منذ أكثر من (10) سنوات وعندما كنت أكتب في جريدة (الاقتصادية) كتبت مقالا بعنوان «كيف تختار المدير العام» وبعدها بفترة كتبت مقالا «عند اختيار المدير العام» ومقال «الرئيس التنفيذي», وفي تلك المقالات طرحت التحدي الذي يواجه مجالس إدارة الشركات السعودية المساهمة في عملية اختيار وتمكين المدير العام القادر على تحقيق تطلعات المساهمين، وفي مقالات أخرى تطرقت أيضا لعلاقة مجلس الإدارة بالمدير العام وأهمية الفصل بين دور المجلس ودور المدير العام.
حيث بالغ بعض المدراء العامين في السيطرة على مجلس الإدارة لدرجة التحكم بقرارات المجلس أو تهميش دوره، واليوم يبدو أن الصورة انعكست بحيث باتت بعض مجالس إدارة الشركات المساهمة تهمش دور الرئيس التنفيذي وتسيطر على قراراته بل إن بعضها ومن خلال تشكيل (اللجنة التنفيذية) في المجلس تقتص من دور الرئيس التنفيذي وتحوله إلى دور لا يتعدى دور سكرتير للجنة، ومن خلال (لجنة المكافآت والتعويضات) تسيطر على قرار اختيار التنفيذيين الآخرين والمباشرين للرئيس التنفيذي وأحياناً تحتكر حتى اختيار منهم أدنى من ذلك في الهيكل التنفيذي.
نظام الشركات السعودي لا يفرق كثير بين الملكية والإدارة في تنظيم الشركات المساهمة وخصوصاً المساهمة العامة، فالنظام يضع حق الملكية من خلال الجمعية العامة في الاختيار الكلي لمجلس الإدارة، والذي يمثل اختياره تفويض مطلق الصلاحية في إدارة الشركة وتحديد إستراتيجيتها والتصرف التام بمواردها ومكتسباتها، هذا النظام أيضا لا يفرض بصورة تشريعية تمثيل الإدارة التنفيذية في مجلس الإدارة وخصوصاً الرئيس التنفيذي ففي معظم الشركات المساهمة السعودية لا يتاح للرئيس التنفيذي عضوية مجلس الإدارة، بل إن كثير من اجتماعات المجلس تتم دون حضور الرئيس التنفيذي إلا عند الحاجة، وهذا الواقع المعاش في بعض الشركات المساهمة يضعف من دور الإدارة التنفيذية ويجعلها رهينة تجاذبات أعضاء مجلس الإدارة وضحية خلافاتهم.
الفصل بين الملكية والإدارة في الشركات المساهمة السعودية أصبح أمرا مطلوبا لتحقيق فاعلية تنافسية وأدائية للشركة أسوة بما هي عليه الحال في الشركات العالمية، فالواجب أن تكون الملكية مقصورة على ملكية أسهم الشركة ولا تتعدى لملكية الشركة نفسها، فملكية الشركة هي ملكية عامة، حيث إن المنتفعين من وجود الشركة المساهمة متعددون بما في ذلك المساهمين، وعليه فإن تصرف مجلس الإدارة في الشركة يجب أن يحكم بضوابط الحوكمة والشفافية والنظام الأساسي للشركة وأن يكون دور مجلس الإدارة محددا بثلاثة محاور لا يتعداها، الأول هو وضع إستراتيجية إعمال الشركة ومستقبلها وتناغمها مع البيئة التي تعمل بها بما يشمل ذلك التوسع والتنوع في الأعمال والاستحواذ والاندماج، والثاني هو اختيار والتقييم المستمر لأداء الرئيس التنفيذي وتمكينه من الموارد التي تجعله قادرا على تحقيق إستراتيجية الشركة والدور الثالث يتمثل في حماية النزاهة والحوكمة وشفافية الأعمال والانضباط بمتطلبات القانون وحماية البيئة العامة والعدالة الاجتماعية.
وهذا التحديد لدور مجلس الإدارة يتيح للمجلس الاطلاع على كل أعمال وقرارات الشركة التنفيذية ومناقشتها مع الرئيس التنفيذي دون التدخل والتأثير على تلك القرارات بصورة قسرية، بل إن حق المجلس ينحصر في منع تنفيذ القرارات غير الملائمة فقط ولكن لا يجوز للمجلس التقرير وفرض ذلك القرار على الإدارة التنفيذية، حيث إن ذلك يمثل تجاوزا لدوره.
الخلل الأكثر ملاحظة في تداخل دور مجلس الإدارة بدور الرئيس التنفيذي هو في اختيار وتقييم أداء نواب الرئيس التنفيذي ومن في حكمهم من التنفيذيين في الشركة، حيث يلاحظ أن مجلس الإدارة ومن خلال لجنة (المكافآت والتعويضات) عند شغور وظيفة نائب رئيس تنفيذي أو ما يماثلها، يبادر في البحث بصورة جماعية من خلال تكليف (دار خبرة متخصصة) أو من خلال جهود أفراده أو الإيعاز للرئيس التنفيذي بالبحث على شرط العرض لموافقة المجلس، لذا يصبح الاختيار في هذه الحالة مفروض على الرئيس التنفيذي مما ينذر بخلق تنافر وتجاذب بين الرئيس التنفيذي وأفراد إدارته التنفيذية الأمر الذي يتيح مزيدا من تدخل مجلس الإدارة في صلب العمل التنفيذي.
هذا الخلل أصبح يؤثر بصورة ملحوظة في تناغم الرئيس التنفيذي مع فريق عمله وأصبح مسرح العمل التنفيذي بيئة شديدة التنافر تؤثر في مستويات أقل في هيكل عمل الشركة، والأمر يكون أسوأ بكثير عندما يشتد التنافر بين الرئيس التنفيذي وأحد أفراد فريقه التنفيذي أو في حال بروز عناصر غير مرضية في تقييم الأداء التنفيذي فإن المجلس يتدخل بصورة مثيرة للخلاف غير القابل للحسم إلا بوضع مؤلم للشركة وجهازها التنفيذي. لذا يفترض أن يترك مجلس الإدارة للرئيس التنفيذ أمر اختيار وتقييم أفراد فريق عمله التنفيذي ويكتفي المجلس بحق (الرفض) فقط عندما لا يتفق مع قرارات الرئيس التنفيذي، في حين لا يقدم أي إقتراحات أويفرض خيارات أو قرارات على الرئيس التنفيذ، عندها سيكون الرئيس التنفيذي متمكنا من تأسيس وتقييم جهازه التنفيذي.
الشركات السعودية والمساهمة العامة تحديداً مطالبة اليوم بوضع نظام يتيح ويمكن الإدارة التنفيذية من كل الكفاءات والقدرات والموارد التي تتيح لها تنفيذ إستراتيجية الشركات وتحقيق أهدافها وعلى كل مجلس إدارة في تلك الشركات العمل بصورة فاعلة لتحقيق ذلك بل إن على وزارة التجارة والاستثمار وضع تعديل في نظام الشركات يوضح الفصل بين الملكية والإدارة ويوضح المسؤوليات القانونية والإخلاقية والجزائية في حال المخالفات النظامية والحقوقية للنظام، وأن يجعل من حق موظفي الشركة انتخاب عضو أو أكثر في مجلس إدارة الشركة، بحيث يتم تمثيل أفضل للمنتفعين في الشركة.
نقلا عن الجزيرة