ضرورة التحول نحو.. "اقتصاد المعرفة"

14/11/2016 0
نور الدين عثمان

حتى نتمكن من شرح مفهوم الاقتصاد القائم على المعرفة، علينا قراءة مراحل التطور التاريخي والنمط الاقتصادي الذي ساد في كل مرحلة، إذ كانت الخصائص التي ميزت العصور السابقة وتحديداً ماقبل العام 1800 الاعتماد على فلاحة الأرض، وكان الاعتماد الاساسي على نمط الإنتاج الزارعي عموما (فلاح – أرض)، ثم تلتها مرحلة "الثورة الصناعية" 1800 – 1957 وفي هذه المرحلة اعتمد الاقتصاد بشكل أساس على نمط الإنتاج الصناعي، وحدثت طفرة كبيرة في العالم وتحول الاعتماد بشكل تدريجي نحو "الآلة" وحدثت توأمة بين (العمال، الآلة)، وحدث تضخم كبير في عدد السكان، ومحدودية في المصادر الطبيعية، إضافة إلى ظهور مصادر جديدة للطاقة ساعدت على عدم الاعتماد بشكل أساس على "الاقتصاد الزراعي"، وظهرت الحياة المدنية، واصبح العالم يتجه نحو عصر السرعة، وصناعة التكنلوجيا من العام 1957 – إلى اليوم، حيث حدث إندماج بين العلوم ومنظومات الإنتاج وتحولت المعرفة إلى قوة منتجة (أفراد، أفراد)، وتقلصت المساحة بين الإختراعات وتطبيقها على أرض الواقع، وأصبحت المعلومة عنصر أساسي من عناصر الاقتصاد، وأصبحنا في عصر المعلومات أو عصر التكنولجيا السريعة، وظهرت مجتمعات مابعد عصر الصناعة (مجتمع المعلومات)، وفي هذا السياق كتب العالم الأمريكي دانييل بيل: "إن متوسط المدة بين اكتشاف التكنولجيا وتطبيقها تجارياً كان نحو 30 عاماً في الفترة 1880 – 1919، وانخفض هذا المتوسط إلى 16 عاماً في الفترة بين 1919 – 1945، ثم انخفض إلى 9 أعوام حتى العام 1967"، وعندما نتابع بنفس هذه المتوالية درجة التقلص في متوسط المدة بين انتاج التكنولجيا وتطبيقها أصبح يقاس اليوم بالساعات، ومستقبلاً سيقاس بالثواني حتى تنعدم هذه المساحة تلقائياً وتنتج التكنولجيا نفسها بنفسها وتطبقها في ذات الوقت.

كان من الضروري جداً ثرد هذه المقدمة، حتى نستطيع أن نرى مستقبل العالم، ومسار الاقتصاد المعتمد على المعرفة، والاتجاه نحو مواكبة التطور العالمي والتكنولجي، باعتبار المعرفة أساساً لهذا التطور، والمنافسة في ظل هذا الاقتصاد المعرفي لاتقاس بمجرد الزيادة في الانتاجية، بل تقاس بالقدرة على الإبداع والابتكار، والإنفاق على البحث العلمي وتطوير القطاع التعليمي، وهي الدعامة الحاسمة لمواكبة تطور العالم ومجاراة سرعة الإنتاج.

وبناء على ماسبق، لايمكن لأي اقتصاد التحول نحو "اقتصاد معرفة" من دون المرور بمرحلة تحول المجتمع إلى "مجتمع معرفة"، المجتمع الذي يستطيع إنتاج المعرفة ونشرها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط الاقتصادي والإجتماعي، إذ أصبح المنتج عابر للقارات، ودخل العالم كلياً في "عصر العولمة" واعتبرت المعلومة كرأس مال، وكسلعة اقتصادية، وأصبحت منظومة الاقتصاد العالمي تهتم بثناية (المعرفة – الاقتصاد)، واتجهت الشركات والمنظمات نحو الاهتمام بدمج العالم ضمن مجتمع اقتصادي جديد يعتمد المعرفة كأساس للنمو والمنافسة وبناء رأس المال.

ولكي يتحول أي اقتصاد نحو المعرفة، هناك ركائز أساسية يجب الاستناد عليها، بداية ببناء نظام فعال للابتكار والبحث والتطوير ومواكبة ثورة المعلومات، والإنفاق على "التعليم" وبناء سلم تعليمي حديث قادر على دمج تكنولجيا الاتصالات والمعلومات في المناهج التعليمية وبرامج التعلم المستمر، وبالنتيجة ينتج أيد عاملة ومهارات إبداعية تسهم في الانتاجية والتنافسية الاقتصادية، وأيضا ضرورة بناء بنية تحتية مبنية على التكنولجيا الرقمية، إضافة إلى وضع أطر قانونية تجعل من تكنلوجيا الاتصالات والمعلومات أكثر يسر وفي متناول يد الجميع.

وتبرز أهمية التحول نحو اقتصاد المعرفة، أو التمهيد لهذا التحول من كون المعلومات والتراكم المعرفي والإبتكارات التي نتجت عنه أنتجت حياة سهلة، وحسنت مستويات المعيشة وحققت الرفاهية للعديد من الدول التي نجحت في الإستثمار في المعارف، وبالتالي نجحت في زيادة الإنتاج، إضافة إلى التكاليف المعقولة للتكنولجيا الحديثة وسهولة تطبيقها، وعدم إلتزامها بالحدود الجغرافية والمسافات، وبدات الفجوة تتقلص بين الدول المتقدمة والدول النامية بفضل هذه التكنلوجيا، وساعدت دول كثيرة في بناء بنية تحتية بالإعتماد على آخر ماتوصل إليه العالم من تكنولجيا وبالتالي مهدت الطريق نحو بناء اقتصاد معرفي يحقق تنمية اقتصادية بوسائل جديدة لا تعتمد على موارد طبيعية نابضة أو قابلة للتذبذب وعدم الاستقرار، وقد يقل الاهتمام بها بسبب اختراعات جديدة أقل تكلفة وقابلة للاستدامة.

وفي حالة عدم مواكبة عصر الإنتقال نحو المعرفة بالقدر المطلوب وفي الوقت المناسب، لن ينتظرك العالم، بل ستجبر على الدخول ضمن منظومة العالم الجديد القائم على "اقتصاد المعرفة"، ولكن ليس بصفتك منتجاً ومبتكراً ومستفيداً، بل بصفتك مستهلكاً لتكنولجيا ينتجها آخرون، هم من يتحكم في نمط الحياة ونمط الاستهلاك وحتى في ثقافة الشعوب،  ولا مجال وقتها للبقاء خارج هذه المنظومة، وقد لا يكون لك الحق في إتخاذ القرار.

خاص_الفابيتا