ملامح أزمة جديدة تطل على الاقتصاد العالمي

23/08/2015 2
بشير يوسف الكحلوت

رغم أن الأسواق العالمية بشكل عام كانت في حالة تراجع في الأسابيع الأخيرة، إلا أن ما حدث يوم الجمعة 21 أغسطس 2015، يشكل  على وجه التحديد، علامة فارقة في التاريخ الاقتصادي الحديث، وإعلان بأن الاقتصاد العالمي قد دخل بالفعل في أزمة مالية جديدة، وأنه لم يعد لدى واضعي السياسات المالية والنقدية في الدول الكبرى من أدوات يمكن بها معالجة الخلل المتغلغل في بُنية اقتصادات الدول الكبرى. فما الذي حدث يوم الجمعة، وما هي ملامح الخلل الذي نتحدث عنه؟

شهد يوم الجمعة تتويجاً لسلسلة تراجعات حدثت على مدى أيام الأسبوع في أسعار النفط وكافة أسعار الأسهم في البورصات العالمية،  مع انخفاض في سعر صرف الدولار بما يعكس عدم الثقة به في أوقات الأزمات، والعودة لشراء الذهب الذي ارتفعت أسعاره بنحو 47 دولار للأونصة. فقد انخفض سعر نفط غرب تكساس الأمريكي إلى نحو 40 دولار للبرميل، وانخفض سعر نفط الأوبك إلى مستوى 44,13 دولار، وهو أدنى مستوى له هذا العام، وأقل مستوى منذ اكثر من 6 سنوات.

وانخفض مؤشر داو جونز يوم الجمعة بنحو 531 نقطة ليصل إلى مستوى 16460 نقطة، بانخفاض يقترب من 2000 نقطة عن أعلى مستوى وصله المؤشر هذا العام. كما انخفض في نيويورك مؤشرا نازداك وستاندرد أند بورز،  وسبقتها كافة مؤشرات الأسهم الأوروبية واليابانية والصينية والكورية وغيرها.

وقد حدثت هذه الفرقعة الكبيرة في الأسواق بعد سلسلة من التطورات التي عكست وصول الاقتصاد العالمي إلى مأزق، وحالة من التناقض في وضع القاطرتين اللتين تقودان الاقتصاد العالمي وهما القاطرة الأمريكية، والقاطرة الصينية.

ففي الوقت الذي بات على لجنة السوق المفتوحة(أو لجنة السياسات) في بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي البدء برفع سعر الفائدة على الدولار استناداً إلى ما تعكسه الأرقام من نمو حقيقي وانخفاض في معدل البطالة، وارتفاع في عدد الوظائف الجديدة شهرياً، فإن الاقتصاد الصيني يواجه حالة من التراجع في معدلات نموه إلى الحد الذي أجبر السلطات النقدية على خفض سعر صرف اليوان من أجل تحفيز النمو.

وفي حين أن الوضع الناشئ في الصين قد أربك اقتصادات الدول الناشئة وخاصة في آسيا، من حيث تراجع الطلب الصيني على منتجاتها، مع خفض أسعار عملاتها، فإن الرفع المنتظر لأسعار الفائدة على الدولار سوف يعمق من متطلبات خدمة الدين العام في تلك الدول.

وقد ظهرت حالة الإرباك على المشهد الأمريكي من تناقض التصريحات الخاصة بالسياسة النقدية، فبينما عبر أحد مسؤولي بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي قبل أسبوعين عن عدم وجود خطط عاجلة لدى البنك لرفع سعر الفائدة على الدولار، فإن محضر اجتماع لجنة السياسات  في البنك التي انعقدت يومي 28 و 29 يوليو الماضي قد كشفت عدم صدق هذه التصريحات، وأن النية مبيته لفعل ذلك في وقت قريب.

وهكذا عكست التطورات المتلاحقة في الأسبوع الماضي، صورة مضعضعة للاقتصاد العالمي، باقتصاد صيني في حالة تراجع رغم نموه بنسبة 6%، واقتصاد أمريكي تأكد نموه، ولكن السلطات غير قادرة على ضبط الأدوات النقدية بما يمنع حدوث ارتفاع في معدل التضخم، واقتصاد أوروبي  غارق في مجمله في مرحلة تباطؤ طويلة، مع تعثره في أزمة الديون اليونانية.

ومع انخفاض أسعار النفط فإن ذلك قد ضاعف من متاعب دول مصدره له  سواء في أسيا كماليزيا، أو في منطقة الشرق الأوسط كالسعودية ودول الخليج، وإيران، إضافة إلى روسيا وفنزويلا.

 ومن ناحية أخرى يؤدي انخفاض أسعار النفط، مع  انتشار حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعاني منها بعض دول الشرق الأوسط وخاصة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا، إلى خفض أنفاق دول الخليج على مشروعات التنمية، وهو ما يؤثر على الطلب العالمي، وإلى استنزاف مدخرات دول المنطقة بمعدلات متسارعة بسبب الإنفاق العسكري. 

وبعد هذه القراءة السريعة لتطورات المشهد الاقتصادي العالمي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا بعد؟ وما هو المتوقع في الأيام والأسابيع القادمة؟

سيؤدي انخفاض أسعار النفط مع تراجع إيرادته إلى دفع الدول المصدرة إلى زيادة صادراتها للتعويض عن تراجع الأسعار، وفي الوقت ذاته يعمد المستهلكون إلى خفض تعاقداتهم ومشترياتهم أملاً في الحصول عليها في وقت لاحق بأسعار أقل، ويكون من نتيجة ذلك حدوث المزيد من التراجع في أسعار النفط بعد أن كسرت الحاجز الذي وقفت عنده في يناير الماضي.

ويؤدي انخفاض أسعار النفط إلى تنشيط الاقتصاد الأمريكي أكثر بما يضطر بنك الاحتياط إلى رفع سعر الفائدة على الدولار، وبنتيجة ذلك يحدث المزيد من التراجع في مؤشرات الأسهم العالمية.

وطبعاً لا بد أن يكون هناك ضوء في نهاية النفق، لأن سلسلة الانخفاضات لا بد أن يتبعها عمليات شراء مكثفة فترتفع المؤشرات من جديد، وتلك كانت خلاصة تجربة العالم مع الأزمات الاقتصادية. 

ويظل في بعض ما كتبت رأي شخصي قد يحتمل الخطأ، والله جل جلاله أعلم