق وعدم اضطرابه.
3- أن أرقام التداولات الخاصة بالأذونات والسندات تُضاف إلى ارقام تداولات الأسهم فترفعها إلى مئات الملايين من الريالات أو أكثر من مليار ريال في لحظات، دون ان ينعكس ذلك على أسعار أسهم الشركات أو أحجام تداولاتها، مما يربك المتعاملين، أو غالبيتهم على الأقل.
الخلاصة: إن عزوف المستثمرين عن التعامل في البورصة له أسبابه الكثيرة، ولكنه تعمق في السنة الأخيرة من جراء غياب الشفافية الكاملة عمن يقوم بالتداولات المفاجئة، بحيث بات المتعاملون يفضلون الانتظار بدلاً من المخاطرة بالشراء والبيع بدون أسس واضحة.
كما أن ترفيع مرتبة البورصة عالمياً لم يساعد في تدفق الاستثمارات الأجنبية على النحو الذي كان مرجواً.