الأسمنت والخط الأحمر

05/11/2015 11
عيسى الحليان

ثمة ثنائيات سوقية نمطية منها أن إغلاق باب التصدير للمنتج المحلي يؤدي إلى وفرة السلعة وانخفاض سعرها، وأن إغلاق الاستيراد للمنتج الأجنبي يؤدي إلى تحسين السوق للمنتج الوطني وهكذا، وهي ثنائيات يتم الارتهان لها في الأسواق الرعوية التي لا تعتمد تحرير الأسواق ونفاذية السلع.

الأسمنت سلعة إستراتيجية هكذا صنفت في المملكة وذلك لارتباطها الوثيق بأدوات التنمية، وبالتالي تأرجح تاريخ هذه السلعة بين فتح الاستيراد ومنعه، وكذلك تصدير المنتج ومنعه وهكذا.

اليوم قطاع الأسمنت يمثل قيمة اقتصادية كبيرة وتصل أصوله مع قيمة إنتاجه إلى مئات المليارات كما تشكل صناديق الحكومة ما يقارب 30% من قيمة أسهم هذه الشركات، ورغم ذلك فإن حجم المخزون من الأسمنت والكلنكر يصل حاليا إلى 26 مليون طن حاليا أي ما يوازي إنتاج البلاد لفترة 5-6 شهور.

منطقيا ما الذي يمنع من امتصاص الفائض عن طريق تصديره - ولو موسميا - ومن خلال آلية عادلة تراعي مصالح المستهلكين الأساسية أولا، لكنها لا تغفل حقوق المنتجين بالمطلق وبهذه الصورة المجحفة طالما وصل الفائض إلى ما يقارب 50% من إجمالي إنتاج البلاد.

بعيدا عن المنطق الاقتصادي تراكمت «فوبيا» لبعض المنتجات المحلية كالأسمنت والألبان والقمح وغيرها وارتفعت درجة حساسيتها مع الزمن دون غيرها رغم أن السلع المستوردة المماثلة لها (سعريا واستهلاكيا) ظلت مفتوحة تماما للوكيل الذي يستورد من الخارج ويبيع سلعا أكثر أهمية في مكونات تكاليف المعيشة كالسيارات والأرز وبقية مواد البناء والأغذية وبأي سعر يراه، ومع ذلك لا من شاف ولا من درى، لكن القيامة تقوم بالنسبة للمنتج المحلي لو طالب أصحابه بالتصدير أو زيادة هللات في قيمة البيع.

ثنائية أقل ما يقال عنها إنها مختلة وتخضع ربما للرهاب الاجتماعي أكثر منه للمنطق الاقتصادي.

في الإمارات مثلا - كنموذج للسوق الحر - يتم تصدير 60% من إجمالي إنتاج الأسمنت في الدولة للخارج ولم تحصل مثل هذه الحساسيات في أسواقهم ولا نقص في المعروض بل إن فرص تصدير هذه الكميات ساعد المصانع على البيع بأسعار منافسة في الداخل وليس العكس.

وفي إيران - كنموذج للسوق الموجة - تصدر البلد أيضا 19 مليون طن كأكبر مصدر للأسمنت في منطقة الشرق الأوسط ومع ذلك تسعى هذه الدولة حاليا لإقامة 30 وحدة إضافية لإنتاج مزيد من الأسمنت لتصديره خارج البلاد.

المملكة تصدر الكيماويات (الخام) للخارج والتي تصنع من مادة ناضبة وتعتمد على الدعم المباشر لأسعار اللقيم والغاز ولا تشترط توليد صناعات تحويلية تشكل قيمة مضافة للبلد، ووزارة التجارة تمنع الأسمنت الذي يصنع من مادة «ترابية» كاملة ويخضع لآليات السوق فقط لأسباب تتعلق فقط بسد باب الذرائع تجاريا وهو منطق مكلف وغير منصف ويحمل تناقضات مع فكرة الاقتصاد الحر خلاف كونه حقا مشروعا لأصحاب هذا المنتج شأنه شأن غيره من المنتجات الوطنية الأخرى..

نقلا عن عكاظ