أثار مقالي الأسبوع الماضي (استيراد الفقر) بعض المهتمين، فقد وردني أكثر من اتصال تستثيرني في الكتابة عن تنمية الإنتاجية لدى الموظف والعامل السعودي حتى لا نكون مجبرين على استيراد الكفاءات من الخارج واستيراد الفقر معهم، وبما أن الكتابة عن تنمية الإنتاجية حديث ذو شجون يطول ويتشعب فقد رأيت أن أكتب عن فرع في ذلك الحديث، وحيث سبق وكتبت عن التهيئة الفكرية وثقافة العمل في عدة مقالات منها (قضايا في السعودة - القيمة المضافة) بجريدة الجزيرة العدد (13894) بتاريخ (5 -11-1431)، فسأكتب اليوم عن تهيئة القدرات لتصبح كفاءات إنتاجية.
تهيئة القدرات الإنتاجيه للفرد تستلزم إعدادا فكريا تجاه عملية الاكتساب سواء كان بالتعليم الصفي أو التدريب الميداني أو الاكتساب الذاتي من خلال المشاهدة والملاحظة، والإعداد الفكري يتمثل في ثلاثة عناصر مهمة أهمها تكوين الوجدان لاستشعارالحاجة للاكتساب والثاني الاعتقاد بالمسؤولية الذاتية في تحقيق الاكتساب والثالث التقييم الذاتي للمحتوى المكتسب، هذه العناصر ما لم تكن شاغلة ومؤثرة في فكر المكتسب فلن يجدي معه لا تعليم ولا تدريب. حيث إن كثيرا من المتقدمين لوظائف فنية ويحملون شهادات تأهيلية يفشل في تخطي اختبارات المقابلة الشخصية التي من خلالها يتضح ضحالة التحصيل المعرفي والمهاري بما لا يتلاءم مع الشهادة التأهيلية، هذا الأمر أصبح معتاد الملاحظة وهو ما يثير شكوكا حول جدوى وجدية كثير من برامج التأهيل الفني التي تقدمها عدة مؤسسات تعليمية في المملكة خاصة وعامة.
التعليم الفني والمهني والذي يفترض أنه يكسب الفرد مهارة عملية ويجعله مؤهلا للانخراط في عملية إنتاج محققة لقيمة مضافة، لا زال يواجه تحديات جمة، وهذه التحديات تتمثل في معظمها في (الحالة الذهنية) لدى المتدربين، حيث يسعى معظمهم لنيل الشهادة التي تمنحه أهلية طلب وظيفة مجزية، دون الاهتمام باكتساب المعرفة والمهارة التي تشهد بها تلك الشهادة، البعض منهم لا يهتم بالاكتساب فهو بالنسبة له عبء ولكنه يصرف الجهد والوقت وربما المال لاكتساب رضا المدرب ويجتهد في اختراع الحيل ومهارات الغش والتدليس التي تكفل له اجتياز المقررات التأهيلية، تلك الحالة الذهنية هي ما يجعل ذلك الشاب يعتقد بأن مجرد حصوله على الشهادة هو ما يمنحه الحق في طلب الوظيفة المناسبة دون الاهتمام باستحقاقاتها المهارية.
الحالة الذهنية لدى المتدربين والتي سبق الإشارة لها تتوافق مع حالة ذهنية أخرى لدى بعض القائمين على التدريب والتأهيل المهني تتمثل في الاعتقاد بأن تسهيل الحصول على الشهادات المؤهلة هو ما يريده المتدربون وما يسعون له، لذا يميلون للتغاضي عن القصور في الاكتساب أو الحضور للتدريب وتصبح الشهادة المهنية هي الغاية والبضاعة، وهناك مئات بل آلاف الشهادات التي أصدرتها مؤسسات تعليمية وتأهيلية لا تساوي قيمة الورق التي كتبت عليها.
في كثير من بلدان العالم تم الفصل بين عملية الإكساب المعرفي والمهاري وبين الترخيص بمزاولة المهنة الفنية، والجمع بينهما يعتبر تضادا في المصالح، لذا ربما يجدر بوزارة التعليم وضع تنظيم للإكساب والترخيص المهني يفصل بين الشهادة بإتمام عملية الإكساب والتي تصبح متطلبا للتقدم لاختبار اجتيازمتطلبات الترخيص المهني والتي تنظمه مؤسسات مستقلة عن مؤسسات التدريب والتعليم، هذا الإجراء سيجعل المتدرب منصرفا للاكتساب الذي به يستطيع اجتياز اختبار الشهادة المهنية، وربما يجدر بالوزارة جعل التدريب والترخيص له جزئيا لتخصصات فرعية فمثلاً يكون هناك شهادة فني (لحام عام) وبعدها يتدرب الراغب في تخصصات مثل (لحام المنيوم) أو (لحام بلازما) أو (لحام أنابيب غاز) أو (لحام تحت الماء) وغيرها، وهذا يسري على جميع فروع الشهادات المهنية والفنية، ومن الأفضل أن تتدرج تلك الشهادات لتميز بين المبتدئ والمتمرس، ويستحسن أن تكون تلك الشهادات محدودة بفترة زمنية، حيث تتغير التقنيات والمواد والأساليب.
التهيئة المهنية والفنية المتميزة تخرج فنيين على درجة عالية من القدرة على تحقيق قيمة مضافة تجعل المنتجات منافسة ومحققة لميزة اقتصادية وهكذا يصبح الوطن منتجا وقادرا على المنافسة في التصدير واستيراد الثروة عوضاً عن استيراد الفقر.
نقلا عن الجزيرة
ما راي سيادتكم في استغلال اسوار المدارس الحكوميه كمحلات تجاريه .
لا يصلح في الغالب كون معضم المدارس داخل الاحياء السكنية وليست على شارع تجاري
مقالة ممتازة. الممارسة هي الاساس و والله رأيت مقاولين لم يدرسوا الهندسة يشرحون لمهندسين شباب في مواقع البناء.