ما علاقة المنافسة الأمريكية - الصينية بأحداث الشرق الأوسط؟

03/10/2024 1
محمد العنقري

بعد عام من الهجوم الاسرائيلي على غزة، وما تسبب به من قتل وتهجير لسكانه المدنيين ودمار كبير جداً بالمباني والمرافق والبنية التحتية التي كان تبريرها غير المنطقي بأنها رد على عملية قامت بها حماس أدت لأسر وقتل اسرائيليين، إلا أن تل ابيب لم تتوقف عند هذا الحد، فبدأت حرباً جديدة منذ اسبوعين ضد حزب الله بلبنان؛ بحجة حماية شمال اسرائيل والتي استخدمت فيها عنصر المفاجأة باغتيال قياداته وعلى رأسهم أمينه العام، بالإضافة لرصد وتدمير آلاف المواقع للحزب، وكأن النية متجهة لإنهاء الميليشيا التي تحكم لبنان وتعتبر رأس الحربة بمشروع ايران التمددي الذي يمثل لها ايضا جدار الدفاع عنها بعيداً عن حدودها وتشغل به اسرائيل؛ حتى تتمكن من تطوير برنامجها الصاروخي وكذلك امتلاك السلاح النوري كي تصبح ذات نفوذ واسع بالمنطقة.. لكن كل ذلك الذي اعتبروه نجاحاً لمشروعهم مع حلفائهم على مدى عقود مضت تحول المشهد فيه إلى شبه انهيار كامل للمشروع، وتدمير كل ما بنته وانفقت عليه اموالا طائلة، واصبح السؤال العريض لماذا انقلبت الامور بهذا الشكل السريع بعد أن قيل لسنوات إن كل ما يجرب بالمنطقة هو برضا أمريكي للدور الايراني ومحورها.

إن الجواب على هذا السؤال لا يأتي من منطقة الشرق الاوسط بشكل اساسي، بل من خلال فتح ملف المنافسة الكبرى بين أميركا والصين في السباق بينهم على قيادة العالم، فواشنطن تريد الحفاظ على مكانتها كأكبر اقتصاد عالمي والقوة العسكرية والسياسية ومالكة التكنولوجيا، وبكين تعمل على أن تستقل تكنولوجياً وان تتسيد التجارة العالمية بنطاق اوسع من الحالي؛ لتكون اكبر قوة اقتصادية ويسمح لها ذلك بان تكون لاعباً سياسياً دولياً مؤثراً، وتنتشر عسكرياً لحماية مصالحها كحال اي دولة عظمى عبر التاريخ.

بالعودة إلى تفاصيل هذه المنافسة فإن الصين وبعد أن اطلقت مبادرة الحزام والطريق عام 2013 توسعت تجارتها بنسب كبيرة، وهي الاولى بلا منازع وتكاد تكون اكبر شريك تجاري لأي دولة بالعالم وهي كذلك فعلياً مع اميركا والاتحاد الاوروبي اكبر قوتين اقتصاديتين بالعالم والميزان التجاري لصالحها بهامش كبير جداً، لكن بالنظر إلى تمدد الصين تجارياً واقتصاديا المبني على خطط دقيقة وتوزيع جغرافي مميز وتواجد بأفريقيا ضخم جدا التي تعد رئة الاقتصاد العالمي القادمة بقوة بنمو سيتضاعف ثلاث مرات حتى 2040.

فان ذلك مع اجمالي شراكاتها بمبادرتها الحزام والطريق التي وصلت إلى 69 دولة تقريباً وتمددها في الحديقة الخلفية لأميركا في دول مثل المكسيك والبيرو؛ لتكون قريبة من سوق اميركا اللاتينية والشمالية ببضائعها عبر موانئ ومصانع تبنيها بهذه الدول، مما يعني أن هذا الانتشار سيمنحها تفوقاً لا يمكن اللحاق به وسيزداد الطلب على اليوان ويتقلص على الدولار، وهذا بدوره سيضعف مكانة اميركا وقد يؤدي لكوارث مالية واقتصادية فيها؛ لان الدولار يحميه الطلب العالمي عليه لأنه عملة الاقتراض والاحتياطي والتبادل التجاري الاولى بالعالم، بخلاف تراجع نصيبها من سوق الصادرات وكذلك التصنيع الداخلي مما يعني افول النجم الامريكي قبل العام 2050 على ابعد تقدير.

وعندما ارادت اميركا التحرك لتحجيم تمدد قوة الصين تجاريا واقتصاديا انشأت تحالف ايكيوس مع بريطانيا واستراليا، وضمت دولاً اضافية بمبادرات امنية في مناطق حول الصين، واطلقت مبادرة اعادة بناء العالم لمواجهة الحزام والطريق، لكنها اخطأ بالانسحاب من الشرق الاوسط بفترة اوباما مما اوجد مجالا رحباً لتكون الصين الشريك الاهم لهذه المنطقة التي تتمتع بأكبر احتياطي نفطي وكذلك للغاز بالعالم وهي صمام امان امدادات الطاقة، والصين تريد استقرار الامدادات لها لتحقق تنمية مستدامة وريادة انتاجية وتصديرية عالمية خصوصا بعد الاتفاقية مع ايران لاستثمارات بحوالي 400 مليار دولار في 25 عاماً نصفها بقطاع النفط والغاز، لتحصل على كميات منه بسعر يقل 12 بالمائة عن اسعار السوق مع امكانية اقامة قواعد عسكرية، فهذا التوجه ادى لتغيير اميركي باستراتيجيتها والعمل على استعادة قوة تحالفاتها مع الشرق الاوسط، ودعم تحول الهند لتكون منافس الصين الاكبر بالإنتاج الصناعي والتصدير، وحتى تستطيع عمل شراكات مع الشرق الاوسط كان لابد لها أن تعمل على اعادة الاستقرار له وانهاء كل مظاهر الفوضى بالدول التي تحولت لفاشلة او منهكة اقتصاديا وغير مستقرة ورفع الغطاء عن كل المليشيات والجماعات التي غضت الطرف عنها لنشر الفوضى.

وهو ما يفسر هذا الهجوم العنيف على حزب الله تحديداً لأنه من ادوات زعزعة الاستقرار وحول لبنان لدولة مدمرة اقتصادياً وعملة منهارة، اضافة لجرائمه بدول عديدة وهو ايضا ذراع ايران ورأس حربتها الذي يكسر الان لكي تعود مستقبلا لحجمها الطبيعي ويتم اخراجها من كل الدول التي تمركزت بها، وصولا إلى أن تتغير سياسة ايران نفسها بتغليب الرأي الاصلاحي والتوجه للتنمية مما يعني قطع الطريق على الصين بما لا يسمح أن يكون طريق تجارتها الاسهل لأوروبا يمر من ايران، وبعد ذلك ستقيم اميركا تحالفات اوسع نطاقا مع دول اوراسيا لتفصل الصين عن روسيا التي دخلت عامها الثالث في حربها مع اوكرانيا دون اي حسم، وقد تمتد لسنوات وبكل الاحوال ستكون مرهقة من العقوبات وخسائر الحرب لتكون اميركا بعد ذلك في وضع المتفوق على الصين، حيث تحيط بها من عدة جهات وتنافسها بخطوط التجارة ودعم دول اخرى تأخذ من حصتها عالمياً وتحجم نموها الجامح كي تبقى هي المتفوقة عالمياً، وهذا لا يعني أن ما تقوم به اميركا قابل للنجاح فالصين دولة قوية وراسخة في شرايين الاقتصاد العالمي وبعلاقات دوية عميقة.

هذا المشهد ملامحه ظاهرة منذ سنوات وعندما اخطأت اميركا بحساباتها عادت لتصححها، وهي الان تنهي سياسة ادارة الصراعات والامساك بخيوط اللعبة بالعالم لمرحلة الحسم والاستقرار وتحول الشرق الاوسط لأوروبا جديدة تلك التي تحالفت معها بعد الحرب العالمية الثانية ونهضت لتشكلا معاً نصف الاقتصاد العالمي تقريباً، وهي تتجه لإقامة شراكات بالمنطقة تشابه ما حدث بأوروبا سابقاً، ولذلك فإن ما يطرح من تحليلات حول أن ايران باعت حزب الله وغيره من اذرعها ومن سيأتي دوره غير منطقي؛ لان ذلك يشبه عمل من يطلق الرصاصة على قدمه لكن الواقع أن الظروف والتحولات الكبرى بالعالم وعدمية استمرار سياسة مشاريع تصدير الثورات وخلخلت الاستقرار والتمدد الفاشلة حانت نهايتها، ليبدا كتابة تاريخ جديد القادة فيه هم صناع التنمية والازدهار ودعاة السلام والرؤي الاقتصادية العظيمة.

 

 

نقلا عن الجزيرة