مسار دورة الاقتصاد العالمي.. إلى أين؟

30/12/2015 0
نور الدين عثمان

كل المؤشرات تتحدث عن المزيد من التراجع في أسعار النفط، وبقائها على مسار التراجع خلال الربع الأول للعام 2016، وحتى اليوم لاتوجد سياسة إقتصادية إتخذتها أي من الدول المنتجة للنفط تدعم صعود الأسعار لتستعيد عافيتها على المدى القريب.

منظمة أوبك ترفع سقف الإنتاج إلى أعلى حد تاريخي لها فوق الـ 31 مليون برميل يومياً، لتكسب معركة الحصص السوقية، وكبح جماع شركات إنتاج النفط الصخري الأمريكية، إيران تتحدث عن إمكانية تعاملها مع أسعار النفط دون ال30 دولاراً للبرميل، روسيا تكثف إنتاجها النفطي وتفتح مناطق إنتاج جديدة، وأخيراً الولايات المتحدة تفك حظر تصدير النفط الأمريكي.

كل هذه السياسات تصب في إتجاه زيادة المعروض من النفط، في مقابل زيادة طفيفة على الطلب العالمي مما فاقم من مشكلة تخمة المخزون، وزيادة الضغط على الأسعار، والكل ينتج ويزيد في الإنتاج ويبيع بالأسعار الحالية دون أي تحرك في اتجاه لجم مسيرة الإنخفاض، وهنا يبرز السؤال المنطقي، لمصلحة من تظل أسعار النفط مستمرة في الإنخفاض؟..

ما لا شك فيه، هناك دول كثيرة، تعتمد إقتصاداتها على الإستيراد النفطي، إستفادت من هذا الهبوط السعري، الذي أوجد لديها فائض في الميزانية، وإنخفاض ملحوظ في تكاليف الإنتاج، وزيادة في المخزون الإستراتيجي  للنفط لديها، على العكس تماماً من الدول المنتجة التي تضع ميزانيات عامة بحساب توقعات أسعار مرتفعة لنفطها، مما أوجد لديها عجزاً ملحوظاً وتراجعاً في الإيرادات العامة، رغم هذا ليس بمقدور أي دولة إتخاذ قرار بتخفيض الإنتاج في الوقت الحالي، حفاظاً على حصصها السوقية كما تفعل أوبك والدول المنتجة خارج المنظمة، فالهدف الحالي ليس دعم الأسعار بقدر ما هو التواجد في السوق والمحافظة على هذه الحصص.

الوضع الإقتصادي اليوم ضبابي جداً، والسياسة المالية مرتبكة، خصوصاً بعد خطوة زيادة الفائدة على الدولار الأمريكي بربع نقطة أساس بعد سياسة تيسير كمي إستمرت لعشر سنوات، أنعشت الإقتصاد الأمريكي وقلصت بشكل ملحوظ معدلات البطالة، وحركت السيولة في السوق، ورفع الفائدة جاء تحفيزاً للإدخار لتقليص هذه السيولة، وستستمر مسيرة رفع الفائدة بالتدرج حتى تصل الى 3.5% في 2018 كحد مستهدف، وهذا سيزيد من وتيرة إرتباك حركة رؤوس الاموال،  وأيضاً مردود هذه الخطوة سيؤثر بشكل مباشر على صادرات الدول المتعاملة بالدولار بما فيها صادرات الولايات المتحدة نفسها، نسبة لإرتفاع قيمة الدولار،بالإضافة الى هروب رؤوس الأموال من الإقتصادات الناشئة في المدى المتوسط لتجني أرباح الفائدة على الدولار والذي بدوره سيؤثر سلباً على على أداء أسواق المال حول العالم بما فيها الأسواق الأمريكية،  وهذا إرباك إضافي لميزانيات 2016.

إرتفاع قيمة الدولار مضافاً إليه الإنخفاض المستمر في أسعار النفط، دون شك سيساهم بشكل مباشر في تراجع الإستثمارات، وإرتفاع تكاليف الإنتاج، بالنتيجة سيقود لحدوث ركود إقتصادي، قد يستمر لحين إتخاذ سياسات مالية مركزية تعيد إنعاش الأسواق، وتعزيز موقف السيولة والتي بدورها ستعيد الثقة للمستثمرين والقدرة الشرائية للمستهلكين.

كل المشاهد تعكس اتجاه معظم الإقتصادات الناشئة الى إتخاذ سياسات مالية تتعايش بموجبها مع الإنخفاض المستمر في أسعار النفط، وتتجه الى تنويع مصادر الإيرادات، ورفع الدعم عن السلع، وتحرير العملات، بالإضافة الى تنويع مصادر الطاقة، وإدخال إصلاحات جوهرية تزيد من مناعتها ضد التقلبات الإقتصادية، وهذا الإستقرار بدوره سيحفز النمو الإقتصادي وسيساعد على جذب رؤوس الأموال وزيادة الإستثمارات وهذا في تقديرنا سيضع الإقتصادات الناشئة على منحنى الإنتعاش مرة أخرى.