مخصص دعم الميزانية والإصلاحات الهيكلية

30/12/2015 1
محمد العنقري

أصدرت وزارة المالية بيانها عن الميزانية العامة للدولة والذي تضمن نقاطاً عديدة في غاية الأهمية للتغييرات القادمة سواء بالمالية العامة أو الهيكلة الاقتصادية وطرق الإنفاق وتوفير مصادر الدخل والتمويل للميزانية الجديدة وللسنوات القادمة، ومن الواضح أنه تم اعتماد نموذج جديد لإعداد الميزانية يختلف كلياً عن ما كان معتمداً لعقود من الزمن،

حيث تم وضع تفصيلات واسعة فيها خصوصاً بالإيرادات غير البترولية والتي نمت بشكل ملفت تُشكّل 27% من الإيرادات رغم أن هذه النسبة ارتفعت نظراً لتراجع إيرادات النفط التي تشكّل عادة 90% قياساً بأسعار الذروة خلال الأعوام الماضية، لكن بالمقابل فقد زادت الإيرادات غير النفطية لما يقارب 37 مليار ريال لتصل إلى 163 مليار ريال مقارنة بحوالي 126 ملياراً للعام السابق.

إلا أن الملفت في الميزانية الجديدة إلغاء نظام الأبواب ووضع اعتمادات للقطاعات الرئيسة ووضع مخصص لدعم الميزانية بمبلغ 183 ملياراً بهدف منح مرونة تتيح الصرف على المشاريع في حال تراجع الإيرادات عن التقديرات المتوقعة، وهذا يعني تغييراً في طريقة الإنفاق على تلك المشاريع، وأيضاً طرق اعتمادها التي ستصبح مرنة بحيث يتم اعتمادها خلال العام المالي دون وضع التزامات لها من بداية العام وتحديدها واعتمادها بالموازنة، فلن تتم الموافقة إلا على المشاريع التي لها أولوية وحاجة ماسّة وجاهزة للتنفيذ ومستوفية للشروط النظامية، وهو ما لا يحمل الميزانية أعباء ثابتة من بدايتها وبذلك تتقلص الفجوة بين المعتمد من المشاريع والمقدرة على تنفيذها، ففي السابق كان يخصص مبلغ من الميزانية لهذا البند الذي كان يُسمى الباب الرابع وقد اعتمد لها سابقاً بالسنوات العشر الماضية ما يفوق تريليوني ريال وكانت نسب التعثر مرتفعة بسبب الفجوة بين المعتمد ومقدرة الاقتصاد على التنفيذ التي هي أقل نظراً لحجم وضخامة عدد المشاريع بخلاف عوامل أخرى للتعثر، فمن المهم أن يكون الاعتماد للمشاريع يأتي وفق القدرة على التنفيذ، إضافة إلى أن هذا البند سيغطي أيضاً الحاجة لتمويل المشاريع تحت التنفيذ، وهو ما أعطي أولوية بحسب التوجيه الملكي الكريم لكي يتم تحسين الخدمات بالاقتصاد وعدم تعطيل عجلة التنمية واستكمال ما يتم العمل عليه لأن أي إيقاف لهذه المشروعات سيسبب ضرراً كبيراً للاقتصاد والخدمات عموماً ولكن يبقى الأهم في طريقة وضع هذا الدعم وبهذه الطريقة هي المرونة المطلوبة للموازنة كي يتم التحكم بالإنفاق وكذلك منع ارتفاع العجز عن المتوقع.

أما الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية فقد تضمنت أربع عشرة نقطة رئيسة ومن بينها تأسيس إدارة بوزارة المالية تقوم على وضع تصور وإعداد للميزانية لثلاث سنوات قادمة، وهذا يعني القدرة على رصد الاحتياجات وتحديد ما سينفق بالاقتصاد من الحكومة لمدة زمنية جيدة يتم من خلالها العمل على توفير الموارد اللازمة لتغطية نفقاتها وعدم الخروج عن السقف الذي ستحدده هذه الإدارة للموازنات القادمة.

أيضاً ورد من بين النقاط رفع كفاءة الإنفاق وهو مطلب مهم وطرح كثيراً من أصحاب الرأي الاقتصادي منذ سنوات كي يستفيد الاقتصاد من الإنفاق العام بجودة ومعايير أكثر تأثيراً إيجابياً، فالعبرة ليست بحجم الأرقام والمشاريع التي تعتمد بل بكفاءة تنفيذها وانعكاسها على المواطن والاقتصاد عموماً، فالجودة وإيقاف الهدر والتوازن بطرح المشاريع من حيث نوعها وحجمها هو الأهم للاقتصاد لرفع كفاءة الإنفاق.

وأيضاً تضمنت الإصلاحات تحسين بمنهجية إدارة أصول الدولة ويفهم من ذلك أن تغييراً سيظهر باستثمارات الدولة سواء بصناديقها الاستثمارية او احتياطياتها الخارجية بما يرفع العائد ويعطي قيمة مضافة سواء لموارد الخزينة أو للاقتصاد، فصندوق الاستثمارات العامة يبلغ حجم أصوله 700 مليار ريال، ولا بد أن تزداد استثماراته وعوائدها لتصل إلى أرقام أفضل وأكبر إضافة للاحتياطات المستثمرة بالخارج والتي ترتبط أغلبها بالسندات قليلة المخاطر لكن عائدها يبقى محدوداً جداً ومع حجم يصل إلى 2.5 تريليون ريال، فإنه بالإمكان تحقيق عوائد لا تقل عن 5 إلى 10 % أي ما يقارب 125 مليار ريال إلى 250 ملياراً ولا يعرف كثيراً كم عائدها لكن أغلب المعلومات التي تصدرها مؤسسات مالية متخصصة تقدر العائد عند 1 % لجزء كبير من الاستثمارات بالسندات الدولارية فمن المهم أن تكون العوائد للاستثمارات أعلى من خدمة الدين للسندات الحكومية التي أصدرت مؤخراً بحجم 95 مليار ريال وتقارب الفوائد عليها 2.7 %.

كما ورد بالبيان أنه ستتم مراجعة الإنفاق الاستثماري وتحديد الأولويات وترتيب ما يحتاج الاقتصاد لرفع كفاءة الإنفاق كما سيتم تحسين الأداء من خلال إدارات المشاريع بالجهات الحكومية التي يتوقع أن تعتمد أو قائمة بحيث يتحسن الأداء بالاقتصاد فمن المعروف أن الحكومة هي أكبر منفق بالاقتصاد بالسنوات الماضية.

كما أن مراجعة أسعار الدعم قد بدأت ولكنها لن تتوقف عند هذه الحدود بل سيتم مراجعتها على مدى السنوات الخمس القادمة وهو التحول الكبير بالاقتصاد والإصلاح الذي طالما نوقش وكثيراً ما تمت المطالبة بمعالجة هذا الملف فالدعم يستفيد منه المستهلك الكبير فقط قطاع الأعمال والحكومي والأثرياء وتصل نسبة استفادتهم لأكثر من 70% بينما الطبقة المتوسطة ومحدودة الدخل لا تستفيد بأكثر من 30 بالمئة رغم أنها المستهدفة وتشير الكثير من الدراسات إلى أن فاتورة الدعم تتخطى 400 مليار ريال سنوياً بالوقت الذي يمكن إعادة توجيه الدعم وتحسين دخل المواطن من خلال توزيعه عليه إما ببدلات أو رفع للرواتب ليستفيد منه مباشرة وبنسبة كبيرة من مستوى فاتورته.

كما أن إنشاء إدارة للدين العام يُعد أمراً مهما بعد العودة لإصدار سندات تنمية بالعام المالي السابق، وبذلك لا بد فعلياً من إدارة الدين العام بطرق مختلفة ويتم من خلالها تحديد طرح السندات جغرافياً وأيضاً بالعملة، فمن المهم إعادة نمو المعروض النقدي بشكل أفضل الذي لم يحقق سوى 2.5% بسبب تراجع أسعار النفط وهو معدل بطيء ويعلق الجرس لتحديات أمام نمو الإقراض بالاقتصاد لقطاع الأعمال فقد كان نموه في العام السابق 10% ولذلك فإن وجود إدارة للدين العام سيحقق الغرض المهم من اختيار طرق التمويل الأنسب للاقتصاد.

كما أن التوجه للخصخصة وتغيير بالرسوم والغرامات وتنشيط القطاع الخاص بفتح الفرص الاستثمارية أمامه بوتيرة أوسع سيكون عنواناً كبيراً بالمرحلة القادمة لتخفيف الأعباء وزيادة الإيرادات، مما يعني أن دور الجهات الحكومية بالتشغيل والإدارة والاستثمار سيتراجع لصالح القطاع الخاص، وهو تحول كبير وحساس ولا بد أن يدار بالطريقة التي تناسب اقتصادنا حتى لا يكون هناك منفعة لطرف وضرر على أطراف أخرى خصوصاً المواطن، فتجارب الخصخصة في فرنسا وبريطانيا ومصر على سبيل المثال لم تكن كلها ناجحة، ولم تكن لأسباب مشابهة لوضعنا الاقتصادي، من جهة أخرى فأهمية تحديد نوعية الاتجاه لهذا الإجراء يجب أن تنبع من الاحتياج وديمومة الفائدة بالمستقبل.

الميزانية جزء أساس من الاقتصاد ومؤثر بنسبة عالية بالنمو الاقتصادي والكثير من التحديات أظهرها بيان المالية عن الموازنة للمحافظة على النمو الاقتصادي المستدام، فمن المعروف أن تكاليف الخروج من الركود الاقتصادي تفوق أضعاف المحافظة على النمو، ولذلك فإن تغيير إدارة الإنفاق العام وتوجهاته وأيضاً دور الأجهزة التنفيذية بذلك سيكون هو المحدد لمدى الاستفادة من التغييرات الجديدة بالميزانية وتحديد القدرة على تجاوز الآثار السلبية لتراجع أسعار النفط وامتصاص تبعات تراجع النمو بالاقتصاد العالمي فزمن الاسترخاء والاستناد على موارد نفطية كبرى تغطي أي قصور قد أصبح خلفنا، ولن يكون أمامنا إلا الأداء الفعّال والجودة بالمخرجات.

نقلا عن الجزيرة