خلال الأيام الماضية فرحنا ونحن نشاهد النشاط الفعال لمجلس الاقتصاد والتنمية لصياغة اللمسات شبه النهائية، لرؤية جديدة وطموحة لبلادنا حفظها الله "المملكة 2020" تهتم بعدة قطاعات في البلد، لم تعلن بعد تفاصيلها ولكني مؤمن بأنها ستضعنا على الطريق الصحيح بإذن الله لبناء اقتصاد مستدام خاصة إن كانت مراجعة سياسة الدعم الحكومي ستكون من ضمن البرنامج.
بحسب تصوري، أن الهدر في الانفاق والدعم الحكومي طوال الفترات الماضية لم يكن بلا هدف، بالعكس فقد كان يهدف بجدية في تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل القومي الذي عشنا معه طوال العقود الماضية، الخبر الجميل هو أننا حققنا هذا الهدف حيث تبين بيانات مصلحة الاحصاءات أن الناتج المحلي السعودي خلال السنوات الماضية أصبح أكثر من نصفه من مصادر مختلفة غير النفط.
لكن لتحقيق هذا الهدف، قامت السعودية بتقديم مئات المليارات من الريالات كدعم حكومي لعدة قطاعات طوال العقود الماضية واستثمرت في قطاعات اقتصادية متعددة أيضا، ومع الأسف لم تقم هذه الخطط بوضع خطط لإيقاف برامج الدعم أو خطط للتخارج من الاستثمارات فاستمرت لعقود طويلة إلى درجة عدم فهمنا اليوم لوجود دعم واستثمارات حكومية لا داعي لها في عدة قطاعات حيوية.
الدعم والاستثمار الحكومي له إيجابياته وسلبياته، بعضها عشناها الفترة الماضية وبعضها مازلنا نعايشها حتى الآن خاصة سلبياتها.
ايجابيات الدعم والاستثمار الحكومي خلال العقود الماضية متعددة وكثيرة فمن ضمنها الدعم الذي تم تقديمه عن طريق صناديق التنمية للسكن والزراعة والصناعة، وغيرها التي اخرجت لنا اليوم الصناعات التحويلية والمساكن وغيرها. أما السلبيات فهي محدودة ولكن آثارها من الممكن أن تكون اكبر من الايجابيات.
حاليا، الكثير من الصناعات التحويلية التي تم دعمها خلال الفترة الماضية معرضة للمخاطر بسبب توقف الدعم حيث لم يكن هناك خطط واضحة لانهاء هذا الدعم بطريقة تساهم في استمرار ونجاح هذه الصناعات، ونفس السيناريو من المرجح حدوثه في قطاعات اخرى كالزراعة.
وفي الجانب الآخر، القطاعات التي توجهت اليها الاستثمارات الحكومية تعاني في هيكلها من احتكار الشركات الحكومية (أو شبه الحكومية) لسوق القطاع مما أثر سلبا على نموه وكفاءة وفعالية الأعمال التجارية فيه.
قطاع النقل على سبيل المثال يعاني من احتكار شركة النقل الجماعي والخطوط السعودية لقطاعي النقل العام والجوي، مما أدى الى تدني مستوى جودة الخدمات في هذا القطاع طوال العقود الماضية وأثر سلبا على توسع الأعمال فيه.
لا احتاج لسرد أمثلة لسوء جودة خدمات القطاعين فنحن نعايشها يوميا، وشهدنا كيف أن هذين القطاعين لم يواكبا التوسع في اقتصاد البلد بشكل جيد مما أثر على جودة الخدمات وكفاءة الأعمال في القطاعات التنموية الأخرى في البلد.
في الجانب الآخر، عايشنا الجوانب الايجابية من تخارج الاستثمارات الحكومية من قطاع الاتصالات الوطني خلال العقدين الماضيين، فتكلفة خط الجوال انخفضت من 10 الاف ريال وقت اطلاقه من الوزارة إلى صفر في الوقت الحالي، بالإضافة إلى تحسن مستوى جودة خدمات القطاع وكفاءته حاليا، وذلك بسبب ضعف الاحتكار الذي صاحب بداية حياة القطاع.
الدعم والاستثمار الحكومي يعتبران أدوات مهمة ومعقدة ومن الممكن أن تكون آثارها السلبية معطلة للاقتصاد خاصة إن كانت تستخدم لتحقيق هدف غير واضح كتنويع مصادر الدخل القومي.
إن كان لا بد من استخدام هذه الأدوات فمن الأفضل أن يتم تغيير الهدف إلى "تنويع مصادر الدخل الحكومي" فعندها سنتمكن من تلافي الهدر في الانفاق ويصبح الدعم الحكومي منتجا وليس مستهلكا فقط.
نقلا عن الرياض
مقال جميل يشكر الكاتب القدير السويد