يبدو أن الصين بدأت في جني ثمار سياستها المالية، وتجاوز الأزمة المالية الأخيرة التي هزت معظم الأسواق العالمية بعد أن خفضت عملتها بصورة مفاجئة في اغسطس الماضي مما أحدث ربكة في الأسواق.
وكان قد وصف محللون السياسة المالية في الصين بأنها تسير في الإتجاه السليم، ولكن تحتاج لشفافية وثقة أكثر نحو تحرير عملتها اليوان، وهاهو صندوق النقد يؤكد هذه النظرة بعد اصداره قراراً بالموافقة على إنضمام العملة الصينية في الأول من اكتوبر 2016م الى نادي العملات الأربع المكونة لحقوق السحب الخاصة لدى الصندوق.
وهذا التوجه سيعزز إمكانية ظهور اليوان كنجم للعملات العالمية، خصوصا بعد استعادة الاقتصاد الصيني لمكانته وتأثيره العالمي.
ولكن ماذا بشأن الفائدة الأمريكية المرتقبة في ديسمبر الحالي؟ والتي بات من المؤكد قيام الإحتياطي الفدرالي برفعها في الإجتماع القادم، تمهيداً لإستقبال سياسة مالية جديدة، لن يطال أثرها فقط الإقتصاد الأمريكي بل سيمتد ليشمل كل الإقتصادات الناشئة حول العالم، والتي ظلت طيلة الفترة السابقة في حالة عدم إستقرار وترقب لقرارات الفدرالي، والتي باتت أمراً واقعاً حسب كل الوقائع.
ولا شك بأن الأسهم الأمريكية ستكون المتضرر الأول والمباشر من هذه الخطوة وسنشاهد إنخفاضاً ملحوظاً في اسعارها بسبب أسعار الفائدة التي ستشجع الأموال الى الإستثمار في الودائع والسندات الأمريكية، وقطعاً سيمتد الأثر الى معظم الإقتصادات الناشئة كما أسلفنا، وستشهد اسواقها المالية بعض الركود، نسبة لنقص السيولة وهروب رؤوس الأموال.
ولكن في تقديرنا، حتى سياسة رفع الفائدة لن تكون كتلة واحدة، وإنما سترفع بنسب ضئيلة على فترات مختلفة، حتى تمتص الصدمات المتوقعة، وهذا الأمر بدوره سرعان ما سيعيد الى الأسواق ثقتها وإنتعاشها، ولكن سيظل الإنتعاش في ذات المستويات الحالية بسبب أسعار النفط المتدنية عند 40- 44 دولار للبرميل، وهذا بدوره ربما يدعم إنتقال رؤوس الأموال نحو السوق الأمريكي ومنطقة اليورو في الأمد القصير، ولكن بحذر.
ولا نستبعد معاناة الإقتصاد الأمريكي، بعد قرار رفع الفائدة، فهذا سيقود الى خسائر كبيرة على الشركات الصناعية الكبرى وشركات النفط الصخري التي تعتمد على القروض البنكية، وسيزيد من تكاليف الإقتراض وشح السيولة المتوقعة، بالإضافة الى هبوط أسعار الأسهم، وايضاً ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات سيساهم بشكل كبير في تراجع الصادرات الأمريكية.
وعلينا أن نضع في الإعتبار، النمو القوي الذي تشهدة منطقة اليورو، ومجهودات المركزي الأوربي في اتجاه دعم هذا النمو، عن طريق سياسة التيسير الكمي ودعم السيولة في الأسواق عبر خفض نسبة الفائدة على الودائع، وهذه السياسة ستدعم اليورو عالمياً، وقد نشهد في 2016م صعود لنجومية اليورو جنباً الى جنب مع اليوان الصيني.
ولكن نعود ونقول، بأن للسياسة المالية دائماً نتائج دائرية، لا تخرج عن مسار الدورة الإقتصادية، فسياسة رفع الفائدة الأمريكية سيكون لها مردود ايجابي على الاقتصادات الناشئة ولكن في الأمد البعيد، وإنتعاش منطقة اليورو بالإضافة الى استعادة الصين لعافيتها الإقتصادية تدريجياً، كل هذه عوامل ستدعم عودة الثقة الى الإقتصاد العالمي، وستزيد من فرص الإنتعاش في الأسواق الناشئة، وسيظل 2016 عام مفصلي ومهم لتحديد السياسة المالية العالمية الجديدة، ومسار رؤوس الأموال.
بصراحة مقال فى غاية الدقة والتحليل لك وافر الشكر الأستاذ نورالدين