عاد التركيز مجددا أواخر الأسبوع الماضي على العوامل المؤثرة في أسعار النفط، بعد أن حسم بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي أمره وقرر الإبقاء على معدلات الفائدة على الدولار دون تغيير.
والعوامل المؤثرة في أسعار النفط متعددة؛ بعضها قصير الأجل كبيانات المخزونات الأمريكية الأسبوعية، ومعدلات الإنتاج الأمريكي، أو عدد منصات التنقيب عن النفط، وبعضها يصدر مرة كل شهر؛ كتقديرات وكالة الطاقة الدولية، وتقارير منظمة الأوبك، أو أنها تأتي مفاجئة كتصريحات المسؤولين في الدول المنتجة في الأوبك وخارجها عن خطط الإنتاج. كما أن الأرقام والتوقعات الخاصة بمعدلات النمو الاقتصادي في الصين والولايات المتحدة لها تأثير إيجابي أو سلبي على الأسعار.
ونحاول في هذا التقرير تسليط الضوء على ما استجد على هذه العوامل لمعرفة ما إذا كانت الأسعار ستصمد عند المستويات الراهنة أم أنها مرشحة للابتعاد عنها صعوداً أو هبوطاً، ونجد بهذا الخصوص ما يلي:
1-سجلت أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً يوم الأربعاء الماضي على أثر صدور البيانات الأسبوعية الأمريكية، والتي أظهرت انخفاضاً في مخزون النفط الخام في أسبوع بنحو 2,1 مليون برميل، في الوقت الذي كانت التوقعات ترجح ارتفاعها بنحو 1,2 مليون برميل.
وكرد فعل لهذا التقرير المفاجئ، ارتفع سعر نفط برنت بنحو 2,55 دولار، وبنسبة 5,3% إلى مستوى 50,30 دولار للبرميل، قبل أن يعود للانخفاض دون هذا المستوى في اليومين التاليين.
ومن الواضح أن الانخفاض في مستويات المخزون يعكس ارتفاعاً في الطلب الأمريكي أو انخفاضاً في المعروض من النفط الخام في وقت لا تزال فيه الأسواق العالمية تعاني من فائض في المعروض.
2-أظهر تقرير منظمة الأوبك الشهري أن انتاج دول الأوبك من النفط في شهر أغسطس قد ارتفع إلى 31,5 مليون برميل يومياً، وأن إنتاج دول المنظمة في متوسط الربع الثاني-أي الفترة من بداية إبريل إلى نهاية يونيو- كان يتم بمعدل 31,2 مليون برميل يومياً.
أي أن دول الأوبك كانت تعمد في مجملها إلى زيادة انتاجها قدر ما تستطيع للتعويض جزئياً عن انخفاض الأسعار، وخاصة السعودية والعراق وإيران.
3-في حين يؤدي التحسن البطيئ في معدلات النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا والهند إلى ارتفاع الطلب العالمي على النفط، فإن المنتجين-الذين لديهم طاقات انتاجية فائضة- من الأوبك ومن خارج الأوبك بتنافسون في زيادة معدلات انتاجهم، وقد وصل انتاج روسيا على سبيل المثال إلى أعلى مستوى له منذ عقود ووصل إلى مستوى 10,7 مليون برميل يومياً.
وقد نفت روسيا خلال الأسبوع الماضي نيتها عقد اجتماعات مع دول الأوبك، للتنسيق بشأن خفض محتمل لمعدلات الإنتاج، بما يساعد على امتصاص فائض المعروض من الأسواق. وكان لهذه التصريحات تأثيرات سلبية على أسعار النفط.
4- لكي نفهم حقيقة ما يجري نشير إلى أن الميزان العالمي على النفط قد سجل تراجعاً في المخزونات الكلية في عام 2013 بلغ 0,2 مليون برميل يومياً، نتيجة زيادة الطلب عن العرض.
وهذا الوضع أبقى أسعار النفط مرتفعة فوق 110 دولار للبرميل في تلك السنة. وتغير الحال في عام 2014 بحدوث زيادة في المخزون العالمي مقداره 1,1 مليون برميل يومياً، وأدى هذا الوضع كما هو معروف إلى تدهور الأسعار في النصف الثاني من العام 2014.
وزاد الأمر سوءاً في النصف الأول من العام 2015 حيث ارتفع التغير في المخزون العالمي إلى +2,2 مليون برميل يومياً في متوسط الربع الأول من العام، ثم إلى +2,8 مليون برميل يومياً في الربع الثاني. ويؤدي استمرار الفائض بهذه المعدلات المرتفعة أو قريب منها في الربع الثالث -الذي ينتهي بعد أيام- إلى الضغط على الأسعار.
ولذلك عادت التوقعات مؤخراً إلى الحديث مجدداً عن احتمال انخفاض أسعار النفط إلى مستوى 30 دولاراً للبرميل. وقال بنك غولدمان ساكس الأمريكي مؤخراً إن احتمالية وصول أسعار النفط إلى 20 دولارًا أصبحت عالية جدًا مع زيادة امتلاء صهاريج تخزين النفط في العالم، وبسبب تباطؤ الطلب ونمو المعروض.
5- في المقابل، هناك عوامل إيجابية تضغط باتجاه وقف تدهور الأسعار وتتمثل في التراجع السريع لمنصات التنقيب عن النفط في العالم وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، نتيجة توقف المنصات في المناطق ذات التكلفة العالية.
وفي حين كان عدد المنصات في الولايات المتحدة نحو 1912 منصة في الربع الأخير من عام 2014، فإن الرقم قد انخفض إلى 644 منصة فقط في منتصف سبتمبر الحالي.
وهو ما يعني أن أي تدهور في الأسعار دون مستوى 40 دولاراً للبرميل، سوف يؤدي إلى تقلص الزيادات الجديدة في الإنتاج فضلاً عن توقف منصات الإنتاج ذات التكلفة العالية، ومن ثم يكون الانخفاض قصير الأجل جداً، تعود بعدها للارتفاع.
ومن هنا فإن التوقعات الأرجح لبنك غولدمان ساكس هي في وصول السعر المتوسط لنفط برنت في عام 2015 إلى 53,7 دولار للبرميل وإلى 49,5 دولار للبرميل في متوسط عام 2016.
6- أن الصورة القاتمة لوضع أسعار النفط في الأجل القصير يقابلها صورة وردية جداً للأسعار في الأجل الطويل، رسمها المجلس الوزاري للأوبك في تقريره لهذا العام.
فقد أشارت الأرقام الأولية للسيناريو الأساسي لتقرير المنظمة إلى أن سعر نفط الأوبك سيرتفع إلى مستوى 140 دولارًا للبرميل بحلول عام 2040 ، وإن كان ذلك يشكل انخفاضاً عن مستوى 177 دولارًا للبرميل الذي كان متوقعاً في تقرير المنظمة للعام السابق.
ويظل في بعض ما كتبت رأي شخصي قد يحتمل الخطأ، والله جل جلاله أعلم.
كالعادة تلخيص ووصف سهل ممتنع . شكرا جزيلا