تحدثنا في مقال سابق عن الجانب الاختصاصي في القضية الشهيرة والتي تم تغريم الشركة العتيقة الوقورة بغرامة باهظة قدرها 10 ملايين ريال، وفي هذا المقال بيان لما ورد في المخالفة التي عوقبت الشركة لأجله،وهو الوضع المهيمن (Dominant Position).
فقد عرف المنظم السعودي الهيمنة بأنها وضع تكون من خلاله المنشأة أو مجموعة مُنشآت قادرة على التأثير في السعر السائد من خلال التحكم في نسبةٍ مُعينةٍ من العرض الكُلي لسلعةٍ أو خدمةٍ مُعينة.
وهذا التعريف معيب، لذكره طريقة الوصول للوضع المهيمن، والتعريفات يفترض أن تخلو مما يزيد على بيان المقصود.
ونلحظ أن القانون الأردني للمنافسة تلافى ذلك فعرف الوضع المهيمن بأنه الوضع الذي تكون فيه المؤسسة قادرة على التحكم والتأثير في نشاط السوق .
ومثله القانون الإماراتي الاتحادي للمنافسة، وقانون المنافسة السوري.
( 1) نظام المنافسة السعودي م2.
( 2) قانون المنافسة الأردني لسنة 2004 م، م 2.
وقريب من التعريف السابق، تعريف بعض القانونيين المختصين في المنافسة للوضع المهيمن بأنه الوضعية التي تكون فيها المنشأة أو مجموعة منشآت قادرة بحكم قوتها السوقية على التأثير في السوق والتنصل من منافسيها لفترة معقولة.
وعرف الوضع المهيمن بأنه الوضع الذي تخضع عنده المنشأة للرقابة المنصوص عليها في التنظيم، بحيث لا تؤدي عملية التركز إلى قيام احتكار يؤثر سلبا في السوق.
ويرى الباحث أن هذا التعريف معيب، لكونه عرف الهيمنة بنتيجتها، ولم يميزها عن غيرها من الأوضاع.
وأوضح تعريف للهيمنة، مع اختصاره ما ورد في القانون القطري للمنافسة بأن الهيمنة هي قدرة الشخص أو مجموعة أشخاص تعمل معاً في التحكم في سوق المنتجات، وإحداث تأثير فعال على الأسعار أو حجم المعروض بها دون أن تكون لمنافسيهم القدرة على الحد من ذلك.
علماً بأن قوانين المنافسة، لا تحظر الوضع المهيمن ذاته، وإنما يحظر استغلال هذا الوضع، كما تجدر الإشارة إلى أن الوضع المهيمن كما يمارس من طرف منشأة واحدة، يمكن أن يمارس بشكل جماعي من منشآت عدة، وذلك عندما تستخدم منشآت بشكل جماعي سلوكا مشابها لما تمارسه المنشأة المهيمنة نحو عملائها ومنافسيها، وحتى نكون أمام وضع مهيمن جماعي ينبغي توافر الآتي:
1.أن تمارس المنشآت نشاطها داخل السوق نفسه.
2.ألا تكون المنشآت في حال تنافس فيما بينها، إذ غياب التنافس مؤشر على وجود روابط بينها.
( 3) القانون الإماراتي الاتحادي رقم (4) لسنة 2012م – بتاريخ24 ذي القعدة 1433هـ - الموافق: 10 أكتوبر 2012م - في شأن تنظيم المنافسة – م 1.
( 4) قانون المنافسة ومنع الاحتكار السوري- م2.
( 5) التقرير الوطني حول سياسة وقانون المنافسة في تونس ص 35.
( 6) الاحتكار والممارسات المقيدة للمنافسة ص 188.
( 7) القانون القطري لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية - رقــم (19) لسنة 2006م، م 1.
وقد اتجهت العديد من الدول إلى إغفال تعريف الوضع المهيمن (الهيمنة) ليتاح إلى القضاء والشراح تعريفه حسب التطور التجاري، وهو ما اتجه إليه المنظم الفرنسي وتبعه بعض الدول العربية كتونس والجزائر والمغرب.
وقد انتهى مجلس المنافسة الفرنسي من خلال التقارير الصادرة عنه إلى تحديد الممارسات التي تميز تعسف المنشأة المهيمنة فتوصل إلى أن التعسف ينحصر عادة فيما يلي:
1)القيام بالممارسات التي يكون الغرض منها أو يمكن أن يترتب عنها إقصاء المنافسين أو منع منافسين جدد إلى السوق المهيمن عليها.
2)القيام بممارسات يصعب على أي منشأة منافسة أن تقوم بها دون أن تعرض مصلحتها في السوق للخطر.
واصطلاح المركز المهيمن أو المسيطر (Dominant Position) هو المستعمل في القوانين الأوروبية، ويقابله في القوانين الأمريكية مصطلح "المركز الاحتكاري"، وهو المستخدم في قانون شيرمان، فمفهوم المركز المسيطر ومفهوم القدرة على الاحتكار متفقان – حسب توجه القضاء الأمريكي – فقد تم تحديد القدرة على الاحتكار بأنها القدرة على رفع الأسعار أو تفادي المنافسة.
ومن المهم جدا استخلاص مفهوم المركز المسيطر من الأحكام القضائية المقارنة، ففي أحد الأحكام الفرنسية ذكر أن المركز المسيطر هو قدرة المشروع الاقتصادية التي تمكنه من منع المنافسة الحقيقية في السوق وتسمح له بالتصرف بحرية ودون ضغط من المنافسين أو العملاء أو المستهلكين، وفي حكم آخر قررت المحكمة أن المشروع يكون في مركز مسيطر عندما يحوز حصة كبيرة من السوق لفترة من الزمن".
( 8) حماية المستهلك من الممارسات المنافية للمنافسة – للدكتور محمد الشريف كتو – مجلة الإدارة بجامعة مولود معمري –تيزي إوزو - ع 23 ص 61، وقد خلت قوانين المنافسة لتونس والجزائر والمغرب من تعريف الهيمنة.
(9 ) في مجال عدم الإخلال بالأسعار وحماية المنافسة ومنع الاحتكار للدكتور أحمد محمد محمود خلف ص 84.
( 10) الحد من آليات الاحتكار – منع الإغراق والاحتكار من الوجهة القانونية للدكتورة أمل محمد شلبي، ص 107.
( 11) التنظيم القانوني للمنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية – عدنان باقي لطيف ص 129.
( 12) مدى مخالفة الاندماج والسيطرة لأحكام المنافسة التجارية للدكتور أحمد الملحم – مجلة الحقوق ص 69.
وعرفت السلطات القضائية للاتحاد الأوروبي المركز المسيطر بأنه "قوة اقتصادية محوزة من طرف منشأة والتي بموجبها تستطيع إعاقة المنافسة الفعلية في السوق وانتهاج سلوك يتسم بقدر كاف من الاستغلال اتجاه منافسيها وعملائها وأخيراً إزاء المستهلكين.
ومن خلال التعريف يتضح أن الاستغلال التعسفي يتطلب لقيامه توافر عنصرين هما:
العنصر الأول: توفر سلطة مطلقة للمنشأة تمكنها من فرض شروطه في السوق.
العنصر الثاني: إخضاع المنافسين لسلوك المنشأة المنفرد.
(13 ) في مجال عدم الإخلال بالأسعار وحماية المنافسة ومنع الاحتكار للدكتور أحمد محمد محمود خلف ص 84.
( 14) حماية المستهلك من الممارسات المنافية للمنافسة –محمد الشريف كتو – مجلة الإدارة بجامعة مولود معمري –تيزي إوزو - ع 23 ص 61. الحد من آليات الاحتكار – منع الإغراق والاحتكار من الوجهة القانونية للدكتورة أمل محمد شلبي، ص 108.
عرض ممتاز جزاك الله خير.