صناديق الثروة وتراجع أسعار النفط

15/10/2015 0
عامر ذياب التميمي

تمكنت دول عدة على مدى نصف القرن المنصرم من تأسيس صناديق ثروة مهمة نتيجة لنشاطها الاقتصادي وتحسين إيراداتها الوطنية من تعاملاتها مع العالم الخارجي.

ولا شك في أن الدول النفطية تمكنت، خصوصاً بعد الصدمة النفطية الأولى عام 1974، من تعزيز قدراتها المالية بفعل الفوائض التي جنتها من ارتفاع أسعار النفط. وتشمل هذه الدول بلداناً عربية وغير عربية، ومنها دول أعضاء في «أوبك»، وأخرى من خارج هذه المنظمة مثل النروج.

وتم توظيف الأموال في أدوات استثمارية متنوعة مقومة بالعملات الرئيسية، منها الدولار والين الياباني والفرنك السويسري أو اليورو.

ونذكر هنا أن توظيف هذه الأموال الضخمة لم يكن يسيراً في يوم من الأيام حيث ترتفع درجات الأخطار الاستثمارية في بلدان عدة، منها ما يتعلق بالأوضاع السياسية أو المتغيرات القانونية أو تلك الناتجة من تقلبات الأسواق المالية والمتغيرات في السياسات النقدية.

لذلك يحاول مديرو الاستثمار، والذين تناط بهم مسؤولية إدارة أموال صناديق الثروة السيادية، أن يتحروا جيداً عن أوضاع البلدان التي يوظفوا أموالاً فيها أو الأخطار التي يمكن أن تواجهها الأدوات الاستثمارية، ناهيك عن التحسب للمتغيرات السياسية وأثرها على قيمة الأصول الاستثمارية.

من جهة أخرى، لا بد من أن توافر أموال مهمة لدى الصناديق السيادية ربما يؤدي إلى انعكاسات جانبية على الأوضاع الاقتصادية في البلدان المضيفة للاستثمار، ومن ذلك رفع حدة التضخم وارتفاع قيمة الأصول العقارية أو الأدوات المالية المسعرة.

وقدرت قيمة أصول صناديق الثروة المملوكة من البلدان النفطية بـ 4.3 تريليون دولار عام 2014.

وتتوزع هذه الأموال على الدول النفطية كالتالي:

الإمارات 1275 بليون دولار، النروج 821 بليوناً، السعودية 672، الكويت 592، قطر 256 بليون دولار، روسيا 168 بليوناً، كازاخستان 77 بليوناً، ليبيا 66 بليوناً، بروناي 40 بليوناً، أذربيجان 37 بليوناً والجزائر 50 بليون دولار.

وهناك صناديق أخرى متعددة لهذه الدول، أو للبعض منها، أو لدول ذات إنتاج نفطي محدد.

كما أن إجمالي قيمة أصول أي من هذه الدول يتوزع أحياناً، على صناديق مملوكة من هيئات وجهات رسمية قد تكون شركات نفطية أو مؤسسات مالية عامة.

وتحاول الدول المعنية أن تحافظ على سرية البيانات المتعلقة بصناديق الثروة، وبطبيعة الحال يتباين الأمر بين بلد وآخر بموجب الأوضاع السياسية ومستوى الشفافية المتوافرة في أي من هذه البلدان.

لكن هل جنت البلدان والتي تملك صناديق ثروة مهمة عائدات ملائمة من توظيفاتها الاستثمارية؟

لا شك في أن هناك نتائج جيدة تحققت خلال السنوات والعقود الماضية، إلا أن الاستثمارات في الكثير من البلدان تعرضت أيضاً، لمشكلات مهمة خلال الأزمات الاقتصادية التي مر بها بعض البلدان أو العالم أجمع، كما جرى بعد أزمة 2008، والتي لا تزال آثارها ملموسة حتى الآن.

تعرض الكثير من المؤسسات المالية المرموقة والشركات الصناعية الرئيسية في العالم لمشكلات صعبة وارتفاع مستويات المديونية لديها.

وقامت الصناديق بتوظيف أموال أسهمها أو الاستثمار المباشر في الكثير منها.

لذلك فإن الانعكاسات السلبية على الصناديق لا بد من أن تكون مهمة.

يضاف إلى ذلك أن الكثير من المؤسسات المالية والتي أدارت جزءاً مهماً من أموال الصناديق السيادية، تعرضت لمشكلات هيكلية على مدى السنوات العشر الماضية، ما يعني أن الأموال المدارة ربما لم تحقق العائدات التي يطمح لها أصحاب الصناديق.

بطبيعة الحال، لا شك في أن الصناديق السيادية عملت بموجب معايير الاستثمار الملائمة بمعنى تنويع الأخطار على البلدان والعملات والأدوات على أسس حصيفة.

وقد يوجه السياسيون في البلدان النفطية انتقادات لإدارة هذه الصناديق ويرى عدد من هؤلاء بأنه كان من المفترض توظيف الأموال داخل بلدانها، إلا أن الأمور ليست بهذه السهولة.

فهناك مصاعب لتوظيف الأموال في البلدان التي تمتلك الصناديق السيادية نظراً الى محدودية فرص الاستثمار أو عدم توافر ميزات نسبية للكثير من الأنشطة الاقتصادية، ما يتيح فرص توظيف الأموال.

كما هناك من يطرح ضرورة توظيف الأموال في البلدان النامية، ولكن، هناك أخطار كبيرة في مثل هذه البلدان نظراً الى ضعف البناء المؤسسي والبنية التحتية أو لانعدام الاستقرار السياسي والعوامل ذات الصلة بسعر الصرف أو غيرها.

ويذكر ان بلداناً مثل السعودية وقطر والإمارات والكويت، وظفت أموالاً طائلة في البلدان العربية والبلدان النامية الأخرى من دون أن تحقق عائدات مناسبة منها في حين حققت نتائج جيدة في استثماراتها في البلدان الصناعية المتقدمة.

فهل يمكن الاعتماد على عائدات هذه الصناديق خلال السنوات المقبلة للتعويض عن انخفاض إيرادات النفط المتوقعة؟

لا شك في أن هناك إمكانات لتحقيق عائدات ملائمة من الاستثمار في الخارج، ولكن ذلك يتطلب الاهتمام بإدارة هذه الصناديق وكذلك اختيار أفضل مديري الاستثمار لتعزيز النتائج المرجوة.

ويفترض أن تؤكد الحكومات على ضرورة الاستثمار في الأدوات المنخفضة الأخطار، على رغم تدني معدلات العائد، حيث يظل مهماً الحفاظ على قيمة الاستثمارات وعدم تراجعها أو تدهورها نتيجة لاختيار أدوات استثمارية ذات أخطار عالية.

وإذا تمكنت دول الخليج المصدرة للنفط من تحقيق عائدات بحدود 5 في المئة من قيمة الاستثمار سنوياً، فإن ذلك يعد إنجازاً مهماً في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها عالمنا الآن، والمحتملة خلال السنوات المقبلة.

والعائد في هذا المستوى قد يعني إيرادات مهمة لبلدان المنطقة، إذا أخذنا في الاعتبار القيم المحددة للثروات السيادية.

وربما تعيد بلدان الخليج النظر في مخصصات الإنفاق والدور الاقتصادي للدولة بما يمكن من خفض متطلباتها المالية، سواء من النفط أو عائدات الاستثمار.

نقلا عن الحياة