الفجوة الزمنية تغيب عن أذهان كثير من الناس. فما يزرع اليوم يحصد غداً. وتحركات المجتمعات الإنسانية، سواء أكانت ثقافية أو سياسية أو اقتصادية، لا تخرج عن هذه القاعدة الكونية.
فكارل ماركس مات قبل الثورة الاشتراكية بعقدين أو ثلاثة، كانت هي فترة احتضان أفكار الماركسية. كما إن أصول الماركسية مستمدة من المزدكية، فالفكر الإنساني متى وثِقت أصوله لا يفنى، بل يتحول ويتطور.
ولا يوثق الفكر الإنساني إلا انتصار الدول له. ولولا نصرة أمراء ألمانيا لأفكار مارتن لوثر التي فضح بها فساد الكنيسة الكاثوليكية، لما كانت البروتستنتية لترى النور. ولولا البروتستنتية لما خرج النصارى من الجهل والتخلف. فالكاثوليكية، في منعها للعلم، كانت تحرق النصراني الذي يقرأ الإنجيل.
ولولا تعاطف ملك بريطانيا مع البروتستنتية ثم انتصار ابنته لها من بعده والتي حكمت بريطانيا أربعين عاماً، لما كانت - والله أعلم - أمريكا اليوم إمبراطورية عظمى. فالإسبان الكاثوليك استعمروا أمريكا الجنوبية وبريطانيا استعمرت الشمالية.
والمعتزلة تسببوا على المسلمين بتحريم المنطق فحُرِم العلم فتخلف المسلمون فاتخذوا لهم رجال دين كما اتخذ اليهود والنصارى.
ولو تأملنا أي شاهد من الشواهد السابقة، فسنجد أنّ الزراعة سبقت الحصاد، والغالب في فترات الحضانة يدور حول ثلاثة عقود، فتظهر الثمار لتبدأ مرحلة حضانة أخرى من أفكار متولدة من ثمار الحصاد السابق، فزراعة ُحضانة فإثمار فتوليد فزراعة فحضانة فإثمار وهكذا تتقدم الأمم أو تنهار.
فالسيئ يولد الأسوأ والجيد يولد الأفضل. فمن سبق فات ومن تأخر مات.
والأثر الفكري أو الاقتصادي يمتد أجيالاً. فنهضة المسلمين العلمية كانت تقريباً في عهد المأمون في بغداد والأندلس، ثم حورب العلم بعد ذلك، لكنه أثر النهضة العلمية استمر قروناً.
وابراهام لينكون حرر العبيد، ولكن السود ما زالوا في الفقر إلى اليوم. فحصار الجهل الذي فرضه عليهم أسيادهم أيام رقهم، أبعدهم عن الأعمال العقلية وأشغلهم في البحث عن ضروريات حياتهم. وثقافة النظرة الدونية للأسود، ظلت تتناقل في تناقص مع الأجيال، حتى نصبوا عليهم اليوم أسوداً سيداً عليهم لتفتيت العنصرية العاتية عن الزمن.
- وإذا ضيقنا مجال الزمان والمكان والحال، فحصرناه على أنفسنا لنرى أين نقع نحن بين كل هذا، واتخذنا من أثر الطفرة الأولى على المجتمع، فسنجد أن هناك من يستشهد بخير الطفرة الأولى بالتقليل من خير الطفرة الثانية.
فمثلاً تسمع من يقول إن جيل الطفرة الأولى واجهوا حالاً أفضل مما واجهه ويواجه جيل الطفرة الثانية. والعكس هو الصحيح. فجيل الطفرة الثانية يواجه تحديات بسيطة تصقل بعضاً من المواهب. بينما تخدّر جيل الطفرة الأولى وتنمّلت أطرافة وانشل فكره بترف الإنفاق عليه بلا عمل ولا جهد.
وعلى العموم فكون أن الفرصة - كما أزعم - هي أفضل اليوم لهذا الجيل من جيل الطفرة الأولى ، فإنّ هذا لا يعني نفي أثر الإحباط والفقر، الذي ورّثه لهم جيل الطفرة الأولى. ففترة السنوات العجاف، هي فجوة الزمن التي تتحول فيها الولاءات والآراء. فجيلنا نحن، أدركنا حلم البترول وأنه لا خوف علينا أبداً. وهذا الاعتقاد يحتاج وقتاً ليتغير ويحل الإحباط محله.
كما أنه من جهة أخرى، فالفرص التي أتت منذ عشر سنوات لا تتمتع بنفس المقدرة على الإسعاد وإبعاد الإحباط كالتي كانت في الطفرة الأولى.
فالطفرة الأولى كانت ناقله من فقر وعدم معرفة للمستقبل إلى قفزة إلى الثراء العالمي.
كما أنها لم ترث إحباطاً سابقاً بل قناعة شعبية بالقليل فجاءها الكثير. والعشرون العجاف التي خلفتها، مسحت الرضا وبنت الإحباط.
والعشر سنوات الماضية، سنوات الطفرة، جاءت على خراب نفوس يحتاج لإصلاح. وكذلك جاءت وهي لا تستطيع أن تقدم مستوى العطاء الذي قدمته الطفرة الأولى لكثرة الناس اليوم ولتقنين فوايض البترول. وهي إلى الآن لم تأت ثمارها.
لذا فالنظرة الصحيحة أن يقال، إن الطفرة الثانية كانت عاملاً في منع انهيار البلاد الذي كان حتمياً لو أن البترول لم يرتفع مع الغفلة عن الفساد.
العشرون العجاف التي كانت بين الطفرتين، هدمت الأمل والشكر الذي بنته الطفرة الأولى وغرست الإحباط في جيل ما بين الطفرتين، وقادت البلاد إلى شفا الانهيار الاقتصادي. والعشر الطيبة التي تبعتها منعت الانهيار ومحت بعض الإحباط فما زال الطريق طويلاً. فالفقر هو أساس الإحباط وقيام الثورات.
فعشر سنوات الطفرة الأولى أكلتها العشرون التي تبعتها، فهذه ثلاثون عاماً، فهي دورة زمنية واحدة. ثم جاءت عشر سنوات الطفرة الثانية فنحن إذاً مقبلون على مرحلة زمنية جديدة، إن أعادت نفس نمط العشرين التي سبقتها، فإنها لا سمح الله ستكون دورة زمنية رافعة خافضة.
نقلا عن الحياة
يبدو لي ان هناك تشاؤم من العشرين القادمه تفائلوا بالخير تجدوه
وبكل صراحة يعجبني كثيراً فكرك وقلمك ودوماً تفكر خارج الصندوق، وبالإضافة أقول أن هذه البلاد حفظها الله عندما تترك منهج "التقليد والتطور البطيء" وتتحول إلى منهج "الإبداع والجراءة والتجديد" حتماً ستواجه مستقبل مشرق وعظيم وكل مشروع تخريبي سيتحطم أمام هذا المنهج، والنهضة المعرفية والثقافية والإنفتاح والإصلاح والتغيير والتطوير إلى كل ماهو أفضل هو خيار لاخيار أخر صحيح لمنع أي إنهيار يغتال هذا الوطن العزيز حفظه الله حتى وإن كانت هذه الدولة خليفة دولة قديمة قامت على الدين، ذلك أن الإسلام الحقيقي وليس المزيف الذي لدى مايسمى برجال الدين يدعوا إلى التطور والرقي والإنفتاح وركوب الموجة ومسابقة الزمن "دون مس الثوابت"، نحن اليوم في عصر الصراع المعرفي ولاغيرة صراع، ودول المنطقة لازالت صراعاتها تحوم حول هذه الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية..إلخ، وهذه الصراعات أثبتت أنها صراعات دموية وإستنزافية وفاشلة وتسبب الفوضى العارمة والفقر والتخلف والجهل..إلخ على مر الأزمان ولايدوم الإنتصار لمن أنتصر على الآخر. نحن مقبلين على مخاطر جمة ومستقبل صعب وفيروس "الفوضى الخلاقة" لازال يصارع جسد المنطقة العربية وهذا الفيروس قتل الكثير، وذلك أن المنطقة لاتريد الدخول إلى الصراع المعرفي بل ولم تكتفي بهذا بل تريد تصدير هذه الثقافة إلى خارجها، وهذ الأمر يجبر على الدول العظمى إشغال المنطقة بصراعاتها لوحدها مادامت تؤمن بها بالإضافة نقل الإرهاب إلى مقرة الرئيسي، كون هذا الدول العظمى تخطى هذه الصراعات منذ زمن طويل ولايريدون أن تنتشر هذه الثقافة في العالم من جديد لأننا في زمن أصبح أعداد البشرية رقم مهول وكبير جداً والقدرات التي وصلت إليها البشرية خطيرة ويجب أن يتخيل الجميع ماسيحدث لو رجع العالم لهذه الصراعات التي تعج بها هذه المنطقة ووفق هذا يجب علينا أن نستوعب بالكامل أن لابقاء لنا في هذا العالم إلا بالصراع المعرفي، وحان موعد إنطلاق حضارة معرفية إسلامية جديد تنطلق من هنا وحضارة إسلامية شاملة تحترم جميع الحضارات الأخرى والإختلافات وغيره. وشكرا لك
بسم الله الرحمن الرحيم الدورة الاجتماعية ان صحة التعبير حقيقة لا ينكرها الا جاهل , و قد بين الكاتب بالأرقام حياتنا في الأربعين السابقة, الا ان الزمن تغير بسبب أدوات السرعة - لذلك نعتقد ان الدورة القادمة سوف تكون اسرع و اقسى وعلى المخطط المهتم بالنتائج اخذ هذا الموضوع ( سرعة الاقتصاد-سرعة التواصل-سرعة النقل الثقافي-سرعة التفاعل النفسي مع الاحداث ) الخ , في حساب الحلول امثلة=- دول تفلس-دول تنتهي-شعوب تتقاتل-اخصاب لم يعرف التأريخ مثله- ثورة معلوماتيه وغيره كثير
(ستكون دورة زمنية رافعة خافضة ) فسر الماء بعد الجهد بالماء
فلسفة بالاضافة أفكار خارجة عن الواقع
التخطيط للبلاد والأجيال مطلب لا شك في أهميته وعلى الجميع العمل والصدق لأن السفينة تحمل الجميع وتغيرات الزمن سريعة جدا ، حفظ الله بلادي والجميع
من أسباب تخلفنا و تراجعنا و عدم نهوضنا الفوضوية و العشوائية و الاغراق في التنظير الشي لا يقدم ولا يؤخر ... هنا مثال واضح على ذلك .. كم نتمنى أن يكون حديث الارقام و النظريات ثم التحليل وصولاُ في الختام الى استقراء و نتيجة من وجهة نظر الكاتب .. أما الإغراق في التنظير و رص المعلومات ( الثقافة الشيئية ) فهو ترف كتابي أكثر منه أي شيء آخر .. دمتم
مقال جميل استفدت من قرائته,,, ولكن مافائده ربط الجزء الاول بالمقاله الي نهايه الجزء الاخير من القاله حيث كان الجزء الاول عن العلم وتطوره وتبني افكاره والجزء الاخير عن الاقتصاد السعودي !! لكن بالمجمل انا مؤمن ايمان تام بالدورات الاقتصاديه وهي سنه كونيه من رب العالمين مرت بها الامم السابقه وسنمر نحن بها فنسأل الله العفو والعافيه والسلامه
التخطيط للأجيال القادمة مطلب كبير، يجب أن ينتبه له المسؤولون أكثر، فهو موضوع خطير. ولكن ورغم إحساني الظن بالكاتب إلا أننا أصبحنا نتوجس كثيرا من كلمة التغيير، لأنها غالبا ما يقصد به التحلل من دين هذه البلاد أو من بعضه مما يظن بعض الكتبة أنه سبب ليس لهذا البلاد منهجا إلا دينه، إن الأمم والدول لا تتقدم ولا تنمو بأفكار غيرها ولا بلبسٍ غير لبوسها، وما تفضل به الكاتب من تغيرات جذرية أسعدت بعض الشعوب ونقلتها إلى مستوى أكثر رقيا وحضارة، ليس بالضرورة أن ينطبق على فكرنا ومنهجنا، ولا أفهم الإصلاح والتجديد الا في مسارين: - مزيدا من الاعتزاز والتمسك بأهداب ديننا بل والصالح من عاداتنا وتقاليدنا - اجتهاد الخاصة في حل المشاكل التي تعترض سيرنا نحو الغد الأفضل على نور من علم شرعي وخبرة غي عالم الواقع ومستجداته
الله يستر ويلطف بالحال