وجد المقال الذي كتبته الأسبوع الماضي بعض التفاعل من عدد من المهتمين ومن ذلك التفاعل مهاتفة من صديق اقترح كتابة مقال عن سمات التنفيذي الفاشل، فربما يسهم ذلك في تسليط الضوء على كثير من الفاشلين الذين يحتمون بعلاقاتهم ومعارفهم ويضرون مؤسساتهم، فوجدت أنه اقتراح مثير للاهتمام، لذا أمضيت بعض الوقت في البحث والدراسة لنمذجة التنفيذي الفاشل، وقد يتبادر للذهن أن التنفيذي الفاشل هو من لا يمتلك سمات النجاح، وهذا منطق مقبول قياساً، مع أن ذلك قد لا يكون توصيفا دقيقا للتنفيذي الفاشل حيث أن غياب بعض سمات النجاح لا يقود للفشل بالضرورة، فربما يقود لغياب نسبي لبعض النجاح ولكن ليس الفشل الحتمي، فالفشل الحتمي هو نتيجة قصور ذاتي عند التنفيذي يجعل تأثيره سلبيا على منظمة العمل.
الفشل التنفيذي لا يتمثل بوجود عقبات وتحديات تواجه تحقيق منظمة العمل أهدافها، حيث أن ذلك من سمات بيئة الأعمال، ولكن الفشل التنفيذي يتمثل في عدم القدرة على تكوين جهد جمعي لتلك المنظمة تستطيع به تجاوز العقبات ومواجهة التحديات فتصبح منظمة العمل مشتتة الجهود متصادمة التوجهات يسود فيها التصيد للأخطاء والتآمر والتفتين والتخلي عن الواجبات والميل للوم الآخرين، هذه البيئة متى اتسمت بهذه السمات فإن الموظفين المتميزين سرعان ما يغادرونها فتزداد سوءا وتنحدر نحو الزوال ما لم يتم إنقاذها بتغيير جوهري في قيادتها.
من أهم سمات التنفيذي الفاشل الظاهرة هي الحيرة، فالتنفيذي الحائر هو شخص غير قادر على استشراف المستقبل وغير قادر على وضع الأهداف وعادة ما يكون مصدر الحيرة هو الجهل بأحد أو كل من نشاط المؤسسة أو القدرات الكامنة بمنظمة العمل أو بيئة النشاط والمنافسة أو تكون الحيرة بسبب الخوف من اتخاذ القرارات نتيجة ضعف الثقة بالنفس أو بمصادر المعلومات التي تبنى عليها القرارات التنفيذية، والحيرة التي أعنيها هي الحيرة المزمنة التي تبدو سمة للتنفيذي، وليست الحيرة المؤقتة والعابرة نتيجة غموض موقف ما والذي سرعان ما ينجلي عند بذل جهد استجلائي. وسمة الفشل الظاهرة الثانية هي الريبة والشك، فالتنفيذي الذي تستولي على ذهنه الريبة بصورة مزمنة يصبح شكاكا في كل من حوله وتنعدم ثقته بما يعرض عليه من مساعديه ويصبح قلقا من تعرضه للمؤامرة أو الخديعة وهذا يجعل العمل معه مثير للمتاعب والقلق، والريبة ليست الحذر، فالحذر سمة جيدة تجعل التنفيذي فطنا ومتحفزا ولكن الريبة تجعله مكتئب تستولي عليه الوساوس والهواجس والظن السيئ، هذه السمة تجعل التنفيذي منطويا على ذاته قابعا في وحدته، والسمة الظاهرة الثالثة هي، المحورية الذاتية، فالتنفيذي الذي يجعل منظمة العمل تدور في فلكه الذاتي يعطل فيها عملية الإبداع وتظافر الجهود، فذاتيته تجعله يتدخل في كل كبيرة وصغيرة ولا رأي سوى رأيه ولا عمل إلا بموافقته وحسب طريقته وكل من في منظمة العمل يستمد التوجيهات المباشرة منه وإذا حدثت الأخطاء يلوم التنفيذ فالتوجيه الذي هو مصدره منزه عن الخطأ. هذه أهم سمات التنفيذي الفاشل وهناك سمات أخرى أقل بروز للملاحظ أو أقل تأثير منها التسويف وسوء إدارة الوقت وقلة الصبر وغيرها كثير.
هناك دلائل على سمات التنفيذي الفاشل يستدل بها من خلال تصرفاته ونشاطاته ومن أهم تلك التصرفات، هي كثرة تغيير المساعدين والمرؤوسين المباشرين في علاقتهم معه، فالغالب عليه عدم الرضى منهم، فهو يختارهم بناء على توقعات عالية وربما تكون غير واقعية وعندما يتسلل لنفسه الإحباط منهم لا يتردد في التخلي عنهم وإقصائهم أو فصلهم، فالخلل دائماً عند الآخرين أما هو فيجد في نفسه الكمال، لذا لا يبذل جهدا في تغيير ذاته. ومن التصرفات الدالة على فشل التنفيذي الملل الواضح في الاجتماعات التي تخصص لتحديد الأهداف والميزانيات والتطلعات المستقبلية للمؤسسة، وكثرة السفر بلا أجندة عمل واضحة أو الاهتمام بالمناسبات ذات الطبيعة الإعلامية بصورة تعطل العمل أو تحد من فاعليته.
لاشك أن هناك الكثير ممن تنطبق عليهم بعض سمات التنفيذي الفاشل ولكن لديهم سمات نجاح تغطي عليها وتجعلهم بين النجاح والفشل في منزلة بين المنزلتين، وهذا يجعل التنفيذي يتبصر في ما عليه أن يكتسبه من سمات وما عليه أن يتخلى عنه ليكون تنفيذيا ناجحا، أما التنفيذي الفاشل فلا سبيل له سوى الفشل ومزيد من الفشل قاتل لكل نشاط.
نقلا عن الجزيرة
لا فض فوك. مقال رائع وتوصيف أروع.