خلال الفترة الماضية، كُتبت مئات المقالات وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالأسباب التي تدعم فكرة وضع رسوم على الأراضي البيضاء كأحد الحلول لمشكلة الإسكان. ولاشك، أن هذه الآراء لها نصيب من الرجاحة.
إلا أن السبب في كتابة هذه المقالة، هو توضيح الآثار السلبية المترتبة على الرسوم والتي يصعب على المرء ذكرها دون الحصول على وابل من الردود العاطفية اجمالا، والمنطقية أحيانا.
وقبل الخوض في سلبيات الرسوم، فإنه ينبغي لي أن اوضح بعض الافتراضات – التي اختلف مع بعضها - ولكن انطلق منها عند التطرق لسلبيات الرسوم بدافع توحيد مبادئ النقاش.
أولا، أن الرسوم ستقود إلى انخفاض شديد في أسعار العقارات.
ثانيا ً، في حالة تطبيق الرسوم، فإن الانخفاض سيطال جميع العقارات، بما في ذلك العقارات المعفية من الرسوم وذلك على المدى المتوسط والطويل. ويشمل ذلك المنازل الخاصة، العمائر، المزارع، والشقق.
حيث أن القيمة لأي أصل عقاري تساوي قيمة الأرض + قيمة ما على الأرض. وعليه، فإن أي انخفاض في قيمة الأرض المجاورة لمنزلك يوازيه انخفاض مساوي في قيمة منزلك.
ثالثا ً، أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم حصول المواطن على المسكن الملائم.
رابعا، أن أسعار الأراضي مرتفعة بشكل لا يتناسب مع الوضع الاقتصادي للبلاد.
خامسا ً، أن الجميع يحلم بحصول كل مواطن على مسكن أحلامه، لكن في ظل الموارد المتاحة ودون الإخلال بالاقتصاد العام.
سادسا ً، أن الاستثمار سلوك طبيعي لدى الطبقات المتوسطة والغنية.
بناء على الفرضيات السابقة، فإن الإشكالات المتوقعة من فرض الرسوم هي التالي.
أولا، تشكل العقارات الغالبية العظمى من أصول الأسر السعودية من الطبقة المتوسطة، وبنسبة أقل لدى الأسر الغنية ( إذ يزداد تنوع الأصول مع تعاظم الثروة)، وذلك بسبب سماح الدولة - بطريقة غير مباشرة – بجعل العقارات المكون الأول في الوعاء الاستثماري للمواطنين.
إن أي نسبة انخفاض في أسعار العقارات سينتج عنها انخفاض مدخرات الطبقة المتوسطة والغنية بنسبة مطابقة تقريبا ً.
كما أن خفض ثروات شرائح كبيرة من المجتمع بشكل سريع سيكون له تداعيات خطيرة، من كثير من النواحي، أهمها الاقتصادية والاجتماعية.
ثانيا، إن مشكلة احتكار العقارات (والتي لا نستطيع التحقق من دقتها لعدم توفر البيانات)، لم تنشأ بسبب المستثمرين والمدخرين في العقارات.
معظم الأراضي من نوعين. الأول عبارة عن منح من الدولة للمواطنين قبل اكتمال خدماتها، مما يدفع بالمواطن الراغب في السكن إلى بيعها وشراء قطعة صالحة للسكن، كما يدفع بالمستثمرين إلى شرائها لتخزين جزء من مدخراتهم في وعاء يضمن عدم تآكلها بفعل التضخم (في ظل وجوب الزكاة، المانع الشرعي لأدوات الدين، وعدم كفاءة سوق المال).
النوع الثاني، عبارة عن أراضي كبيرة منحت لمتنفذين، بدل توزيعها بشكل عادل. من هذا، يظهر أن المستثمرين لم يتسببوا في المشكلة ابتداء ً، ولذلك لا ينبغي أن يدفعوا ثمن الحل.
ثالثا، يعتقد البعض أن قرار الرسوم (اذا حقق تخفيض الأسعار)، سيساهم في دفع رؤوس الأموال نحو استثمارات اخرى تدعم الاقتصاد الوطني. ودعني هنا اذكر المثال التالي بأرقام افتراضية، لتوضيح اشكالية هذا الإدعاء.
اذا كانت القيمة الإجمالية لعقارات المملكة تعادل 2000 مليار، فإن المبالغ النقدية في هذا السوق (التي يحتفظ بها المستثمرين بغرض شراء عقارات) لا تتجاوز 100 مليار.
وبافتراض ان الرسوم ستخفض العقارات بنسبة 50%، هل من المجدي تحرير جزء من الـ 100 مليار مقابل شطب 1000 مليار من المراكز المالية للأسر السعودية؟ شخصيا ً، لا أظن ذلك.
رابعاً، يعتقد البعض أن رسوم الأراضي ستؤدي إلى تخفيف الضغوط التوسعية على البنية التحتية عبر منع التمدد للخارج قبل استنفاد أراضي الداخل. هذا صحيح، فقط على المدى القصير. إذ أن انخفاض أسعار الأراضي، سيقود إلى ارتفاع الطلب بطريقتين.
فالأشخاص القادرين، سيزيدون من حجم أرض المسكن خصوصا مع المعتقدات الاجتماعية السائدة بشأن حجم المسكن (كما نراه من ردود الفعل على ما ذكره وزير الإسكان بشأن أهمية تقليص مساحات المساكن تماشيا مع تقلص حجم الأسرة السعودية).
ومن جهة أخرى، فإن هذا الانخفاض في سعر الأرض سيلغي فكرة التحول التدريجي لشريحة من السكان إلى المساكن الطولية، أسوة بدول العالم المتقدم. بلا شك، سيقود ذلك إلى تمدد غير مسبوق للمدن السعودية على المدى الطويل.
خامسا ً، مع استمرار معدلات التضخم، فإن تكلفة البناء (دون الأرض) ستزيد سنويا. فإذا كان القرض العقاري حاليا (500 الف) يكفي لبناء منزل صغير، فإن الحال لن تكون كذلك بعد 10 سنوات.
وهو ما حدث سابقا ً، عندما اضطرت الدولة لرفع القرض من 300 إلى 500 ألف. وفي ظل تزايد السكان، وتذبذب الموارد الاقتصادية، فإن الدولة لن تستطيع الاستمرار في الدعم على هذه الوتيرة أو زيادة مبلغ الإقراض.
هذا يؤكد أهمية ما ألمح أليه معالي الوزير من أنه لا بد من تخفيض مساحات المنازل لتتناسب مع انخفاض احجام الاسر.
سادسا ً، وامتداد ً للنقطتين السابقتين، فإن أحد سلبيات تخفيض أسعار الأراضي تتعلق بتعارضها مع استراتيجية تخفيض الاستهلاك المحلي للطاقة من أكثر من جانب.
حيث ستزيد تكلفة المنازل (البناء دون الأرض) بسبب تزايد اشتراطات البناء المتعلقة بترشيد الطاقة من حيث جودة العزل وكفاءة الإلكترونيات، مما سيفاقم من اشكالية انخفاض قيمة القرض السكني.
من جهة أخرى، فإن دفع المدن للتوسع الأفقي بفعل انخفاض اسعار الأراضي – على المدى الطويل – سيزيد من الحاجة في استخدام السيارات وعدم الاعتماد على وسائل النقل العامة، إذ سينخفض عدد المستفيدين نظرا للتوسع الأفقي المتوقع.
وأخيرا ً، فإنه سيزيد من أحجام المنازل، مما يزيد الضغط على فاتورة الطاقة ويقلل قدرة الدولة على تغيير الأسعار مستقبلا .
بالإضافة إلى ما سبق، فإن هناك سلبيات أخرى للرسوم، أبرزها عدم توافقها مع العقد الاجتماعي الحالي للمجتمع السعودي.
إلا أن السكن الكريم من أبرز حقوق المواطن، على أن يكون في حدود إمكانات الدولة ودون التعدي على شرائح عريضة في المجتمع. وعليه، فإنني أعتقد أن الحل يكمن فيما يلي:
أولا ً، على المدى الطويل، اعادة النظر فيما ذكره معالي الوزير بشأن أحجام المساكن والمبني على منطق سليم. حيث يجب أن يقابل الانخفاض في حجم الأسرة، انخفاض في حجم المسكن.
كما ينبغي أن ينخفض الدعم الإسكاني بالتناسب مع تزايد عدد السكان وتذبذب موارد الدولة.
وهذا يحتاج إلى استراتيجية تعمل على تقديم منتجات جديدة بالتوازي مع جهود إعلامية تثقيفية.
ثانيا، على المدى المتوسط، العمل على كبح الارتفاع في العقارات كبديل عن خفضها، وجعل الارتفاعات المستقبلية في الحدود المقبولة عالميا.
ويتم ذلك عبر قيام الدولة بتعزيز جانب العرض بشكل تدريجي من الأراضي المخدومة (القابلة للاستخدام)، عبر إيصال الخدمات للمخططات القائمة ، ودفع ملاك القطع غير المخططة نحو التخطيط، بالإضافة إلى تعديل معامل البناء للأراضي.
هذه الإجراءات من شأنها كبح جماح الارتفاع مع تفادي السلبيات المتعلقة بالرسوم.
ثالثا ً، على المدى القصير، العمل على تسريع وتيرة تسليم الوحدات السكنية الخاصة بوزارة الإسكان.
على أن يقتصر دورها مستقبلا في بناء المساكن لذوي الدخل المحدود ، واصدار التنظيمات التي تزيد من فعالية وجاذبية الملكيات المشتركة، ومراقبة وتنظيم العرض والطلب في سوق الإسكان.
ربما لا يجد هذا المقال اذن صاغية، إذ يغلب على طبيعتنا البشرية حب الاستماع إلى الحلول المثالية حتى لو كانت بعيدة عن الواقع او غير قابلة للاستدامة.
كما يروق لبعضنا مقارنة قطعة أرض في أحد ضواحي لندن البعيدة بصورة مليئة بالمياه والأشجار، مع قطعة أرض في قلب الرياض، فيما يغض الطرف عن قيمة الوحدة السكنية في قلب لندن.
فيما من المضحك المبكي، أن تجد بعض الجرائد المحلية والكتاب الاقتصاديين يقوم بتقدير رسوم العقار بمبالغ تقارب 15% من اجمالي ودائع البنوك.
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم !
وختاما ُ، أتمنى من مجلس الشورى الموقر استصدار قرار يكفل للمواطن حقه الأصيل في الحصول على سكن لائق، على أن يبتعد المجلس عن الحلول المرحلية الغير القابلة للإستدامة، أو تلك التي تخلق اشكالات أكثر تعقيدا تتحملها الأجيال اللاحقة.
المعطيات التي ذكرها الكاتب لاتتناسب مع النتائج وهنا خلل كبير بين النظرية والتطبيق وخلط بين الارض كقيمة والبناء عليها وليه استباق واضح للنتائج مما افقد كلامه الرصانة فاصبح اقرب الى التخرصات
اي معطى لا يتناسب مع أي نتيجة؟ وأين الخلل الذي تراه بين النظرية والتطبيق، أو الخلط بين قيمة الأرض والبناء عليها؟ اتمنى منك التوضيح، حتى اتمكن من الرد، أو اتمكن من تصحيح مفاهيمي الخاطئة. فالهدف هو اثراء النقاش وزيادة المعرفة. اما بالنسبة لاستباق النتائج، فهذا هو الحال لأي مقال يناقش أمرا مستقبليا فيما أظن. أي مقالة تناقش ايجابيات او سلبيات الرسوم هي عبارة عن توقعات مستقبلية مبنية على معطيات الواقع والمعرفة المتاحة. كما انك اتهمتني بالتخرص (وهو الكذب والافتراء)، أين وجدت ذلك فيما كتبت ؟
اتفق معك في اغلب النقاط التي ذكرتها واخص بها سياسية انتقال الاراضي من ملكية الدولة الى الافراد والمستثمرين، بنظري يجب تعديل هذه السياسة بحيث يتم طرح اراضي بيضاء بشكل محدود الى مطورين لتطويرها ومن ثم طرح الاراضي من قبل الدولة للبيع بالمزاد للمشتري وتمنح فترة سماح للمشتري للبناء قبل فرض الرسوم. ايضا اختلف معك بان اسعار العقار سوف تنخفض يشدة ، من الممكن ان يكون هناك تخوف من المشترين على المدى القصير وذلك لدراسة مدى تاثير فرض الرسوم. من المحتمل جدا ان يكون هناك انخفاض باسعار العقارات النائية وخاصة السكنية بين 20% الى 40% وذلك لكثرة المضاربين فيها اما بالنسبة الى الاراضي التجارية فانا استبعد حدوث نزول في الاسعار لازياد الطلب على الوحدات التجارية في جميع المدن. مقال رائع وتمنايتي لك يالتوفيق والمزيد من المقالات.
شكرا على تعليقك. لا أظن انه يمكننا التنبأ بالارتفاع أو الإنخفاض دون النظر إلى الصيغة النهائية للرسوم، وضعت هذه النقطة كفرضية للنقاش.
أخي الكريم أحترم وجهة نظرك ولكن طرحك فيه تناقض كبير جداّ ولو أردت التفصيل لطال الكلام مثلا (أتمنى من مجلس الشورى الموقر استصدار قرار يكفل للمواطن حقه الأصيل في الحصول على سكن لائق،) ؟؟؟؟ الآن هم تعدوا هذه المرحلة لمناقشة آلية حل يوصي به أغلب الاقتصادين والصندوق الدولي والحكومة نفسها و99% من سكان المملكة وأنت تنادي بقرار يكفل...... ؟؟؟؟؟ بإختصار (خالف تعرف).
حياك الله اخي الكريم. وسبب مقالتي هو عرض بعض النقاط التي اظن انه ينبغي على المشرع الإطلاع عليها عند اعتماد الصيغة النهائية للحل.
اخي الكاتب الكريم الاختلاف لايفسد الود سردك للمقال غير واضح اقول بالله اتوفيق وضع رسوم على الاراضي البيضا هو القرار اسليم العدة اسباب ومنها ابعاد المستثمر وتجار عن الاراضي البيضا والحتفاظ بالاراضي للجيال القادمه ؟ ويكون هناك استطاعه للمستثمر في البنا وتطوير ؟ القضا على الفجوه الذي بالمدن من اراضي لها اكثر 50سنه وهو مضهر غير لايق ؟هل تعلم أن فيه مجموعه احتلم وملكم اراضي البيضا وخططوها اكبار رسماليين وضعو عليها سعار خياليه تفوق اعمارها ثلاث مرات هل تعلم ان اتاجر الذي بنا برج انه ساهم في تطوير المملكه دولينا مع استفادته ؟هل تعلم ان اصحاب اثروات العاليه الي يملكون مليارات وسخروها في مخططات وراضي بور وثقلم على الجيال بعدم القدره على اشراء فلواجب يستمرونها في لبنا وتطوير اوالصناعه والتجاره اخي الفاضل مقالك اعتمدت على الخلط باسلبيات ولجابيات بدون توضيح اونص مقنع
اهلابك، مقالي لم يخلط بين السلبيات والإيجابيات، إذ لم اناقش إلا السلبيات. اتفق معك في أن الأراضي تحولت إلى وعاء استثماري، وهو خلل اقتصادي. لكن اختلف معك في آلية الحل.
أتفق مع بعض النقاط التي طرحت كاتبنا الكريم. فرض رسوم على الأراضي البيضاء سيؤدي إلى انخفاض في أسعار العقار و بالتالي سيتضرر من يملك منزل أو عقار خصوصا إذا كان من الطبقة المتوسطة. ولكن نسبة السعوديين الذين يملكون سكن في الفترة الحالية قليلة جدا وهم في الغالب يهدفون من بناء السكن الإمتلاك و ليس الإستثمار. بالنسبة للمخططات الكبيرة و الغير مطورة حتى الآن لا أعتقد ان فرض رسوم عليها سيؤدي إلى تغيير في وضعها الحالي. لا زال حتى الآن مخططات تقع في قلب مدينة الرياض غير مطورة منذ سنوات طويلة و فرض رسوم عليها لن يغير من الوضع شيء بالنسبة لملاكها. على الرغم أنك تناولت موضوع القرض العقاري كان بودي أنك أيضا ناقشت ما يسمى بالقرض المعجل و الذي أتوقع أن يزيد المشكلة تعقيدا. مشكلة الإسكان مشكلة معقدة رغم وجود مساحات شاسعة من الأراضي و توفر القدرة الاقتصادية للدولة و لكن يتم طرح حلول فردية. بمعنى ما جدوى منح الشخص قرض عقاري و هو لا ليس لديه القدرة لشراء أرض أو يملك أرض فاقدة للخدمات. حتى عندما تتم مراعاة هذه النقطتين سيكون هناك طفرة عمرانية تؤدي إلى ارتفاع مواد البناء و أجور الأيدي العاملة. دمت بخير,,,
اهلابك، نسبة ملكية المساكن في السعودية هي 60%، وهي منخفضة بشكل طفيف. حتى لو لم يكن المنزل معدا للاستثمار، فإنه يشكل العنصر الأساسي في أصول الطبقة المتوسطة لذلك ينغي اخذ هذا الانخفاض المحتمل في الحسبان عند مناقشة أي حل. بالنسبة للقرض المعجل، اعتقد انه اداة جيدة لمن تناسبه من المواطنين، ويزيح بعض العبئ عن الدولة. اعتقد أن الحل القابل للاستدامة طرحه وزير الإسكان، لابد من تغيير أنماط السكن على المدى الطويل.
قلنا مثل هذا الكلام ولكن الناس لا تريد سماع الكلام، هم يرون في الرسوم "انتقام" من أولئك الاقطاعيين والمتنفذين الذين استولوا على أراض شاسعة، ونسوا تماماً أن اللصوص الحقيقيين أخذوا فلوسهم وهربوا من زمان، وأكثر من يمتلك الأراضي هم مستثمرين وناس عاديين اشتروها بأسعار عالية نسبياً. هذا أول خلل، أما ثاني خلل فإن الرسوم لا ولن تؤدي إلى خفض أسعار الأراضي، حتى التي عليها رسوم لن تنخفض إلا في حالة واحدة، وهي مستبعدة، عندما تفرض رسوم غير طبيعية، مثلاً 7% أو أكثر من قيمة الأرض. العتب على من يسمون كتاب اقتصاديين حيث فشلوا في فهم القضية وساعدوا في تضليل العامة.