تواجه المصارف العربية تحديات في مجال الامتثال، والغرامات المالية الكبيرة التي فرضتها بعض المصارف المركزية على عدد من كبريات المصارف العالمية نتيجة لانتهاكها التعليمات الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الأمر الذي حدا بها إلى تقليص شبكة المراسلة مع المصارف في المناطق الساخنة وذلك لتجنب التكاليف الباهظة التي تنفقها للتأكد من سلامة المصارف التي تربطها بها علاقة مراسلة في هذه المناطق.
ويُلاحَظ أن التشريعات والقوانين الأميركية فرضت قيوداً كبيرة، كان تأثيرها أكبر في المصارف الصغيرة، إذ أغلقت مصارف أميركية حسابات مصرفية عربية كثيرة، ورفضت عمليات مصرفية مع مصارف المراسلة نتيجة ارتفاع تكلفة التحقق من العميل التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية، والتي تفرض متابعة العمليات المصرفية والودائع كلها وتدقيقها، والتحقق من سلامتها وتوافقها مع قوانين مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ودفعت تلك التشريعات المصارف إلى تفضيل إنهاء العمل مع المصارف الصغيرة.
هذه الإجراءات، وإن كان هدفها الامتثال لمتطلبات ملحة فرضتها التطورات السياسية والاقتصادية العالمية، إلا إنها في الوقت نفسه تلحق الضرر البالغ بالمصارف الصغيرة وتتناقض مع أهداف تنموية عالمية أخرى تتمثل في الشمول المالي ومكافحة الفقر.
لذلك، بادر عدد من المنظمات والهيئات العالمية إلى دراسة هذه المشكلة، فأعلن فريق العمل المالي أنه سيجري دراسة موسعة للتعرف إلى تأثير تقليص شبكة المراسلين العالمية في الأسواق الناشئة، وأوكلت قمة العشرين إلى البنك الدولي مهمة إجراء مسح دولي للتعرف إلى التأثيرات الاقتصادية لتقليص شبكة المراسلين في الأهداف الإنمائية مثل الشمول المالي ومكافحة الفقر.
وأعلن مجلس الاستقرار العالمي أنه يدرس تطبيق بعض الاستثناءات لفئات معينة من الزبائن والمؤسسات المالية من قوائم الدول ذات الأخطار العالية.
واستكمالاً لهذه الجهود، وانطلاقاً من تلمسه لهذه التحديات التي تواجه المصارف العربية، بادر اتحاد المصارف العربية وبالتعاون مع صندوق النقد الدولي إلى إجراء مسح مشترك للمصارف العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للتعرف إلى حجم تأثرها بالامتثال لمعايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وقانون الضريبة على الحسابات الخارجية الأميركي وتطبيق معايير «بازل 3»، وشمل المسح 117 مصرفاً عربياً.
وأوضحت نتائج البحث أن معظم المصارف المشاركة في المسح لا تعاني من قطع المصارف المراسلة العلاقات معها، لكنها تقر بارتفاع نفقات المصارف المراسلة نتيجة تعقد إجراءات الامتثال وتعددها، وتقر بأن ذلك ضروري للحفاظ على سلامة النظام المالي العالمي وتجنب أخطار السمعة.
ولعل الاستثناء لذلك هي المصارف الواقعة في البلدان الخاضعة للعقوبات الدولية التي تعاني على نحو واسع من قطع علاقات المراسلة معها.
كذلك الحال بالنسبة إلى تحويلات العمالة المهاجرة في هذه البلدان فهي تأثرت في صورة محدودة بتطبيق معايير الامتثال العالمية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
لكن ما حدث هو قيام بعض المصارف العالمية بقطع علاقات التعامل مع بعض مزودي خدمة تحويل الأموال والعملة.
أما بالنسبة إلى الامتثال لقانون الضريبة على الحسابات الخارجية الأميركي فالمصارف المشمولة بالمسح تنظر إليه كتكلفة من دون مردود مالي، وأن المشكلة الرئيسة تكمن في توعية الزبائن عن القانون، لكنها على استعداد للالتزام به وتنفيذه.
وفي ما يخص تأثيرات تطبيق معايير «بازل 3»، ترى المصارف المشمولة بالمسح إن هذه المعايير لن تؤثر جوهرياً في إستراتيجيات أعمالها وهيكلة الموازنات.
وقد يحد الامتثال لنسبة الحد الأدنى من «صافي التمويل المستقر» (minimum net stable funding ratio) من نمو محفظة التمويل لديها، لكن مجال التوسع في بنود الموازنات لا يزال واسعاً، وهي تتطلع إلى الاستفادة من استراتيجيات التوسع خارج الحدود، وهي خطوات تشجعها «بازل 3».
واضح أن هذا المسح يعتبر خطوة أولى جيدة ومطلوبة ومبادرة ممتازة من اتحاد المصارف العربية للتعرف إلى تأثيرات الامتثال للتشريعات المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وقانون الضريبة في الحسابات الخارجية وتأثيرات «بازل 3» على المصارف العربية، ويجب أن تتبعه دراسات ومسوح أخرى.
لكن المصارف العربية لا تزال في الأحوال كلها مطالَبة بمواصلة جهودها في بناء إطار متين لإدارة أخطار الامتثال للتشريعات كلها وتطوير عمليات وإجراءات مكتوبة لتسهيل التنفيذ السليم لسياسة الامتثال.
كذلك فأنها مطالبة بوضع وتنفيذ نظام دقيق للفحص وذلك من أجل عمل فحص أوضاع الزبائن والمعاملات وتوفير التدريب الشامل على كافة المسائل المتعلقة بالعقوبات سواء لموظفي الامتثال أو موظفي مكاتب الدعم والمكاتب الأمامي وتأسيس وظيفة مستقلة للامتثال مدعمة بكفاءات بشرية وموارد فنية ومالية ملائمة وغيرها من الخطوات الضرورية.
نقلا عن الحياة