تحولت قضية تكامل الاتحاد الأوروبي اقتصادياً إلى لعبة يشارك فيها 28 لاعباً، لكن النتيجة محسومة سلفاً لصالح الألمان والفرنسيين.
هكذا كانت اللعبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أو لنقل خلال السنوات السبعين الماضية، وهكذا انتهت في بروكسل مؤخراً، حيث وضعت المستشارة ميركل والرئيس هولاند شروط الصفقة التي باركتها جميع الأطراف. وهكذا يخضع النظام الفرنسي الألماني المشترك لاختبار عسير.
ونجد في كثير من الأحيان أن هناك سراً منسياً، ألا وهو عدم التوافق بين البلدين على الرغم من تحكمهم في بقية بلدان الاتحاد الأوروبي، وذلك لعدم امتلاكهم إرادة الرئيس ديغول تجاه وحدة دول الاتحاد الأوروبي، كما أنهم ليسو من أمثال اديناور الذي تعهد بالفيدرالية.
وبالنظر إلى واقع الحال، الذي تشهده أوروبا، تحرص برلين على خروج اليونان من منطقة اليورو، على العكس من موقف باريس التي تبذل الجهود الحثيثة من أجل إبقائها ضمن المجموعة الأوروبية.
وتختلف أيضا وجهات نظر البلدين الأوروبيين في المحادثات الأوروبية الرئيسية التي تجمعهم عند إبرام الاتفاقيات التي تجمعهم، باستثناء المملكة المتحدة، ولكن على الرغم من الاختلافات، يتم قبول الاتفاقيات من بقية دول المنطقة، وهذا ما لا يمكنه أن يحظى بالديمومة إلى ما لا نهاية.
وبالعودة إلى فترة الحرب الباردة، نجد أن ألمانيا تنازلت لفرنسا عن الدور المركزي الذي كانت تعتمد فيه استراتيجياً عليها، ولكن في الوقت الراهن، يظهر تناول القيادة الألمانية للقضايا، بنفس ما كانت تظهره أوكرانيا إلى فرنسا من تقديم الشكر على دورها في التغطية.
وبذلك تكون نتيجة اتفاق بروكسل الأخير، والمتعلقة بمستقبل اليونان وعدم إعفائها من الديون لا يمثل سوى إنجاز حرصت ألمانيا على تحقيقه.
تعتبر فرنسا إلى جانب إيطاليا وقبرص، من مجموع 18 بلداً أوروبياً آخر، كانت على أتم الاستعداد للتوقيع على صفقة إنقاذ اليونان، إلا أن القرار النهائي تم اتخاذه بواسطة فرنسا وألمانيا في آن واحد، حيث قدمت ألمانيا فيه إعادة هيكلة الديون على الطاولة، مقابل أن تحصل فرنسا على رغبتها (عدم خروج اليونان من منطقة اليورو).
ويتضح مما سبق أن البلدين الأوروبيين العريقين، لا يزالان يمارسان بعضاً من سحرهما، وكون أن السيدة ميركل والسيد هولاند يملكان قواسم مشتركة في صفاتهم الشخصية مثل قلة الاهتمام وعدم الثقة في النفس، فربما ساعدتهم هذه الصفات، في السعي والوصول للتسوية، التي أسهمت في بناء التحالف الألماني وفن توليف الحزب الاشتراكي، ولكن من المرجح، أنهما يقومان بذلك بهدف عدم الرجوع للماضي.
ونرى من خلال الجلسات العلنية التي كشفت عن التصدعات المتعمقة والمتوسعة والتي رفع عنها الستار، الأسبوع الماضي، أن ألمانيا تنظر للأعمال الاقتصادية، بمثابة أوراق رابحة لاعتباراتها السياسية الاستراتيجية، بينما ترى فرنسا أن ترتيب العوامل ينبغي أن يتخذ شكلاً مغايراً، ويظهر ذلك واضحاً، من المقترح الذي قدمه هولاند في 14 يوليو، بشأن منطقة اليورو، وإنشاء جهاز سياسي محاسبي لها، وبرلمان خاص بها، إضافة إلى ميزانية منفصلة، وهذه ربما تكون ملفقة في حال نجاح مشروع الإنقاذ الجديد.
ولسوء الحظ، فإن الألمان في الوقت الحالي، بعد تحقيق إنجاز عدم شطب ديون اليونان، لابد أن يقعوا في شر أعمالهم.
فإضافة مليارات الدولارات لجبل ديون اليونان و فرض خفض على المعاشات التقاعدية وزيادة الضرائب في خضم الركود الذي يعاني منه الاقتصاد اليوناني وفرض برنامج تقشف بقيمة 50 مليار يورو كما كان عليه الحال في عام 2011 لن يكون مجدياً كما كان في الماضي.
ولكن من المرجح عدم العمل بهذه الخطط في الوقت الحالي، كما كان في الماضي بعد اعتماد الخطة «ب» وتزايد احتمالات خروج اليونان، وعندئذ تواجه فرنسا بخيار مستحيل، ألا وهو أن تنساق مع المد والجزر الذي تقوده ألمانيا لخروج اليونان، وتعمل تتاليا وبشكل واضح كونها تابعاً، لخوض معركة خاسرة لمنع البلاد من أن تضطر للخروج من الأسرة الأوروبية.
وحتى إن الإدارة الألمانية الفرنسية المشتركة ربما لا تقف لإبرام تسوية يمكن تطبيقها.
وإن التغيير وراء تلك المشاهد يكمن في أن التعهدات بين باريس وبرلين لم تعد قادرة على أن تأخذ قوتها من مشروع التكامل الأوروبي المشترك: لرفض فرنسا للدستور الأوروبي المقترح في العام 2005 الذي كان يمثل نقطة تحول، والذي أصبحت فيه العلاقة نفعية ، ونتيجة لذلك فإن أيام الاتحاد الأوروبي تقترب أكثر من أي وقت مضى من نهايته.
نقلا عن الخليج